بعد التدقيق، لم يكن مشهد تقاذف التمديد لقائد الجيش بين مجلسَي الوزراء والنواب عفويّاً، بل بحسب المعلومات جاء تعطيل جلسة مجلس الوزراء بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس نبيه بري، مع دور بارز لعبه رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية. وبطبيعة الحال لم يكن ذلك ليحصل من دون ضوء أخضر من الحزب. إذاً أقفلت هذه القوى باب تأجيل التسريح في الحكومة وأعادته إلى مجلس النواب قانوناً يتمتّع بالشمولية، قاطعةً الطريق على أيّ طعن يمكن أن يؤثّر على قيادة الجيش في المرحلة المقبلة. تزامناً، لا بدّ من التوقّف عند تصويت نواب تيار المردة لقانون التمديد، ولا سيما بعد العشاء الذي جمع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وعقيلته ريما، ونجله النائب طوني فرنجية، بقائد الجيش جوزف عون وعقيلته نعمت في منزل قائد الجيش وبدعوة منه عشيّة الجلسة، يوم الخميس في الرابع عشر من هذا الشهر. تُختصر قراءة هذا المشهد بحسن العلاقات بين الرجلين، وأن لا نيّة لعون لإنشاء أيّ خصومة مع فرنجية على أيّ خلفية كانت، والأهمّ أن لا تنافس رئاسيّاً بينهما.
عشاء الخميس
في تعليقها على العشاء، تُجمع مصادر الطرفين على إيجابيّته وعلى التأكيد على حسن العلاقات بينهما. “فكلّ منهما سيعمل لمصلحة البلد من موقعه”. فكان فرنجية “متفهّماً لوضع مؤسّسة الجيش وضرورة المحافظة على قدراته وجهوزيّته، الأمر الذي يتطلّب المحافظة على قيادته”. في المعلومات أنّ العشاء اقتصر على الاجتماعيات، وكان الطرفان مرتاحين لسير العلاقة بينهما. مصادر متابعة للعلاقة بينهما وجدت في هذا اللقاء مناسبة لتصحيح مسار الانطباعات التي كانت لدى بنشعي عن اليرزة. أوّلاً هو لقاء أوّل بينهما سبقه اتّصال فقط. ثانياً يأتي هذا التواصل بعد تسريب من بنشعي عن عدم موافقة فرنجية على التمديد لقائد الجيش أتى بعد لقائه مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، قبل أن يعود فرنجية ويعلن أنّه ليس معارضاً للتمديد.
في الرسائل المبطّنة لهذا اللقاء توافق ويقين بين الرجلين أن لا تنافس رئاسياً بينهما. فرئاسة كلّ منهما تخضع لشروط مختلفة ومسار سياسي مختلف
سبق أن جمع الرجلين اتصالٌ قبل هذا اللقاء. وسبق أن نُقل عن فرنجية قوله: “إذا قرّرتُ أن أنسحب من الرئاسة فسأنسحب لمصلحة قائد الجيش”. جاء ذلك في سياق الخصومة السياسية الحادّة بين فرنجية وباسيل. اليوم يُكمل فرنجية مشواره في الانفتاح على صياغة علاقات جيّدة مع قائد الجيش بعد دعوة الأخير له إلى عشاء. وفي معلومات “أساس” أنّ هذا التواصل قبل استحقاق التمديد وتحضيراً له حصل بعلم وتنسيق مع الحزب.
مصادر مقرّبة من رئيس تيار المردة تتحدّث عن إعادة حسابات بنشعي في علاقتها مع قائد الجيش بعدما كانت متدهورة في مرحلة سابقة. ففرنجية يدرك تماماً أنّ الرئاسة هي بينه وبين جوزف عون، وهو قرّر أن يكون إلى جانبه في حال آلت الرئاسة إليه، لأنّ حسابات الرئاسة تتخطى كل منهما. أما في مسألة تعيين رئيس الأركان وبعدما كان فرنجية معارضاً، عادت مصادره لتؤكّد أنه منفتح على إمكانية التعيين خدمة لموقع المؤسّسة وعملها وحاجة القائد لرئيس أركان إلى جانبه.
في الرسائل المبطّنة لهذا اللقاء توافق ويقين بين الرجلين أن لا تنافس رئاسياً بينهما. فرئاسة كلّ منهما تخضع لشروط مختلفة ومسار سياسي مختلف.
رئاسة سليمان فرنجية ستكون نتيجة حتمية لتسوية المنطقة والتفاهمات مع الحزب على قاعدة اتفاق دولي إقليمي على إعطاء الرئاسة للحزب الذي بدوره لن يذهب إلى رئيس لا يحظى بتوافق دولي إقليمي.
أمّا رئاسة جوزف عون فتكون نتيجة لتسوية المنطقة وتفاهمات على قاعدة رئيس يمثّل خياراً ثالثاً يحظى بتوافق القوى اللبنانية ولا يتعارض مع الحزب. وبالتالي ظروف وصول كلّ منهما إلى بعبدا مختلفة ولا تنافس حقيقياً بينهما. إنّما هي مسارات التفاهمات الدولية التي ستحدّد نجاحهما في الوصول إلى قصر بعبدا.
إقرأ أيضاً: “ماتش التمديد” انتهى بصافرة “المايسترو” برّي: عون رَبِحَ على عون!
أهمّيّة دور الرئيس المقبل
في الواقع لا أحد من القوى المحلّية والإقليمية والدولية يتعامل مع الانتخابات الرئاسية في لبنان بخفّة. وذلك لِما للرئيس المقبل من دور سيفرض نفسه في المرحلة المقبلة. بانتظار نضوج المفاوضات التي تتقدّم في الكواليس على وقع حرب غزة، ينتظر الجميع الجلوس إلى الطاولة حيث سيُعلَن الاتفاق الأخير على كيفية إدارة المنطقة بكلّ تناقضاتها. وسيكون للبنان في ذلك الحين مكان ودور. ولا أحد سيملأ هذا المكان سوى رئيس الجمهورية المقبل. العناوين المقبلة مرتبطة بشكل وثيق بالحزب، دوره وسلاحه ووجوده. وبالتالي لا استخفاف بهويّة الرئيس المقبل الذي سيُنتخب بعيداً عن الحسابات الداخلية الضيّقة. في مفهوم الحزب أنّ التسوية المقبلة حتماً على المنطقة ولبنان ستحرّره نسبياً من الحاجة إلى مظلّات مسيحية له في الداخل. وعليه ينتظر الوقت وما سيحمله من تطوّرات يُبنى عليها المسار الرئاسي المقبل. ومن هذا المنطلق، يدرك عون وفرنجية أنّ ما يحصل في المنطقة يفوق قدرتهما على التحكّم بالمسار القائم، وأنّ خصومتهما لا تقدّم ولا تؤخّر في أيّ مسار رئاسي لأيّ منهما. لذلك قرّر فرنجية أن يكون جزءاً من تسوية التمديد لقائد الجيش الذي فرضته جلسة التمديد الأخيرة بحصوله على أصوات الكتل السنّية والدرزية والمسيحية والشيعية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@