لماذا أرسلت إيران صواريخها إلى الأردن؟

مدة القراءة 10 د


تواجه مملكة الأردن تهديداً وجودياً ربّما هو الأخطر منذ ولادة “إمارة شرق الأردن” مطلع عشرينيات القرن الماضي:
– فهناك الإسرائيليون الذين يضغطون بكلّ الوسائل لتهجير أبناء الضفة الغربية إلى الضفة الأخرى من النهر.
– ومن جهة ثانية، يشدّد نظام الملالي الإيراني ضغطه على دولة لا تزال عصيّة على نفوذه. تارة عبر آلاف المقاتلين من الحشد الشعبي الذين أُقفلت بوجههم الحدود العراقية – الأردنية منذ أسابيع، وأطواراً عبر جبهة المخدّرات الشمالية المفتوحة مع سوريا منذ سنوات، والتي شهدت في الآونة الأخيرة تطوّرات شديدة الخطورة. ناهيكم عن مساعي “إخوان” الأردن لاستثمار انتصارات “الشقيقة” حماس، والتعاطف الشعبي مع الجرح الفلسطيني الملتهب، من أجل توسيع النفوذ السياسي داخل المملكة.

جبهة مخدّرات.. وسلاح
منذ دخول إيران إلى سوريا لمساندة نظام بشار الأسد، تعاني الأردن من تحوّل حدودها الشمالية إلى مرتع لشبكات المخدّرات من كبتاغون وحشيش وغيرهما. وهذه الجبهة “المخدّراتيّة” هي أداة سياسية أكثر منها ماليّة، تستهدف إغراق المجتمع في الأردن والسعودية وسائر الدول الخليجية بالمخدّرات، حتى لو استلزم الأمر دوران الشحنات حول العالم من إفريقيا الى أميركا الجنوبية، أو استخدام تقنيات عجائبية مثل طائرات “الدرونز”. ولو أردنا سرد أرقام المخدّرات التي ضبطتها السلطات الأردنية لاحتاج الأمر إلى مطوّلات.
المهمّ أنّه منذ عملية “طوفان الأقصى”، حدث تحوّل كبير على هذه الجبهة “المخدّراتيّة”، مع بدء تهريب الأسلحة، وجرأة المهرّبين التي بلغت حدّ الاشتباك مع الجيش الأردني، كما حصل في الأسبوعين الماضيين، فكانت النتيجة مقتل عنصر من حرس الحدود الأردني. بلغت الأمور ذروتها ليل الإثنين 18 كانون الأول الجاري، حيث أعلن الجيش الأردني إحباطه “محاولة تهريب مخدّرات وأسلحة صاروخية وأوتوماتيكية عبر الحدود الشمالية مع سوريا”، في عملية هي الخامسة من نوعها في غضون أقلّ من أسبوع. وأشار البيان إلى أنّ “التحقيقات كشفت عن مخطّطات لاستهداف الأمن الوطني الأردني”.

فيما كشف “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فجر الثلاثاء 19 كانون الأول، عن مقتل “تاجر مخدّرات سوري رفيع المستوى، يدعى ناصر السعدي”، قال المرصد إنّ “لديه ارتباطات قوية بالحزب وأجهزة الأمن السورية”، وذلك في قصف جوّي أردني لمكان إقامته بقرية “صلخد” في ريف السويداء، لم يتمّ الإعلان عنه رسمياً.
تشير التسريبات إلى أنّ القصف الجوّي حصل غداة اشتباكات عنيفة استمرّت نحو 14 ساعة ليل الإثنين – الثلاثاء، أصيب خلالها عدد من حرس الحدود الأردني، مقابل مقتل وإصابة عدد من أعضاء العصابة، واعتقال 9 منهم، وجرى ضبط نحو 5 ملايين حبّة كبتاغون، و13 ألف كفّ حشيش، بالإضافة إلى الحديث عن ضبط أسلحة ومتفجّرات وألغام ضدّ الأفراد وصواريخ.

