كيف ستبدو غزة بعد عام؟ وما هي السياسة التي يمكن لأيّ من الأطراف الفاعلة في هذا الصراع تنفيذها لتقليص احتمالية انتهاء الحرب مع بقاء نفس التهديدات الأمنيّة والمظالم السياسية الرئيسية دون حلّ؟ سؤالان طرحتهما مجلة “فورين بوليسي” على مجموعة من الخبراء اخترنا ترجمة ردود بعضهم.
إيهود أولمرت: تنحّي نتانياهو
توقّع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود أولمرت أن تستمرّ الحملة الإسرائيلية في غزة إلى أن يتمّ القضاء على القدرات العسكرية لحماس، وأن يستغرق الأمر وقتاً أطول ممّا ستكون المجتمعات الغربية على استعداد لقبوله، ولفترة أطول ممّا سيكون قادتها، وخاصة الرئيس الأميركي جو بايدن، على استعداد لتحمّله.
ليس لدى إسرائيل أيّ نيّة أو رغبة أو قدرة على البقاء في غزة في نهاية الحملة العسكرية. وبمجرد انتهاء الحرب، يجب على إسرائيل أن تنسحب إلى الحدود
لهذا السبب أكّد أولمرت ضرورة أن تقدّم إسرائيل صورة لما بعد انتهاء جيشها من عمله ترتكز على المبادئ والافتراضات التالية:
– ليس لدى إسرائيل أيّ نيّة أو رغبة أو قدرة على البقاء في غزة في نهاية الحملة العسكرية. وبمجرد انتهاء الحرب، يجب على إسرائيل أن تنسحب إلى الحدود. لن تكون أيّ قوة مرتبطة بالسلطة الفلسطينية أو الدول العربية مستعدّة لدخول غزة عندما ينسحب الجيش الإسرائيلي. كلّ الدول العربية المعتدلة ترغب في رؤية تدمير حماس، التي تشكّل قوة مزعزعة لاستقرار أنظمتها. لكنّ أيّاً منها لا تريد أن يُنظر إليها على أنّها تمدّ يد العون للحملة العسكرية الإسرائيلية.
– إذا كانت الولايات المتحدة وغيرها من حلفاء إسرائيل غير مستعدّين للسماح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة، فليس هناك بديل سوى قوة دولية من الدول الأعضاء في الناتو، تحت رعاية الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي سيعيد مجلس الأمن من خلاله بناء السلطات المدنية ونظُم الحكم في قطاع غزة لمدّة 18 شهراً تقريباً قد تنشأ بعدها إمكانية أن يحلّ جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية محلّ القوة الدولية في غزة.
– يجب على إسرائيل أن تقدّم أفقاً سياسياً لإنهاء الحملة العسكرية وتبدأ المحادثات مع السلطة الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين، وهو الأفق السياسي الوحيد الذي يمكن أن يوفّر الاستقرار والتعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتعاون بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة في إطار مبادرة جامعة الدول العربية للسلام.
وخلص رئيس الوزراء الأسبق إلى أنّ حكومة نتانياهو لا تريد ولا تستطيع وغير مستعدّة لاتخاذ مثل هذا القرار الجريء. لهذا السبب ولأسباب أخرى، يجب على حكومته الانسحاب على الفور.
دانييل كيرتزر: شروط جديدة لمحادثات السلام
قال سفير الولايات المتحدة السابق في مصر وإسرائيل دانييل كيرتزر إنّه إذا كانت حملة القصف الإسرائيلية تهدف إلى تحديد مواقع الأنفاق والمخابئ ومخازن الأسلحة التابعة لحماس وتدميرها، فإنّ آثارها على المدنيين كانت وحشيّة. وأكّد ضرورة توقّف القصف، وأن تتبع إسرائيل استراتيجية بديلة ضدّ حماس، وأن تتوقّف عن الوعد بأنّها ستدمّرها لأنّ هذا الإعلان الفارغ يضعها في موقف يتعيّن عليها فيه بعدها إمّا أن تتراجع عن هدف معلن وأن تبدو ضعيفة نتيجة لذلك، أو أن تحافظ على وجود دائم في غزة بحثاً عن آخر مقاتل بعيد المنال من حماس.
ورأى كيرتزر أنّ إضعاف قدرة حماس على العمل من غزة يشكّل هدفاً عسكرياً أكثر واقعية من الإعلان عن نيّة القضاء على المنظمة بالكامل، وأنّ النتيجة الطبيعية الحاسمة لهذا الهدف العسكري هي الأفق السياسي الذي يجب أن يعقب نهاية الحرب. في مرحلة ما، سينتهي الهجوم البرّي الإسرائيلي الكبير، وسيبقى في غزة مئات الآلاف من المدنيين المشرّدين والجياع والمرضى والجرحى الذين سيعيشون بدون حكومة وأمن داخلي. كما سيعيشون بدون أمل، وعلى استعداد للتجنُّد في حركات المقاومة العنيفة، بما في ذلك حماس 2 أو ما هو أسوأ.
