قد تكون الكتابة عن العلاقة بين التيار الوطني الحر والحزب قد استنفدت كلّ ما فيها لشدّة ما سال حبر عن هذه العلاقة، ولكثرة ما رافقها من تقلّبات بين انقطاع ثمّ حوار ثمّ التقاء… كأنّ الطرفين أصبحا على يقين بأنّ ما يفرّقهما أكثر ممّا يجمعهما. لكن يحكم علاقتهما واقع داخلي يجعل منها، أو ما بقي منها، حاجة لكلّ منهما لا غنى عنها، على الأقلّ في الوقت الحاضر.
ربّما واحدة من الدلالات التي تفضح كلّ محاولات الترقيع هي مواقف الجمهورين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي لم تترك “للصلح مطرح” بعد سنوات من وحدة الحال التي أوصلت التيار والحزب إلى الإمساك بمقاليد السلطة في البلاد. وها هو المشهد يتغيّر مع انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، حين بدأ كلٌّ يغنّي على ليل مصالحه الخاصّة. وكان آخر خيط هو ملفَّي رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش في الداخل، ومقاربة القضية الفلسطينية في الخارج.
فماذا بقي إذاً من التحالف؟
وماذا سيبقى من جدوى التحالف متى تدخل البلاد في التسوية الكبرى؟
قد تكون الكتابة عن العلاقة بين التيار الوطني الحر والحزب قد استنفدت كلّ ما فيها لشدّة ما سال حبر عن هذه العلاقة، ولكثرة ما رافقها من تقلّبات بين انقطاع ثمّ حوار ثمّ التقاء… كأنّ الطرفين أصبحا على يقين بأنّ ما يفرّقهما أكثر ممّا يجمعهما
التيّار: “الحزب ببيع وبيشتري”
ردود فعل نوّاب وقيادات التيار الوطني الحرّ على إقرار التمديد لقائد الجيش جوزف عون في مجلس النواب لم تكن متفاجئة ممّا حصل. بل كان كلّ شيء متوقّعاً على الرغم ممّا جرى من مشاورات ومساعٍ أوحت باحتمال الوصول إلى حلول وسطية في مجلس الوزراء مع وزير الدفاع.
على الرغم من تلويح التيار بأنّ إقرار التمديد، بما يعنيه لرئيس التيار جبران باسيل من معركة “قلّة وفاء” كما وصفها، سيؤدّي إلى قطع الشعرة الأخيرة مع الحزب، فإنّ ذلك لم يمنع نواباً من الحزب من القيام بـ”مسرحية الخروج من الجلسة”.
مصادر مقرّبة من التيار الوطني تعتبر أنّ تعامل الحزب مع الملفّ “فيه استغباء كأنّه يريد أن يقول إنّه غير معنيّ بالتمديد وإنّه يقف على خاطر حليفه المسيحي، لكنّ الواقع مختلف تماماً لأنّ القاصي والداني يعرفان أنّ ذلك لم يكن ليمرّ من دون موافقة الحزب”. وفي المعلومات أنّ قيادة التيار تتمهّل في اتّخاذ أيّ خطوة من شأنها أن تقطع شعرة معاوية مع الحزب، تاركة مجالاً لأيّ تقاطع مقبل على قاعدة الواقعية السياسية أو التحالف على القطعة.
ليست المرّة الأولى التي يعترف فيها التيار بأنّ ورقة “تفاهم مار مخايل” سقطت، وما بقي منها يتعلّق بالشقّ المصلحي للطرفين. إنّما هذه المرّة أحدث الخلاف على الرئاسة وقيادة الجيش ضرراً كبيراً أدّى إلى تكتّل مجموعة نواب وقيادات خلف مطلب واضح هو إصدار إعلان صريح عن سقوط ورقة التفاهم مع الحزب لأنّ ضررها بات أكثر من منفعتها في الوقت الراهن.
بلغ حدّ التصعيد والوضوح قول نائب رئيس التيار إنّ الحزب “ببيع وبيشتري”. ووصل ببعض القيادات حدّ القول إنّ على التيار أن “ينزع هذه المظلّة المسيحية التي يحتاج إليها الحزب لوضعه أمام واقع خياراته الضيّقة، إمّا جبران باسيل وإمّا سمير جعجع”.
مصادر التيار تتحدث عن استراتيجية سيستكمل التيار اتّباعها في العام المقبل، وهي العمل على نسج علاقات جدية مع قوى لبنانية أخرى، مختلفة عن الحزب. والبدء بمسار اعادة الثقة مع مختلف القوى، على أن يخرج من أسر حلفه مع الحزب فقط.
على الرغم من تلويح التيار بأنّ إقرار التمديد، بما يعنيه لرئيس التيار جبران باسيل من معركة “قلّة وفاء” كما وصفها، سيؤدّي إلى قطع الشعرة الأخيرة مع الحزب، فإنّ ذلك لم يمنع نواباً من الحزب من القيام بـ”مسرحية الخروج من الجلسة”
الحزب: لا قطيعة مع التيّار
مع كلّ هذه الحرب الافتراضية بين الجمهورين، تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب عن مراعاة لحليفه التيار، وذلك لوجود رغبة جادّة من قيادة بالحزب بالمحافظة على الحدّ الأدنى من هذا التحالف بشكل يسمح له باستعادة ما سبق في لحظة سياسية معيّنة.
في نقاشات الحزب جدلية تتعلّق بالحاجة الماسّة إلى المظلّة المسيحية التي وفّرها له التيار الوطني الحر في حرب تموز 2006 أوّلاً، وفي كلّ المحطّات التي مرّت على الساحة الداخلية اللبنانية وكانت مفصليّة.
إضافة إلى كلّ ما راكمه عهد الرئيس ميشال عون من مكتسبات للحزب على المستويات الأمنيّة والسياسية، وإلى كلّ المكتسبات التي راكمها التيار بوجوده في قصر بعبدا، مشت العلاقة على أساس “رابح رابح”.
أما وقد تغيّرت الأحوال الداخلية والخارجية معاً، فقد خرجت النتوءات في هذه العلاقة إلى العلن وبدأت تتعاظم. يدرك الحزب أنّ التسوية المقبلة على المنطقة وعلى لبنان تحديداً، تجعل من حاجته إلى المظلّة المسيحية أقلّ نسبياً لأنّه حينها ستكون كلّ القوى جزءاً من تسوية مشتركة فيها. غير أنّ ذلك لا يعني انتفاء الحاجة تماماً، وعليه سنشهد في الأيام المقبلة مساعي على خطّ الضاحية – البترون لمعالجة ذيول الجلسة الحكومية الأخيرة.
إقرأ أيضاً: حرب الرئاسة بدأت… والتعيين غصباً عن باسيل!
ختاماً، فإنّ أولوية الحزب حالياً هي أمنيّة، فمن يحمي ظهر المقاومة اليوم بالمعنى الذي تكلّم عنه الأمين العامّ للحزب هو الجيش اللبناني الموجود في الجنوب. والشريك الأمنيّ الذي معه سيطبّق القرار 1701 هو الجيش اللبناني. وبالتالي فقد اختلفت الحسابات في هذه المرحلة من تاريخ لبنان والمنطقة عن حسابات الماضي، واختلفت أولويّاتها.
ربّما ملفّ رئاسة الجمهورية سيكون أكثر من سيعبّر عن الطلاق مع عهد سابق والدخول في عهد جديد مع المحافظة على بعض التوازنات التي تحتاج إليها الساحة الداخلية .
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@