جمود في التفاوض بالحديد والنار بين أميركا وإيران…

مدة القراءة 7 د


“المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا في عُمان متوقّفة حالياً، لكنّها ستعود بهدف التوصّل إلى اتفاق”.
بهذا الكلام علّق مصدر سياسي واسع الاطّلاع على الأنباء عن احتضان مسقط التفاوض الإيراني الأميركي منذ مدّة، مستنداً إلى “معطيات دقيقة من قلب المفاوضات”، كما قال لـ”أساس” تعليقاً على ما ينشر في بعض وسائل الإعلام حول خطوط التواصل بين طهران وواشنطن. ومن التقارير الإعلامية ما ينسبه بعض من التقوا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من تطمين حصل عليه لبنان عبر مسؤولين إيرانيين بأن لا حرب على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل لأنّ المفاوضات بين إيران وأميركا “ماشية” في سلطنة عُمان. وميقاتي أبلغ أكثر من جهة بذلك.

سياق “التفاوض بالحديد والنار”… وتوسيع المطالب
لا تخرج المعطيات حول جمود التفاوض الإيراني الأميركي في العاصمة العُمانية عن سياق ما سمّاه المراقبون “التفاوض بالحديد والنار”، بين طهران وواشنطن، الذي طبع العلاقة بين الدولتين، ولا سيما في عام 2023، والذي يُنتظر أن يتواصل في 2024، وسط حماوة أعلى بفعل مجريات الحرب على غزة والأفكار المطروحة، وبينها الورقة المصرية للتوصّل إلى اتفاق على ثلاث مراحل لوقف النار وتبادل الرهائن والأسرى، وخطوات “اليوم التالي” في القطاع، التي تبدو متعثّرة هي الأخرى. فالتفاهمات تحت سقف الاختلاف هي السمة التي طبعت عهد الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه آنذاك الرئيس الحالي جوزف بايدن، الذي يكمل هذا النهج.

توقّفت المصادر، التي تتوقّع أن تُستأنف المفاوضات لاحقاً أمام استمرار حرص الجانبين على الحؤول دون توسّع الحرب واعتماد الردود المحسوبة كالعادة

لا يملك المصدر السياسي الواسع الاطّلاع تفاصيل دقيقة عن خلفيّات وأسباب توقّف هذا التفاوض الإيراني الأميركي. مع ذلك يمكن ذكر:
1- أنّ أوساطاً دبلوماسية دولية كانت كشفت لـ”أساس” أنّ الجانب الإيراني وسّع مطالبه في هذه المفاوضات، حين كانت جارية في شهر تشرين الثاني الماضي، بعدما لعبت مسقط دوراً معه في ضمان عدم توسيع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحديداً على الجبهة السورية، واستطراداً اللبنانية. ذكرت هذه الأوساط أنّ سبب التعثّر طموح طهران لإطلاق يدها في العراق، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أنّ العلّة في تردّد واشنطن في إقفال الملف النووي ورفع العقوبات.

تجميد الـ 6 مليارات…
2- أنّ إدارة بايدن جمّدت تحت ضغط الكونغرس الإفراج عن الستّة مليارات دولار أميركي، المجمّدة أصلاً في كوريا الجنوبية بحكم العقوبات الأميركية، والتي كان يُفترض أن تحصل عليها إيران من المصارف القطرية، من خلال الاتفاق الذي جرى تنفيذه في أيلول الماضي لتبادل سجناء بين الجانبين. القرار اتُّخذ في واشنطن في أواسط تشرين الأول، بعد عملية “طوفان الأقصى”، ثمّ صوّتت أكثرية مجلس النواب الأميركي في أوّل كانون الأول الجاري على مشروع قانون يمنع إدارة بايدن من الإفراج عن الأموال المجمّدة بحكم العقوبات. وصوّت 90 نائباً ديمقراطياً مع المشروع الذي أُحيل على مجلس الشيوخ.