ودعا إلى تطبيق بندين ضروريَّيْن بعد توقّف القتال يجب على إسرائيل والمجتمع الدولي البدء بالتخطيط لهما على الفور:
– أوّلاً، وضع عملية وجدول زمني يلبّيان الاحتياجات المباشرة لما بعد الحرب من أجل وقف التصعيد وتحقيق الاستقرار والحكم المؤقّت. وتحضير أجوبة على الأسئلة التالية:
1- من سيكون المسؤول عن الأمن؟
2- من سيحكم على أساس مؤقّت لتقديم الخدمات الأساسية وإدارة الأزمة الإنسانية؟
3- من سيدفع ويكون مسؤولاً عن إعادة الإعمار؟
4- وكيف يمكن ضمان عدم تكرار الحروب التي شهدناها في غزة منذ عام 2006؟
وخلص رئيس الوزراء الأسبق إلى أنّ حكومة نتانياهو لا تريد ولا تستطيع وغير مستعدّة لاتخاذ مثل هذا القرار الجريء. لهذا السبب ولأسباب أخرى، يجب على حكومته الانسحاب على الفور
– ثانياً، التخطيط لما بعد الحرب وتطوير عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق قدرة الفلسطينيين على اختيار مستقبلهم من خلال تقرير المصير. إذا اختار الشعب الفلسطيني إقامة دولة مستقلّة في الأراضي التي تحتلّها إسرائيل منذ عام 1967، فلا بدّ من إطلاق عملية سريعة لصنع السلام.
لكنّ المشكلة، في رأي الدبلوماسي السابق، هي أن لا إسرائيل ولا الفلسطينيين في وضع يسمح لهم بملاحقة هذه الأهداف المتشابكة. إسرائيل لم تستوعب بعد صدمة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وائتلافها الحاكم المتطرّف للغاية يستثمر في توسيع السيطرة الإسرائيلية على المناطق. والفلسطينيون في غزة يشعرون بالصدمة غير قادرين على التركيز على أيّ شيء آخر. أمّا السلطة الفلسطينية فتواجه تحدّي حكم الضفة الغربية، ناهيك عن تحمّل المسؤولية في غزة. وهذا يعني أنّ المسؤولية ستقع على أطراف خارجية، وفي مقدَّمها الولايات المتحدة التي يجب أن تضمن التزام إسرائيل إنهاء أنشطتها الاستيطانية وممارساتها الاحتلالية المرهقة، وأن تضمن التزام السلطة الفلسطينية قمع العنف مع إصلاح نفسها. كما يجب أن تضع شروطاً مرجعيّة لمفاوضات تقلّل الخلافات بين مواقف الأطراف إلى الحدّ الذي يجعل الحلول الانتقالية ممكنة.
دانييل ليفي: حلّ عالميّ
قال المفاوض الإسرائيلي السابق دانييل ليفي إنّ غزة بعد عام ستترنّح، لكن ستتعافى من الدمار الإسرائيلي إذا لم تنجح إسرائيل في التطهير العرقي لأعداد كبيرة من الفلسطينيين في غزة بشكل دائم. وستكون الحكومة ضعيفة، تعتمد على وكالات الأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة للقيادة. وسيبقى هناك وجود عسكري إسرائيلي ومقاومة فلسطينية مصاحبة له. وقد تتكرّر مسيرات العودة التي قام بها الفلسطينيون في غزة من 2018 إلى 2019 على طول السياج الحدودي، وتتكثّف المشاعر عندما ينظر الفلسطينيون المشرّدون حديثاً إلى ما وراء منازلهم المدمّرة للّاجئين في قطاع غزة، إلى منازلهم العائلية قبل عام 1948 داخل ما يعرف الآن بإسرائيل.
وأكّد ليفي أنّ التغيير ضروري في إسرائيل. لكن في غياب الضغوط الخارجية، والخضوع للمساءلة والإجبار على مواجهة خيارات حقيقية، اعتبر أنّه ستظلّ السياسة الإسرائيلية عالقة أو أسوأ من ذلك. وستحتاج أدوات الضغط الخارجية إلى تجاوز الاحتكار الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي انكشف بكلّ قصوره وتواطئه خلال الدمار الحالي.
إقرأ أيضاً: إغناتيوس عن غزّة: هدنة طويلة وانسحاب تدريجي للإسرائيليين؟
ودعا إلى تجديد السلطة الفلسطينية من أجل توحيد شعبها وتمثيله بقدر أكبر من الأصالة والإلحاح والفعّالية في مكافحة الإنكار الدائم لحقوقه. ويجب أن تشعر الساحة السياسية والعامّة الإسرائيلية بأنّ القرارات تجاه الفلسطينيين لا يمكن تأجيلها وإخضاعها لأهواء المتطرّفين الوطنيين. وهذا يتطلّب هيكلاً جديداً للحوافز والردع، ووضع جدول زمني لاتخاذ القرارات، ولفرض العواقب، ولتحديد الخيارات بوضوح:
– إمّا معايير حلّ الدولتين على حدود عام 1967.
– أو الاعتراف بأنّ حقيقة دولة واحدة أنشأتها إسرائيل تتطلّب حقوقاً سياسية متساوية، وبالتالي تتجاوز التقسيم.
وأخيراً دعا إلى إنشاء هيكل دولي قادر على النهوض بهذا النهج الجديد يشمل واشنطن والغرب، الدول العربية والجنوب العالمي الأوسع بقيادة البرازيل، إلى جانب جهات فاعلة أخرى مثل إندونيسيا وجنوب إفريقيا. كما اعتبر أنّه على الصين أن تلعب دوراً مركزياً وقد أظهرت شهيّة دبلوماسية ونجاحات في الشرق الأوسط، نظراً لدورها على الجبهة الإيرانية السعودية. وختم بأنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد تحوّل الآن إلى أزمة عالمية، ويتطلّب حلّه بنية عالمية.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا