صواريخ عراقية على سفارة أميركية!

مدة القراءة 6 د


لا يمكن أن يُؤخذ على محمل الجدّ الكلام الصادر عن الحكومة العراقية في شأن إلقاء القبض على أشخاص شاركوا حديثاً في إطلاق صواريخ على السفارة الأميركيّة في بغداد. يتجاوز الموضوع موضوع هجوم على السفارة الأميركية في العاصمة العراقيّة في هذه الظروف بالذات، ظروف حرب غزّة وسعي إيران إلى الإستفادة منها إلى أبعد حدود.

وضع يد إيرانية على العراق
الموضوع، بكلّ بساطة موضوع وضع يد إيرانيّة كاملة على العراق على غرار ما حصل ولا يزال يحصل في لبنان أو ما حصل ولا يزال يحصل في سوريا. كذلك الأمر بالنسبة إلى ما يحصل في شمال اليمن حيث بات الحوثيون يشكلون خطراً على الملاحة في البحر الأحمر. كشفت الأحداث وتطورها في إتجاه معيّن، في السنوات التسع التي تلت سيطرة “جماعة أنصار الله” على صنعاء وميناء الحديدة، كيف صار شمال اليمن قاعدة عسكريّة إيرانيّة ولا شيء غير ذلك. صار شمال اليمن موطئ قدم لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” في شبه الجزيرة العربيّة بموافقة أميركيّة وغربية وأوروبيّة تحديداً.
كان أفضل تعبير عن هذه الموافقة، التي ارتدّت لاحقاً على الأميركيين والأوربيين، مسارعة إدارة جو بايدن بعد أيّام من دخوله البيت الأبيض مطلع العام 2021 إلى رفع الحوثيين عن قائمة الإرهاب الأميركيّة. قبل ذلك لعب الأوروبيون، خصوصا بريطانيا، دوراً في منع استعادة “الشرعيّة” أو قوات يمنيّة تدور في فلكها، ميناء الحديدة في العام  2018 وذلك عن طريق التوصّل إلى إتفاق مع الحوثيين في استوكهولم. 

كُشف مطلقو الصواريخ في إتجاه السفارة الأميركية أمْ لم يكشفوا، كُشف الذين يطلقون قذائف في اتجاه القواعد، التي للأميركيين وجود عسكري فيها في العراق أو في سوريا، أم لم يكشفوا، ليس ذلك مهمّاً

كانت التنيجة الفعليّة لذلك الاتفاق توفير غطاء دولي لسيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة الذي بات قاعدة عسكريّة بحرية تستخدم في الوقت الحاضر في ابتزاز العالم عن طريق مهاجمة سفن في البحر الأحمر. يتذرّع الحوثيون في تبرير مهاجمة سفن معيّنة وإجبارها على تغيير مسارها  بدعم “حماس” في حربها مع إسرائيل، كما لو أنّ لمثل هذه الأفعال تأثيراً يذكر على مجريات ما يحدث في غزة أو في فلسطين.
يظلّ،  لدى إلقاء نظرة إلى ما يدور في المنطقة، أنّ العراق يمثّل الجائزة الكبرى التي حصلت عليها إيران بفضل إدارة جورج بوش الإبن. ليس ما يشير، منذ الإجتياح العسكري الأميركي للعراق في 2003، إلى استعداد لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” للتخلي عن هذا البلد، خصوصاً في الظروف الراهنة. تحتاج إيران أكثر من أي وقت من كلّ ورقة تمتلكها في المنطقة من أجل إفهام إدارة جو بايدن أنّها مرجعية الشرق الأوسط والخليج والقوّة المهيمنة عليهما وأن المطلوب التفاوض معها وليس مع أي طرف آخر.
ليست السيطرة على العراق وليدة حرب غزّة بمقدار ما أنّها وليدة جهود دؤوبة بذلها “الحرس الثوري” في العقدين الماضيين من أجل نقل التجربة الإيرانيّة إلى العراق، أي تجربة “الحرس الثوري” ودوره في السيطرة على مفاصل السلطة وجانب من الإقتصاد.
يعيش العراق حالياً على وقع إنقلاب حدث بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت في تشرين الأوّل – أكتوبر 2021، وهي انتخابات أشرفت عليها حكومة مصطفى الكاظمي. ما لبثت حكومة الكاظمي أن دفعت ثمن تنظيم انتخابات نظيفة وشفافة إلى حدّ كبير بشهادة المراقبين الدوليين الذين كانوا، وقتذاك، حاضرين في معظم انحاء العراق.
المهمّ أنّ الكتلة الصدرية، التي كان يتزعمّها مقتدى الصدر، إحتلت الموقع الأول من ناحية عدد المقاعد. كان مفترضاً في تنلك الكتلة تقرير من يكون رئيس الوزراء الذي سيخلف مصطفى الكاظمي… أو ما إذا كان الكاظمي نفسه سيشكل حكومة جديدة. كانت مفاجأة المفاجآت خروج مقتدى الصدر من المشهد السياسي ما غيّر موازين القوى في داخل مجلس النواب الذي انتجته انتخابات تشرين الأوّل – أكتوبر 2021. لماذا خرج مقتدى الصدر من المشهد السياسي في توقيت معيّن؟ لا يزال ذلك لغزاً باستثناء أنّ المطلوب في تلك الرحلة كان التخلّص من الكاظمي من جهة ومنع العراق، من جهة أخرى، من لعب دوره على الصعيد الإقليمي، خصوصاً في محيطه العربي من دون أن يكون على عداء مع “الجمهوريّة الإسلاميّة”.

