في 11 أيار 2014، استضافت “مؤسسة الإمام الحكيم” ضمن إطار “منتدى الأربعاء الشهري” عضو المجلس الإسلامي العلوي، الشيخ علي قدور، في حوار بعنوان: “العلويون في لبنان: من هم؟ وما هي رؤيتهم وأفكارهم؟”.
في كلمته قال الشيخ قدور إنّه “لا يوجد للعلويين مشروع خاص للتمايز عن بقيّة الطوائف والمذاهب، بل هم مع وحدة العرب والمسلمين. العلويون ليسوا انفصاليين أو تقسيميّين، ولا ينظرون لأنفسهم على أنّهم أقلّية، ويرفضون منطق حماية الأقليّات”.
تكمن أهمية كلام قدور في أنّه قد قاله عقب أقلّ من سنة على الخطة الأمنيّة التي أشرف على تنفيذها حينها وزير الداخلية نهاد المشنوق، والتي وضعت نقطة النهاية للاحتراب بين جبل محسن وباب التبّانة، وكانت جراحها لمّا تندمل بعد، بالإضافة إلى أنّ الأزمة في سوريا كانت في ذروة اشتعالها، ونظامها خارج الشرعية العربية.
تؤكّد مصادر مقرّبة من النائب ناصر أنّه “لم يسعَ أبداً إلى توطيد نفوذه، بل انصبّ جهده على إجراء الانتخابات بهدف إطلاق دينامية جديدة داخل أروقة الطائفة العلوية، وأن يكون المجلس الجديد منصّة لتأطير النخب الدينية والمدنية
حينما أُجريت انتخابات المجلس الإسلامي العلوي أواخر تشرين الثاني الماضي، بعد أكثر من 20 عاماً من التعطيل والعراقيل القانونية والدستورية، اختارت الهيئتان الشرعية والتنفيذية الشيخ علي قدور رئيساً جديداً للمجلس. فكرّر محتوى الكلام نفسه في كلمته الأولى بعد تنصيبه. وبذلك أكّد أنّ هذا الخطاب ليس طارئاً ولا مستجدّاً، وإنّما يعبّر عن قناعة راسخة يُفترض أن يعبّر عنها النهج الذي يتوخّاه المجلس الجديد. بيد أنّ ثمّة جملة وقائع تمخّضت عن الانتخابات ونتائجها لا بدّ من التوقّف عندها.
ناصر فاز أم خسر؟
– أوّلاً: يُحسب للنائب حيدر ناصر أنّه كان صاحب البصمة الأبرز في حصول الانتخابات وتجاوز العراقيل. وعلى الرغم من كلّ الانتقادات التي تعرّض لها، واتّهامه بمحاولة الإتيان بمجلس موالٍ له، بعدما قامت اللجنة المشرفة على العملية الانتخابية باستبعاد ترشيحات عدد من رجال الدين، إلا أنّ النتائج أثبتت عكس ذلك. فقد حصل الحزب العربي الديمقراطي، الذي يتزعّمه رفعت عيد، على الأكثرية في الهيئتين الشرعية والتنفيذية. والأصوات نفسها التي انتقدته عادت لتتحدّث عن هزيمته.
تؤكّد مصادر مقرّبة من النائب ناصر أنّه “لم يسعَ أبداً إلى توطيد نفوذه، بل انصبّ جهده على إجراء الانتخابات بهدف إطلاق دينامية جديدة داخل أروقة الطائفة العلوية، وأن يكون المجلس الجديد منصّة لتأطير النخب الدينية والمدنية، وتقديم صورة مغايرة لما علق بالذاكرة من انطباعات سابقة، علاوة على إعادة الوصل مع مختلف مكوّنات العائلة الطرابلسية الكبيرة، ذلك أنّ الطائفة العلوية هي جزء لا يتجزّأ من تاريخ طرابلس وحاضرها ومستقبلها”.
تشير المصادر إلى فوز 4 أشخاص دعم ناصر ترشيحهم من أصل 11، وهو العدد الإجمالي لأعضاء الهيئتين التنفيذية والشرعية، بينهم أسامة رمضان الذي نال 47 صوتاً، وهو الرصيد الأعلى، وبفارق كبير عن الآخرين، بما يعكس الأسس التي انطلق منها في ترشيح ذوي الحيثيّة الاجتماعية، ودعم الفاعليّات العلوية لجهوده.
تضيف المصادر أنّ ناصر “يوازن بين الحفاظ على خصوصية الطائفة العلوية الدينية والثقافية، وبين الانفتاح على مجتمع متنوّع الهويّات، وبين الوقوف في وجه بعض القوى التي تعتبر الساحة العلوية الحديقة الخلفيّة لحضورها، وتلك التي تسعى إلى استعادة العلويين إلى صفها تحت تأثير أيديولوجيتها التي ترى أنّهم شقّوا عصا الطاعة”.
المعاناة من التهميش والحرمان والعوامل الاقتصادية الأخرى هي قاسم مشترك بين العلويين وسائر أبناء مجتمعهم. وطرابلس هي مدينة كبرى تستوعب كلّ الاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية والطائفية
عيد الفاعل الأوّل
المقصود الأوّل بما سبق هو التيار الوطني الحر، الذي يسعى رئيسه جبران باسيل إلى مصادرة قرار الطائفة العلوية والإيحاء بأنّه ممثّلها السياسي. لذلك ضغط على ناصر لضمّه إلى تكتّله النيابي، مستخدماً أحياناً أساليب تنمّ عن فوقية، إلا أنّ الأخير رفض الانضمام إلى أيّ تكتّل حفاظاً على استقلاليّته، الأمر الذي دفع بباسيل إلى الامتناع عن زيارة المجلس الإسلامي العلوي، أو لقاء أيّ شخصية علوية في زيارته الأخيرة لطرابلس.