تفخيخ سيّارة… والأردن ينبّه إيران
قالت قناة “المملكة” الرسمية إنّ “الجيش الأردني فجّر سيارة مفخّخة في أكبر عملية مسلّحة عبر الحدود لتهريب أسلحة ومخدّرات خلال السنوات الماضية”. فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر استخبارية أردنية خبر قصف السعدي مع “اتهام الحزب والميليشيات الإيرانية بالوقوف خلف عمليات تهريب المخدّرات والأسلحة”. كما قال المتحدّث باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين لقناة “العربية” إنّ وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحدّث إلى نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وأكّد له أنّ “الأردن يشدّد على عدم مرور هذه الأسلحة والمخدّرات التي للأسف كانت ضمن مناطق خاضعة للميليشيات الإيرانية”.
والحال هذه، لمن يذهب هذا السلاح؟

الجنوب السوريّ قاعدة إيرانيّة استراتيجيّة
يبلغ طول الحدود الأردنية مع سوريا نحو 375 كلم. وتمتدّ من تخوم الجولان المحتلّ جنوباً على طول حوض نهر اليرموك، لتمرّ بين درعا والرمثا (الأردن)، ونصيب (سوريا) وجابر (الأردن)، وهما المعبران الحدوديّان اللذان يربطان سوريا بالأردن. ويعدّ الثاني تحديداً شرياناً اقتصادياً مهمّاً لحركة التجارة وانتقال السلع والبضائع بين البلدين، كما عبرهما إلى العديد من الدول الأخرى، وبينها لبنان. ثمّ تمضي الحدود في البادية السورية بتضاريسها الصعبة، لتصل قرب قاعدة “التنف” الأميركية، التي تمسك بهذا المثلّث الاستراتيجي الحدودي بين العراق وسوريا والأردن. التماسّ مع إسرائيل وأميركا جعل طريق ملالي إيران نحو البحر المتوسط تمرّ بالجنوب السوري، وهذا ما دفعها إلى أن تعبّده بعشرات الميليشيات التابعة لها.
حسب تقرير نشره “المرصد السوري لحقوق الإنسان” قبل سنتين تقريباً، “يبلغ تعداد عناصر الميليشيات الإيرانية أو التابعة لها في محافظات الجنوب الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء، نحو 11,500 عنصر”. ويشير التقرير إلى أنّ عمليات التجنيد النشيطة تتمّ عن طريق “سرايا العرين”، التابعة لـ”اللواء 313”. وهو تنظيم ذو هويّة مذهبية تظهر من اسمه، ذلك أنّ “313” هو عدد المقاتلين الذين سيكونون مع الإمام المهدي المنتظر لدى الشيعة، ويتبع للحرس الثوري الإيراني، ومقرّه في مدينة “أذرع” بمحافظة درعا.

حزب الله السوريّ… و16 فصيلاً
فيما كشف موقع “إيران وير” في خريطة تفاعليّة عن انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا، نشرها عام 2020 ويتمّ تحديثها باستمرار، عن تشكيل إيران أكثر من 16 مجموعة مقاتلة محلّية في الجنوب السوري صيف عام 2018، تتبع لما يُعرف بـ”حزب الله السوري”. كما تحدّث العديد من التقارير الإعلامية العربية والغربية عن النشاط الإيراني في عملية شراء العقارات في الجنوب السوري، وخاصة مدينة درعا، والعمل على تفتيت البنية الاجتماعية في المنطقة عن طريق حركات التشييع، بهدف تحويلها إلى قاعدة استراتيجية مستدامة لها.
بالعودة إلى الإجابة على السؤال عن وجهة السلاح المهرَّب، فإنّ أجهزة الدعاية الإيرانية وتوابعها الممانعة تسوّق بأنّه لنصرة فصائل المقاومة الفلسطينية في جهادها المقدّس. فيما تذهب وسائل الإعلام الأردنية وبعض المحلّلين السياسيين إلى أنّ الهدف هو تهديد الأمن والاستقرار داخل المملكة، والضغط على النظام الملكي، عبر عملية معقّدة ليست وليدة اللحظة، بقدر ما تعبّر عن عمل وتخطيط لسنوات خلت كانا ينتظران اللحظة المناسبة التي أتت مع “طوفان الأقصى”.
هنا يجدر التمعّن في سعي الدعاية الممانعة إلى تشويه صورة الملك الأردني عبد الله الثاني، وخاصة في الأوساط الشعبية والجماهيرية، عبر اتّهامه الدائم بالخيانة وأنّه إسرائيليّ الهوى، وأنّه بمصادرة هذه الأسلحة المهرّبة يشترك مع الإسرائيليين في “ضرب المقاومة وتقويض الجهاد المقدّس”.
“أمن الأردن مقدس”.. لدينا حقائق تفيد بأن جهات رسمية تقف وراء تهريب المخدرات واستخدام 25 مسيرة دليل على أن من يقف وراء تلك العمليات دول وجهات رسمية | مدير إدارة مكافحة المخدرات الأسبق طايل المجالي.

