الكويت: العلاج بالصدمات “الأميريّة”

مدة القراءة 6 د


رسم أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد سريعاً خطّ العهد الجديد، فقلب المشهد رأساً على عقب خلال ساعات قليلة.

صباح الأربعاء الماضي تسمَّرَ الكويتيون وراء الشاشات للاستماع إلى خطاب أميرهم الجديد بعد أداء اليمين الدستورية، لكنّ أيّاً منهم لم يتوقّع ما حصل.

وصل الأمير إلى مجلس الأمّة بحدود العاشرة صباحاً، فدخل سريعاً ليوقّع على سجلّ الشرف، ثمّ انتقل مباشرة إلى قاعة المجلس، حيث أدّى اليمين، وانبرى ليلقي خطاباً وصفه البعض فيما بعد بأنّه “تاريخي” و”غير مسبوق” في تاريخ الحياة السياسية في الكويت.

بلا قفّازات أو مجاملات أو عبارات مُغلّفة بالدبلوماسية، قال الأمير إنّه أطاعَ شقيقه الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد في جميع القرارات والتعليمات، من دون أيّ اعتراض، على الرغم من عدم اقتناعه ببعضها.

قال أيضاً إنّ تحذيراته السابقة والمتكرّرة لم تلقَ آذاناً صاغية لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية، متّهماً إيّاهما بأنّهما “تعاونتا واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”، وأبرمتا “صفقة تبادل مصالح ومنافع على حساب مصالح الوطن والمواطنين”.

صباح الأربعاء الماضي تسمَّرَ الكويتيون وراء الشاشات للاستماع إلى خطاب أميرهم الجديد بعد أداء اليمين الدستورية، لكنّ أيّاً منهم لم يتوقّع ما حصل

هكذا صدَمَ الأمير الوزراء والنواب وحتى الضيوف الحاضرين في مجلس الأمّة، فبدا الذهول واضحاً على كثير منهم أثناء النقل المباشر على الهواء.

لم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى حدّ الإعلان صراحة أنّه لم يلمس “أيّ تغيير أو تصحيح للمسار”، وهو العنوان الذي رفعته القيادة السياسية بعد حلّ مجلس الأمّة مرّتين في السنوات الثلاث الماضية والعودة إلى الشعب لاختيار ممثّليه مجدّداً.

“تغيير هويّة الكويت”

لإكمال المفاجآت، سمّى الأمور بأسمائها متحدّثاً عن ملفّات محدّدة شملت التعيينات في بعض الوظائف “التي لا تتّفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف”، و”ما حصل كذلك في ملفّ الجنسية من تغيير للهويّة الكويتية، وما حصل في ملفّ العفو وما ترتّب عليه من تداعيات، وما حصل من تسابق إلى ملفّ ردّ الاعتبار لإقراره”، وخلص إلى أنّ هذه الملفّات شهدت “عبثاً مبرمجاً”، وهي “خير شاهد ودليل على مدى الإضرار بمصالح البلاد والمكتسبات الوطنية”.

في الملفّ الأوّل كان يشير إلى التعيينات في بعض المناصب التي جاءت نتيجة صفقات بين الحكومة وبعض النواب، فيما قصد بالملفّين الثاني والثالث مراسيم صدرت بإعادة الجنسية إلى بعض الأشخاص والعفو عن عشرات المدانين بأحكام جزائية، وأمّا الملفّ الرابع فهو قانون أصدره مجلس الأمّة بتقليص مدّة ردّ الاعتبار عن الأشخاص المحكومين بأحكام جزائية، وصدر عنه عفو خاصّ، وذلك لإتاحة المجال أمام ثلّة من المعارضين الصقور للعودة إلى مجلس الأمّة سريعاً، لأنّ القانون بموادّه السابقة قبل التعديل لا يسمح لهم بذلك في المستقبل القريب.

قال الأمير عن التصدّي لهذه الملفّات: “جاء قرارنا السيادي مكتوباً بوقف جزء من هذا العبث من خلال وقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب لأجل مسمّى، وسيتمّ إن شاء الله التعامل مع باقي الملفّات الأخرى فيما بعد بما يحقّق مصالح البلاد العليا”.

