حريقان في حديقة البيت الأبيض

مدة القراءة 5 د


الحديقة الأماميّة للبيت الأميركي تقع في قلب العالم.. حيث الشرق الأوسط وأوروبا تشتعل فيهما حربان لا تلوح في الأفق نهاية لهما.

الشرق الأوسط عاصمة حربه غزّة، التي يديرها البيت الأبيض بمسار مزدوج:

– دعم إسرائيل حدّ المشاركة.

– والعمل على أن لا تتحوّل حرب غزة إلى حرب إقليمية.

في مسار غزّة فتحت الإدارة الأميركية خزائنها المالية والتسليحية لتغرف منها إسرائيل دون ضوابط تذكَر، مع توفير الغطاء لهذه الحرب واستمرارها، سواء في مجلس الأمن أو في كلّ المحافل الإقليمية والدولية، التي أجمعت على أهمية بل وحتمية إنهاء هذه الحرب.

السياسة الأميركية المحرجة للعالم كلّه، ولأصدقائها بالذات، تحاول تغطية انحيازها وتبنّيها ومشاركتها لإسرائيل، بالحديث عن أهميّة تقيّد الدولة العبرية بقواعد القانون الدولي، أي بدل أن تقتل ثمانية آلاف طفل يكفي نصفهم، وبدل أن تزيل أحياء بكاملها فلتحوّل التدمير إلى أهداف انتقائية قد تدمّر نصف ما بقي حتى الآن. ولكي لا ينصبّ التركيز السياسي والإعلامي على المشاركة في الجنون الإسرائيلي، اصطنعت الدبلوماسية الأميركية حكاية اليوم التالي للحرب، وأهمية الذهاب إلى حلّ الدولتين، مع أحاديث عن إصلاح السلطة الفلسطينية كي تكون جديرة بحكم غزة!!

السياسة الأميركية المحرجة للعالم كلّه، ولأصدقائها بالذات، تحاول تغطية انحيازها وتبنّيها ومشاركتها لإسرائيل، بالحديث عن أهميّة تقيّد الدولة العبرية بقواعد القانون الدولي

حرب كونية لا أحد يعرف نهايتها

ما دامت أميركا غير متعاونة مع الموقف الدولي المجمِع على وضع حدّ لهذه الحرب ولو بهُدن متتالية، فهي تحاول جرّ الجميع إلى خارج الملعب الرئيسي وهو الحرب، ليجري الحديث عن أيّ شيء إلا عن وقفها. هذه الحرب الشرق أوسطية أدّت من خلال طول أمدها غير المتوقّع أصلاً إلى نشوء وضع مختلف تماماً عمّا كانت تعمل عليه أميركا من تهدئة طويلة الأمد في الإقليم توفّر مناخاً مؤاتياً لمواصلة رحلة التطبيع التي كادت تصل محطتها الأخيرة “السعودية”. وهذا وإن أنتج حديثاً واسعاً عن حلّ الدولتين، إلا أنّ تنفيذ هذا الحلّ، حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، لم يعد مضموناً. ليس فقط بفعل استحالة جلوس الفلسطينيين مع الإسرائيليين إلى طاولة تفاوض مباشر بعد دمار غزّة والتنكيل الممنهج في الضفة، والتراخي الأميركي في العمل على حلّ الدولتين، وإنّما بسبب الحرب الداخلية الشرسة التي ستنشأ في إسرائيل جرّاء الحرب. فمنذ اليوم الأول لاندلاعها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وعبر كلّ فصولها ومراحلها، وكلّ طرف من أطراف الصراع الداخلي في إسرائيل يشحذ أسلحته للقضاء على نفوذ الطرف الآخر، سواء عبر انتخابات تجري في حينها أو مبكرة أو عبر وسائل أخرى يتحدّث عنها نافذون مثل لابيد وغيره.

حرب الشرق الأوسط الحالية، وعاصمتها الملتهبة غزّة، تغذّي عواصم عديدة بحوافز إن لم تكن لشنّ حرب واسعة فلا أقلّ من الوقوف على حافتها. فمن كان يتصوّر اتّساع المدى الزمني للحرب الجزئية المسيطَر عليها حتى الآن على الجبهة الشمالية، والمتزامنة بدقّة مع حرب غزّة؟ ومن كان يتصوّر كذلك أن تؤسّس الولايات المتحدة تحالفاً جديداً في البحر الأحمر لتأمين الملاحة الدولية في أهمّ مضيق في العالم، وهو “باب المندب”؟

إذاً نحن حيال حرب كونية متفاوتة السخونة والخطر، تجري في الشرق الأوسط. وحتى البيت الأبيض والبنتاغون، وكلّ دوائر صنع القرار في العالم لا تعرف متى يكون اليوم الأخير لها، ومتى يكون اليوم التالي.

تبحث أميركا عن حلول تأتي من جانب غيرها، ولا أحد في وارد التطوّع لتقديم هذه الحلول من أجلها على حساب مصالحه، ودلّونا من فضلكم على إنجاز أميركي تحقّق في الحربين

أوروبا ضاقت ذرعاً بحرب أوكرانيا

إذا ما نُظر للخريطة فإنّ أوروبا العاجزة عن إطفاء نار الحرب المشتعلة في قلبها “أوكرانيا” هي التوأم الجغرافي للشرق الأوسط، والنتيجة لهذه الحرب حتى الآن تبدو غامضة، ولكن في دائرة السلب. فقد ضاقت أوروبا ذرعاً من دفع أثمان حرب لا يُعرف مداها ولا اليوم التالي لتوقّفها. والأميركيون الذين يقومون بدور المموّل السخيّ لهذه الحرب بدأ في داخل مؤسّساتهم جدل يرتفع ويحتدّ كلّ يوم، وخصوصاً مع اقتراب موسم الانتخابات، حول السؤالين التاليين: إلى متى؟ وما العمل؟ فالحرب هناك كأتون نار يلتهم كلّ ما يُلقى فيه من حطب، والحطب هو مليارات الدولارات.

حرب الشرق الأوسط، بفعل الدلال الأميركي لإسرائيل، جذبت معظم الاهتمام فحَرَفته عن حرب أوروبا، والمشترَك بين الحربين هو أن لا سيطرة عليهما من حيث تقرير النتيجة، ولا اليوم التالي، وبقدر صعوبة إقامة طاولة تفاوض فلسطينية إسرائيلية هناك صعوبة مماثلة لإقامة طاولة بين روسيا وأوكرانيا.

أميركا تدير الحربين، وتخاف من عصفهما وتواصل النزف جرّاء استمرارهما. فإذا كانت حرب الشرق الأوسط مرشّحة للاتساع إقليمياً، فحرب أوروبا تتّسع بالعمق، وبفداحة التأثير على الدول والمجتمعات الأوروبية. وما دامت أميركا هي المموّل الرئيسي للحربين والشريك المباشر فيهما، فالمحرج لها ولغيرها أنّها ما تزال تركّز على الحرب دون تحديد رؤية سياسية عملية لوقفها، أو حتى التفاوض حولها. وهذا ما يجعلنا حيال حرب كونية تجري في جغرافية التوأم الشرق الأوسط وأوروبا، وتبدو فيها أميركا وحدها في جانب والعالم كلّه في جانب آخر، وهذا ما أوضحه مجلس الأمن وكذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: غزّة: في انتظار أسوأ الحلول

تبحث أميركا عن حلول تأتي من جانب غيرها، ولا أحد في وارد التطوّع لتقديم هذه الحلول من أجلها على حساب مصالحه، ودلّونا من فضلكم على إنجاز أميركي تحقّق في الحربين.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…