ليست قضيّة صواريخ ومسيرات تطلق في اتجاه الأميركيين وسفارتهم في بغداد. المسألة مسألة منطقة تمرّ في مخاض

المنطقة تمرّ في مخاض
كُشف مطلقو الصواريخ في إتجاه السفارة الأميركية أمْ لم يكشفوا، كُشف الذين يطلقون قذائف في اتجاه القواعد، التي للأميركيين وجود عسكري فيها في العراق أو في سوريا، أم لم يكشفوا، ليس ذلك مهمّاً. المهمّ أنّ العراق بات تحت الهيمنة الكاملة لإيران. ظهر ذلك واضحاً في القمة العربيّة – الإسلاميّة التي انعقدت في الرياض في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي بعد شهر على إندلاع حرب غزّة. في تلك القمّة، سجل العراق كلّ الإعتراضات التي تريد “الجمهوريّة الإسلاميّة” تسجيلها على  نص البيان الختامي الصادر عن القمّة فيما وافقت إيران على خيار الدولتين وعلى كون منظمة الحرير الفلسطينيّة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
كان لافتاً “تحفّظ جمهورية العراق عن عبارة حلّ الدولتين أينما وجدت في القرار كونها تتعارض مع القانون العراقي”. لم يكن الموقف العراقي في قمّة الرياض سوى تأكيد لواقع في غاية الوضوح يتمثّل في أنّ طهران باتت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في بغداد وأنّ “الحشد الشعبي” صار الدولة العراقية بمباركة من حكومة محمّد شياع السوداني.

إقرأ أيضاً: تعرية إسرائيل ولبنان… والدور الإيرانيّ المتجدّد

في سياق حرب غزّة، التي عرّت إسرائيل، يقوم نظام إقليمي جديد يُعتبر العراق الذي يحكمه “الحشد الشعبي” جزءا لا يتجزأ منه. صار البحر الأحمر مكانا يسعى فيه الحوثي إلى اثبات أنّه يتحكّم بأمنه. لا يمكن تجاهل ورقة توسيع حرب غزّة في حال شاءت ذلك “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي لديها “الحزب” في جنوب لبنان!
ليست قضيّة صواريخ ومسيرات تطلق في اتجاه الأميركيين وسفارتهم في بغداد. المسألة مسألة منطقة تمرّ في مخاض. هل تحكم إيران المنطقة في مرحلة ما بعد حرب غزّة وهل مسموح لها بذلك مثلما باتت تحكم العراق وتتحكّم به… أم أنّ إيران تخشى من ولادة شرق أوسط جديد تهيمن عليه اميركا نسبياً، وتريد أن تكون لها حصة من هذه الهيمنة؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…