يعني ذلك أنّ التعامل مع الملفّ الأول الذي جمّد عملياً الحكومة حينذاك (راجع مقال “أساس” بعنوان “حكومة الكويت مجمّدة بقرار سيادي” في 11 كانون الأول 2023)، سيليه تعامل ربّما يكون أشدّ وطأة مع الملفّات الأخرى.

لا تبدو الأمور واضحة تماماً، إذ إنّ الملفّ الأخير يتعلّق بقانون يمكن للأمير ردّه وعدم التصديق عليه، لكنّ الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للعفو وإعادة الجنسية، لأنّ المراسيم نُفِّذت وخرج المدانون المعفى عنهم من السجن، وأُعيدت الجنسية لآخرين.

في المحصّلة، خلص الأمير إلى أنّ “المرحلة التاريخية الدقيقة” تقتضي “ضرورة مراجعة واقعنا الحالي من كلّ جوانبه، خصوصاً الجوانب الأمنيّة والاقتصادية والمعيشية”، في إشارة إلى أنّ هذه الجوانب ستكون عناوين المرحلة المقبلة.

يهمس البعض أنّ الانتخابات النيابية ستكون بعد شهر رمضان المبارك، لتكون الثالثة خلال ثلاث سنوات، وأنّ المشهد الجديد لن يرتسم بكُلّيّته قبل الصيف المقبل

استقالة الحكومة سريعاً

كان للخطاب وقع الزلزال، إذ لم تمرّ ساعة حتى طالت ارتداداته الحكومة التي سارع رئيسها الشيخ أحمد النواف إلى رفع استقالتها إلى الأمير، الذي قبلها على الفور.

هكذا تغيّر المشهد في الكويت خلال ساعات قليلة، بعدما رفع الأمير “الكارت الأحمر” بوجه الحكومة فخرجت من الملعب السياسي سريعاً. فيما كان الكارت الموجّه إلى مجلس الأمّة “أكثر من أصفر” على خلفيّة “الصفقات” التي أبرمها مع الحكومة، وهو ما يعني أنّ رحيله بعدها ليس مستبعداً (راجع مقال “أساس” بعنوان “حكومة وبرلمان الكويت على أبواب الرحيل” بتاريخ 5 تشرين الثاني 2023).

أجمع المراقبون على أنّ هذا الخطاب غير مسبوق في صراحته وقوّته لأنّه عادة ما تتّسم الخطابات الأميرية بالدبلوماسية والمجاملة والحديث بالعموميات عن التوافق بين السلطتين والوحدة الوطنية، كما لم يسبق لأمير أن قال صراحة إنّه لم يكن موافقاً على قراراتٍ لسلفه بهذا الوضوح.

رأى البعض أنّ ما جرى يشبه “العلاج بالصدمة” وأنّ الوجوم الذي بدا على وجوه الوزراء والنواب خلال الجلسة يعكس حقيقة الواقع وحجم المفاجأة، لناحية سرعتها وتوقيتها، إذ إنّه في غالب الأحيان عندما يتولّى أمير جديد الحكم في الكويت يقوم بتغييرات كبرى وتشهد بداية عهده انتخابات جديدة، لكن ليس بهذه السرعة.

إقرأ أيضاً: مشعل الكويت: الاستقرار المُنضبط

مع صعوبة التوقّع والتحليل، تتركّز الأنظار على جملة استحقاقات داهمة، تتعلّق أوّلاً بهويّة رئيس الحكومة الجديد مع استبعاد عودة رئيسها الحالي، وثانياً بمدّة تصريف الأعمال الذي تقوم به الحكومة الحالية، وثالثاً بهويّة وليّ العهد الجديد الذي يختاره الأمير بعد تولّيه مقاليد الحكم (لديه سنة بحسب الدستور لكن من النادر أن يتمّ تأخير الاختيار أكثر من أيام قليلة)، ورابعاً بمصير مجلس الأمّة.

يهمس البعض أنّ الانتخابات النيابية ستكون بعد شهر رمضان المبارك، لتكون الثالثة خلال ثلاث سنوات، وأنّ المشهد الجديد لن يرتسم بكُلّيّته قبل الصيف المقبل.

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…