مقال ديفيد هيل وستافريديس… وموقف روس
3- أنّ مواقف متشدّدة صدرت تجاه إيران من دبلوماسيين أميركيين سابقين كان لهم دور فعّال ومؤثّر في سياسة أميركا الشرق أوسطية، مثل مقال نائب وزير الخارجية السابق للشؤون السياسية والسفير السابق في لبنان ديفيد هيل قبل زهاء عشرة أيام (نُشر في موقع “هنا بيروت”) الذي قال فيه: “إيران هي التي تحدّد الأجندة في المنطقة. إنّها تقرّر أين ومتى تلحق الأذى، في حين أنّ الولايات المتحدة في وضع ردّ الفعل. وإلى أن تنقلب الطاولة ضدّ إيران، وتتمّ استعادة الردع، فإنّ إيران ستستمرّ في زعزعة الاستقرار. لن يكون هناك أيّ خيار على الإطلاق… إنّ خلق سياق للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا بدّ أن يبدأ باستراتيجية عدوانية ومستمرّة لتقييد قدرة إيران على عرقلة مثل هذا السلام”. ودعا هيل إلى تشديد العقوبات على إيران وأذرعها. ومثل هيل نصح العديد من المسؤولين السابقين في الجيش والخارجية، ومنهم القائد السابق لحلف شمال الأطلسي الأدميرال جيمس ستافريديس، بقصف الحوثيين لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وإيران، مباشرة من حاملة الطائرات “يو إس إس أيزنهاور” الموجودة في مياه الخليج، بصواريخ “توماهوك” وبالطائرات الهجومية.
4- أنّ دنيس روس، كبير المفاوضين في عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي في عهدَي جورج بوش الأب وبيل كلينتون، وفي اتفاق أوسلو، أشار إلى أنّ إيران هي التي صنعت الأسلحة والمسيّرات التي استخدمتها “حماس” في هجوم 7 تشرين الأول. وجاء كلامه ردّاً على تبرئة رجال إدارة بايدن لطهران من العلاقة بهذا الهجوم.
5- أنّ اللوم ازداد في الكونغرس، لا سيما من الجمهوريين، لإدارة بايدن على التساهل مع طهران وإزالتها “أنصار الله” عن لائحة الإرهاب التي سمحت لهؤلاء بالتمادي في تهديد الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر.
6- أنّ إسرائيل تحيّنت فرصة جمود التفاوض الإيراني الأميركي فاصطادت القيادي في فيلق القدس في حرس الثورة رضى الموسوي في 25 الجاري. وأدى استهدافها لمطار دمشق أول من أمس إلى مقتل 11 قيادياً في حرس الثورة الإيرانية. وتفسير هذا الاستهداف له علاقة باستهداف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر من جهة واستهداف الحوثيين إيلات الإسرائيلية. فالرجل موجود في سوريا منذ 30 سنة، وعنوان مقرّه معروف منذ زمن على الأرجح لدى المخابرات الإسرائيلية التي تسهل عليها معرفة مواقيت إنزال شحنات أسلحة في سوريا فتقوم بقصفها بعد ساعات أو أيام.

البحر الأحمر والعراق… وسوريا ولبنان
هذه وغيرها من المظاهر تضيء على بعض خلفيّات التعثّر في التفاوض الأميركي الإيراني، من الجهة الأميركية، لكنّ هناك عوامل من الجهة الإيرانية أيضاً ظهرت في الأسابيع القليلة الماضية، تندرج تحت عنوان “التفاوض بالحديد والنار”، ومنها:
– تجميد الملاحة التجارية في البحر الأحمر الذي استدعى محاولة واشنطن إقامة تحالف دولي تحت مظلّة “حماية الازدهار” لضمان أمن البحر الأحمر وخليج عُمان، لكن تواجه صعوبات في ذلك. وسبب تحرّك واشنطن هي الأضرار الاقتصادية الناتجة عن امتناع كبريات شركات الشحن العالمية عن سلوك ممرّ باب المندب الذي يسيطر عليه الحوثيون، فضلاً عن السفن الإسرائيلية. فطهران وقفت ضدّ هذا التحالف معتبرة أنّها هي التي تضمن الممرّات المائية في المنطقة. وهذا يتطلّب تفاهماً معها.
– على الرغم من الحذر المتبادل من توسيع الحرب الذي لا تريده طهران ولا واشنطن، تصاعدت العمليات على الحدود اللبنانية من جانب إسرائيل و”الحزب” في الأيام الماضية، إن بالنسبة إلى عمق تبادل القصف، أو بالنسبة إلى نوعية بعض الأسلحة المستخدمة أحياناً. وقصفت أذرع طهران الوجود العسكري الأميركي في سوريا والعراق.

إقرأ أيضاً: إيران توسّع مستعمراتها على أنقاض غزّة

توقّفت المصادر، التي تتوقّع أن تُستأنف المفاوضات لاحقاً أمام استمرار حرص الجانبين على الحؤول دون توسّع الحرب واعتماد الردود المحسوبة كالعادة، عند مؤشّرين:
– شلّ الملاحة البحرية وصولاً إلى إيلات يتمّ عن طريق الحلفاء في اليمن، البعيدين عن الجبهة مع إسرائيل.
– تهديد حقل “كاريش” النفطي والغازي بإطلاق مسيّرة أعلن الجيش الإسرائيلي إسقاطها في 22 الجاري وتبنّت المسؤوليّة عن إطلاقها “المقاومة الإسلامية” في العراق، البعيد أيضاً عن الجبهة.
في الحالتين تتجنّب طهران الزجّ بالحزب انطلاقاً من لبنان، أو بحلفائها في سوريا في عمليات كهذه تفادياً للأسوأ، ولحفظ خيار التفاوض الذي لا بدّ أن يشمل غزة… ولهذا حديث آخر.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…