الجهاد ضدّ آل البيت
يعدّ الملك عبد الله واحداً من أبرز الزعماء العرب. فقد حمى بلاده على مدى سنوات من الأفكار الإسرائيلية التي لا ترى فيه سوى ملاذ للتخلّص من الفلسطينيين، كما منع انتقال الجحيم السوري إلى الأردن، وخاصة التنظيمات المتطرّفة مثل داعش، على الرغم من كلّ ما سبق أن أشرنا إليه من عوامل. علاوة على تمتّعه بالفراسة والحنكة، والقدرة على استشراف المستقبل كرجل دولة خبير.
كان أوّل من تحدّث عن الهلال الشيعي حينما كان لا يزال “محاقاً”. كما حذّر أميركا والغرب من مخاطر الانهيار اللبناني على المنطقة برمّتها. وتمكّن من حقن دم أهل الجنوب السوري عبر الاتفاق الدولي الذي نجح في إبرامه مع روسيا وأميركا. فدخل الجيش السوري على جناحَي هذا الاتفاق إلى محافظات الجنوب، مقابل ما يعرف بـ”المصالحات” مع أبناء المنطقة. ونصّ الاتفاق أيضاً على “عدم السماح للقوات الأجنبية بالدخول الى درعا والقنيطرة”، بما يمثّل خطّاً أحمر إسرائيلياً، حسبما كشف تقرير لمركز “كارنيغي” الأميركي للأبحاث. لكنّ مفاعيل الحرب الروسية – الأوكرانية جمّدت هذا الشرط. وهذا ما كان الملك عبد الله الثاني سبّاقاً في الإشارة إليه حينما قال إنّ “الانسحاب الروسي من جنوب سوريا سيخلق فراغاً أمنيّاً”.

نجاحات ملك الأردن في حماية بلاده
أمّا نجاحه الأكبر فيتمثّل بجعل بلاده حاجزاً في وجه تغوّل إيران وأذرعها. حتى اليوم لا يزال التمثيل الدبلوماسي بين طهران وعمّان في حدوده الدنيا، بعدما تضامنت الأخيرة مع الرياض عقب الهجوم على السفارة السعودية وقنصليّتها عام 2016 وسحبت سفيرها أيضاً. وبعد الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية الصين، ربط الأردن تطوّر العلاقات مع إيران باحترام مبدأ “حسن الجوار” و”عدم التدخّل في شؤون دول المنطقة”، وفق ما أفضت إليه آخر المحاولات في لقاء جمع بين وزيرَي خارجية البلدين في أيلول الماضي على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
السؤال الذي يطرح نفسه مع افتراض صحّة المزاعم الإيرانية عن السلاح المهرَّب، التي تلقى رواجاً واسعاً في الأوساط الشعبية الأردنية، وكذلك اللبنانية، والخطاب الديني بوجهَيه السنّي والشيعي، هو التالي: هل بات الجهاد المقدّس يتمّ تمويله بأموال المخدّرات؟ وهل هذا حلال أصلاً؟

إقرأ أيضاً: الفسطاطان السنّيّان: “جنّة” حماس أو “نار” إسرائيل

هل كانت تلك الأسلحة موجّهة لـ”اختراع” فصائل “مُقاوِمة” في الأردن، بعد قصف مجهول على إسرائيل من الأراضي الأردنية، يلهب مشاعر الأردنيين، ويزعزع أسس النظام الأردني، في الداخل، ويجعله مكشوفاً في الخارج، وأمام ردود إسرائيلية يمكن أن تؤدّي إلى موجات نزوح فلسطيني “بالقوّة”؟
كلّها أسئلة مشروعة، مع اكتشاف محاولة تهريب أسلحة ثقيلة وصواريخ، لم تكن في طريقها إلى الأردن للقيام بـ”نزهة”، بل كانت بالتأكيد في طريقها إلى محاولة اغتيال للنظام، ومحاولة البدء بتغيير استراتيجي كبير داخل المملكة الهاشمية.
في كلّ الأحوال، وعلى قاعدة “الرطل بدو رطلين”، قام الجيش الأردني بتغيير كبير في قواعد الاشتباك على حدوده الشمالية، حيث دخل في حرب مفتوحة مع الميليشيات الإيرانية، موسّعاً نطاق عملياته إلى داخل الأراضي السورية، ليؤكّد أنّ الأردن سيبقى عصيّاً على ملالي إيران، سواء كـ”ممرّ” نحو السعودية أو كـ”مستقرّ”.

مواضيع ذات صلة

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…