– ثانياً: أثبتت الانتخابات فشل الحزب، الذي يروم منذ سنوات استغلال الواقع السوري من أجل تشييع العلويين دينياً وسياسياً، في اختراق الطائفة العلوية بـ”عضلاته”، بل عبر الحزب العربي الديمقراطي الذي يشكّل معبراً إلزامياً. وكان لافتاً أنّ وسائل الإعلام المقرّبة من الحزب تجاهلت تماماً انتخابات المجلس الإسلامي العلوي ونتائجها وآثارها، بما يتناقض مع اهتمامها المفرط بشؤون دار الفتوى وهمساتها وسكناتها. مع ذلك، فإنّ الحزب يحاول الالتفاف على النتائج، من خلال الضغط على رئيس المجلس الجديد الشيخ علي قدور لتعيين أسماء معيّنة في بعض المراكز الاعتبارية داخل المجلس.
– ثالثاً: لا تزال الحالة التي يمثّلها رفعت عيد تتمتّع بحضور داخل الطائفة العلوية. فالرئيس الجديد علي قدور يعدّ من المحسوبين عليه، وكذلك الحال بالنسبة للأكثرية الفائزة. وتعزو مصادر داخل الطائفة العلوية ذلك إلى “تراكمات حقبة آل عيد الوالد والابن، وإلباس العمامة لمشايخ يوالونهما أوّلاً، الأمر الذي لا يزال عاملاً انتخابياً مؤثّراً. بيد أنّ هذه الحالة لم تعد مثلما كانت سابقاً. فهناك أكثرية صامتة تشكّل نحو 70%، لكنّها مشرذمة، وبحاجة إلى جهد كبير لتجميعها”.
– رابعاً: فشل النائب السابق علي درويش في استغلال كونه مقرّباً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فهو مستشار له حالياً، وكان عضواً في كتلته النيابية (2018-2022)، من أجل إحداث خرق إيجابي يمكن أن يساعده في ترسيخ حضوره أو حضور الرئيس ميقاتي داخل أروقة الطائفة العلوية. وفي النتيجة لم ينجح المرشّح الذي دعمه، وحصل على 25 صوتاً، بينها أصوات التحالف الذي كان جزءاً منه مع شخصيات فاعلة، ومنهم النائب حيدر ناصر.
العلاقة مع دمشق
– خامساً: على الرغم من كثرة الحديث عن أنّ المجلس الإسلامي العلوي المنتخب موالٍ لدمشق، إلا أنّ ذلك يعكس قصوراً في فهم العلاقة التاريخية التي تربط الطائفة العلوية بالعاصمة السورية، والتي تنبع بشكل رئيس ممّا يعرف بـ”قلق الأقليّات” الذي يضطرّها إلى الاتّكاء على قوة سياسية تعدّها سنداً وحامياً لها من الذوبان.
ينبغي عدم اختزال الطائفة العلوية بشخص أو بحالة، أو تصوير أبنائها على أنّهم عناصر سوريّة مزروعة في الجسد اللبناني. فكثيراً ما كان للنخب العلوية موقف معارض من العقلية التي أدار بها آل عيد شؤون الطائفة وميلهم نحو “العسكرة”، انطلاقاً من تأثير ذلك على علاقة العلويين بمحيطهم.
إقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينيّة على حدّ “السيوف الحديديّة” ولا بديل من فتح
تعدّ العلاقة مع سوريا من أبرز الأمور الإشكاليّة التي سعت كلّ الشخصيات العلوية التي خاضت غمار السياسة إلى تجنّبها. وهذا بالضبط ما نجح في تجاوزه النائب حيدر ناصر. فهو شديد الوضوح في علاقته بدمشق، منذ ترشّحه على لائحة “انتفاضة 17 تشرين”، ثمّ دخوله البرلمان. إلا أنّه في الوقت عينه حريص على الانفتاح على كلّ القوى السياسية في البلاد، وليس في جيب أحد.
هكذا أسقط من يد رفعت عيد الورقة التي لطالما أجاد استغلالها للحفاظ على الحالة التي يمثّلها، والنيل من منافسيه عبر تصويرهم على أنّهم خصوم سوريا، الأمر الذي أرخى بظلاله السلبية على المصالحة المعنوية بين الطائفة العلوية ومحيطها، وحال دون توطيد عراها، ولا سيما أنّ الذاكرة الطرابلسية الجمعيّة لا تزال غضّة بانفجار مسجدَي التقوى والسلام، من دون إغفال تأثير غياب القوة السنّية التي يمكنها تجاوز الاستهلاك المبالَغ به لـ”المظلومية السنّية”، لملاقاة الجهود العلوية في هذا الصدد.
المعاناة من التهميش والحرمان والعوامل الاقتصادية الأخرى هي قاسم مشترك بين العلويين وسائر أبناء مجتمعهم. وطرابلس هي مدينة كبرى تستوعب كلّ الاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية والطائفية، وليست قرية ولا حيّاً شعبياً صغيراً محدود الأفق يضيق صدره بشجرة الميلاد وبلافتة تحتفي بالمولد النبوي الشريف.