أكّد الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان أنّ أيّ دولة خليجية عربية لن تساهم في إعادة إعمار غزّة في غياب شريك فلسطيني شرعي وفعّال لإسرائيل وما لم تلتزم هذه الأخيرة بالتفاوض يوماً ما على حلّ الدولتين، واصفاً “أيّ مسؤول إسرائيلي يدّعي خلاف ذلك بأنّه واهم”.
كلام فريدمان جاء بعد زيارة له مؤخراً للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمدّة أسبوع التقى خلالها عدداً من كبار قادتها، مشيراً إلى “أنه عندما تنتهي الحرب في غزّة، تظلّ السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف مفاوضات التطبيع مع إسرائيل التي كانت جارية قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)”.
حماس وإسرائيل: مَنْ وَرْطَ مَنْ؟
فريدمان وفي مقاله في صحيفة “نيويورك تايمز” كتب: “لقد شعرت بالقلق منذ البداية من أنّ إسرائيل شنّت غزوها لغزّة للقضاء على حماس دون وجود خطّة لما يجب فعله بالقطاع وشعبه في أعقاب أيّ انتصار. بعدما أمضيت للتوّ أسبوعاً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أتتبّع نبض هذه الزاوية المهمّة من العالم العربي، أشعر الآن بقلق أكبر. فلقد خطّطت حماس ونفّذت حملة همجية وكأنّها تدفع إسرائيل إلى الجنون والتصرّف دون التفكير في اليوم التالي. وهذا بالضبط ما فعلته إسرائيل. فاليوم وبعد تسعة أسابيع، يمكننا الآن رؤية اليوم التالي. ففي سعيها إلى تفكيك الآلة العسكرية لحماس والقضاء على كبار قادة الحركة، قتلت إسرائيل وأصابت الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزّة. وكانت حماس تعلم أنّ هذا سيحدث ولم تهتمّ على الإطلاق. بينما يجب على إسرائيل أن تهتمّ. فهي سترث المسؤولية عن كارثة إنسانية هائلة ستتطلّب سنوات حتى يتمكّن تحالف عالمي من إصلاحها وإدارتها”.
أشار فريدمان أيضاً إلى “صعوبة التزام حكومة إسرائيلية، حتى لو كانت معتدلة، بإحياء هذا الحوار السعودي الأميركي الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت الحالي
وأضاف فريدمان: “هذا المسعى سيكلّف مليارات الدولارات، وسيستغرق عدّة سنوات، وبناءً على محادثاتي في الخليج، لن تأتي أيّ دولة خليجية عربية (إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي أو الكونغرس الأميركي) إلى غزّة بأكياس من المال لإعادة إعمارها ما لم، وحتى هذا غير مؤكّد، يكن لدى إسرائيل شريك فلسطيني شرعي وفعّال وما لم تلتزم بالتفاوض يوماً ما على حلّ الدولتين. وأيّ مسؤول إسرائيلي يدّعي خلاف ذلك هو واهم. ولفت إلى تصريح سفيرة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة، في مؤتمر صحافي: “نحن بحاجة إلى رؤية خطة حلّ الدولتين القابلة للتطبيق.. خريطة طريق جادّة قبل الحديث عن اليوم التالي وإعادة بناء البنية التحتية في غزّة”.
مصير التطبيع
وحول مسار التطبيع بين السعودية واسرائيل عبر الوسيط الأميركي رأى فريدمان “أنّه عندما تنتهي الحرب في غزّة، ستظلّ السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف المفاوضات التي كانت جارية قبل 7 أكتوبر. فقد كان المفاوضون يناقشون إمكانية عقد معاهدة أمنيّة بين الولايات المتحدة والمملكة وتطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، شريطة أن تتعهّد الأخيرة بخطوات محدّدة للعمل مع السلطة الفلسطينية نحو تحقيق حلّ الدولتين”.
غادر توماس السعودية بـ”انطباع قويّ للغاية بأنّ السعودية تريد من الأميركيين إنهاء حرب غزّة في أسرع وقت ممكن، لأنّ الموت والدمار في غزّة يدفعان إلى تطرّف شبابها، وإبعاد المستثمرين الأجانب ومنعها من التركيز على خطة رؤية 2030 لوليّ العهد الأمير محمد بن سلمان لتحويل البلاد، من حيث التعليم والبنية التحتية وتمكين المرأة”. وقال إنّه على الرغم من “عدم تعاطف القادة السعوديين مع حماس إلا أنّهم يتشكّكون في قدرة إسرائيل على القضاء عليها، ويشعرون بالقلق من أنّ الضرر الذي يلحق بغزّة، في محاولتها القيام بذلك، سيؤدّي إلى عواقب سيّئة”.
إقرأ أيضاً: باحثة إسرائيليّة: لم ولن نتغيّر
أشار فريدمان أيضاً إلى “صعوبة التزام حكومة إسرائيلية، حتى لو كانت معتدلة، بإحياء هذا الحوار السعودي الأميركي الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت الحالي، فكيف ذلك مع مجموعة المتعصّبين الذين يديرون إسرائيل حالياً، والملتزمين بضمّ الضفة الغربية وقطاع غزّة أيضاً. وبالنظر إلى ما حدث في 7 أكتوبر لا يرغب الكثير من الإسرائيليين في التفكير، فضلاً عن القبول، في التنازل عن السيطرة على الأراضي لأيّ سلطة حاكمة فلسطينية”.
وقال: “يقوم نتانياهو حالياً بحملة للاحتفاظ بمنصبه من خلال محاولة الإثبات لقاعدته اليمينية المتطرّفة أنّه الزعيم الوحيد المستعدّ للقول أمام إدارة بايدن إنّ بلاده لن تحقّق أبداً الحدّ الأدنى الذي طلبته الولايات المتحدة: أن تساعد في إقامة سلطة فلسطينية أُعيد تنظيمها وأن توفّر أفقاً سياسياً طويل الأجل لدولة فلسطينية من خلال تطوير شريك فلسطيني يمكنه في يوم من الأيام أن يحكم غزّة المحرّرة من حماس وإسرائيل”.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا