في زيارتها الثانية للعاصمة اللبنانية بيروت خلال شهرين، أكّدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا توجّس فرنسا من سخونة الرمال المتحرّكة اللبنانية، وحذّرت من خطر دخول لبنان متاهة الصراع الكبير. وعبّرت عن عدم ثقة فرنسية بـ”التوازن السلبي” على حدود لبنان الجنوبية وبصمود قواعد الاشتباك.
حملت زيارتها الثانية ثلاث ميزات:
– أوّلاً: أنّها “غير رئاسية”، بل تقتصر على محاولة تكريس الاستقرار الأمني والسياسي المرحليّ.
– ثانياً: أنّها “حضورية” من حيث الشكل فقط، وتفتقر من حيث المضمون إلى النتائج الملموسة.
– ثالثاً: تقتصر على تقديم الدعم والنصح لناحية ضرورة استمرار لبنان في الالتزام بتطبيق القرارات الدولية، والقرار 1701 تحديداً، بلا أفكار طارئة أو جديدة، ولا رسائل، بل تمنّيات لأنّها “قرارات ملزمة لإسرائيل قبل لبنان”، ونصائح بضرورة تجنّب لبنان الحرب.
الإدارة الفرنسية تنتهج حالياً أسلوب الخطوات القصيرة والسريعة، ولو غير المنتجة، بسبب ضحالة الفترة الحالية وعدم استقرارها.
في زيارتها الثانية للعاصمة اللبنانية بيروت خلال شهرين، أكّدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا توجّس فرنسا من سخونة الرمال المتحرّكة اللبنانية، وحذّرت من خطر دخول لبنان متاهة الصراع الكبير
أهداف الزيارة: ترميم الدور
أمّا أهداف الزيارة فهي التأكيد على مسلّمات فرنسية أبرزها:
– حضور ووجود فرنسا الدائمان في لبنان.
– استعادة دور الإدارة الفرنسية المتوازن كوسيط نزيه، وترميمه، بعد ما أصاب هذا الدور من خدوش أخيراً.
– التأكيد على حماية الجمهورية الثانية واتفاق الطائف وكلّ المؤسّسات الدستورية الضامنة له.
هنا يشرح مرجع استشاري فرنسي لـ”أساس ميديا” عن “ازدواجية في المرحلة اللبنانية”. ويتابع أنّ “الحالة اللبنانية انقسمت بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) إلى فترتين:
– ما زال لبنان في الفترة الأولى التي ستمتدّ إلى ما بعد الأعياد وبداية السنة الجديدة. وخلالها تمحورت الجهود على حماية لبنان أمنيّاً، وتثبيت استقراره. وهي إلى الآن ناجحة ومقبولة نسبياً. ستكون استمراريّتها المعبر الوحيد للمرحلة الثانية الجوهرية.
– تبدأ المرحلة الثانية مطلع السنة الجديدة وتتسارع وتيرتها في حال التوصّل السريع إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة. عندها تنطلق كلّ المساعي الجدّية للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية تنطبق عليه مواصفات البيان الثلاثي في نيويورك (أميركا وفرنسا والسعودية) وتطبيق القرارات الدولية، كمعبر وحيد لتكريس دولة الطائف” .
هنا يكشف دبلوماسي فرنسي في دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية أنّه لم يعد هناك خلاف فرنسي نافر ومؤثّر حول طريقة التعامل مع الملفّ اللبناني: “أضحى الملفّ اللبناني بعيداً وفي منأى عن الخلافات والاختلافات المعرقلة في وجهات النظر، المقيمة في مؤسّسات السياسة الخارجية الفرنسية. إذ باتت الإدارات العليا ومؤسّسات الحكم في باريس متّفقة على وجهة نظر، موحّدة إلى حدّ ما، بخصوص الملفّ اللبناني، من بوّابة تحصين اتفاق الطائف وكلّ المؤسّسات الضامنة والمؤسِّسة له، سواء السياسية أو الأمنيّة أو الإدارية”. من هنا كان دعم التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون.
الإدارة الفرنسية تنتهج حالياً أسلوب الخطوات القصيرة والسريعة، ولو غير المنتجة، بسبب ضحالة الفترة الحالية وعدم استقرارها
حذر فرنسيّ
فوق هذا كلّه، تتعامل الإدارة الفرنسية بحذر مع التطوّرات على الساحة المحلية في لبنان. فهي أخذت تسرّع من وتيرة وجودها وزياراتها وخطواتها ونصائحها. وهنا يكشف دبلوماسي مرافق لكولونا في جولتها البيروتية لـ”أساس ميديا” أنّه “لا توجد نتيجة مباشرة لهذه الجولة الفرنسية في السياسة، لكنّها مهمّة باعتبارها استمراراً لسلسلة محاولات ومساعٍ فرنسية لمساعدة لبنان، من خلال الإبقاء على خطوط تواصل مباشر على أرضه ومع سياسيّيه لن تتوقّف”.
هكذا تنتهج الإدارة الفرنسية سياسة الجولات الدورية الدائمة والسريعة إلى لبنان أكثر من أيّ وقت مضى، من دون تضخيم حجم التوقّعات. الأساس هو ترسيخ مبدأ الثبات الأمنيّ مرحليّاً، بالتنسيق مع المجموعة الدولية واللجنة الخماسية (أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر).
محاولات استعادة الدور والتاريخ
يأتي هذا الحراك الفرنسي أيضاً ضمن محاولات الإدارة الفرنسية ترميم واستعادة دورها التاريخي كوسيط نزيه ومتوازن في لبنان، بعدد تراجع وزنها الإيجابي وأثرها المرن في لبنان في السنة ونصف السنة الأخيرتين وحتى بعد حرب غزة، وذلك لسببين:
– داخلي: خروجها عن مسلّمات سياستها الخارجية في علاقتها الخارجية مع لبنان، وفي اصطفافها كطرف في الملفّ الرئاسي، وهو ما أظهرها كما لو أنّها على صراع مع فكرة الكيان اللبناني ودستوره. حتّم عليها هذا الأمر التغيير السريع نتيجة اعتراضات محلية لبنانية ودولية وفرنسية.
إقرأ أيضاً: المشهد العربيّ: استيلاء الراديكاليّات وصعود العنف!
– دولي وإقليمي: تجلّى ذلك بوضوح في موقفها الأوّلي بعد أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) ودعمها الكلّي للكيان الإسرائيلي. إذ أفقدها هذا الموقف بريقها التاريخي على الساحتين العربية واللبنانية، وعرّضها لهزّات فرنسية داخلية، وهو ما جعلها عرضة لكي تفقد دورها المختلف عن دور الإدارة الأميركية في المنطقة. لذلك شهدنا هذا التبدّل البسيط في المواقف الفرنسية إزاء الحرب على قطاع غزة، والاهتمام الكبير بتوازن الاستقرار اللبناني المؤسّساتي غير المنحاز إلا إلى حماية لبنان.
هكذا تأتي كولونا إلى لبنان وفي جعبتها بعض النصائح والتمنّيات، بتحقيق استقرار فقط، بانتظار مرحلة التسويات.