بدأ العدّ العكسي للعاشر من كانون الثاني، تاريخ تقاعد قائد الجيش جوزف عون، ولا يزال ملفّ ملء الشغور في القيادة معلّقاً في سجال سياسي وقانوني عقيم. كثرت الاقتراحات لملء الشغور إلا أنّ أيّاً منها لم يحصل بعد على إجماع القوى السياسية، في حين تعيش المؤسّسة أياماً صعبة، وقد وضعت في مهبّ الريح في أكثر المراحل الأمنية حساسيّة وفي أسوأ الأوضاع الاقتصادية. بين تعيين قائد جديد للجيش وبين التمديد أو تأجيل تسريح قائد الجيش الحالي، تحدّث بيان “تكتّل لبنان القوي” عن اقتراحات، أبرزها أنّ وزير الدفاع يستطيع أن يقوم بملء الفراغ بتعيين الضابط الذي يراه مناسباً، بالوكالة، قائداً للجيش. بالوكالة و”بالتفاهم”. اقتراح التيار هذا رأى فيه البعض خطراً على المؤسّسة يهدّد بانقسام في قيادتها.
التيّار العونيّ: تعيين بـ24 توقيعاً
يواجه التيار الوطني الحر التمديد لقائد الجيش بتقديم جملة من الاحتمالات بدأها باقتراح تعيين قائد جديد متخطّياً الفراغ الرئاسي ومستعيضاً عنه بتوقيع الأربعة وعشرين وزيراً للحصول على مشروعية التعيين. أما وقد سقط هذا الاحتمال فإنّ التيار يقترح أكثر من حلّ:
– أوّلاً: اعتبار أن لا وجود للفراغ في موقع قائد الجيش بحكم ما يُعرف بإمرة الأعلى رتبة، وهذا متوفّر، وهو تلقائي.
– ثانياً: إمكانية أن يكلّف وزير الدفاع ضابطاً يختاره بعد التشاور، ويعيّنه بالوكالة. مصادر التيار الوطني الحر تعتبر أنّ رفضها تخطّي صلاحيات الوزير هو حماية لاتفاق الطائف، مؤكّدة أنّ الاقتراح الأخير جاء بالتشاور وليس بالفرض، وأنّ اللجوء إلى خيارات غير دستورية ولا قانونية هو الذي يهدّد وحدة المؤسسة العسكرية. أمّا في حال ذهب مجلس الوزراء إلى تأجيل تسريح قائد الجيش لستّة أشهر بعدما قام الأمين العامّ لمجلس الوزراء بدراسة قانونية تتيح للمجلس إصدار القرار من دون اقتراح وزير الدفاع، فتقول مصادر التيار إنّ القرار سيكون عرضة للطعن في مجلس شورى الدولة، وسيكون الأجدى بوزير الدفاع أن يستخدم صلاحياته بتكليف ضابط للقيادة. وتعتبر هذه المصادر في حديث لـ”أساس” أنّ “إبقاء قائد الجيش، مطعوناً بقيادته، هو ما يهدّد المؤسسة العسكرية”، وتعتبر أنّ “التيار حريص في كل مقارباته حول الاستحقاق المقبل على وحدة المؤسسة العسكرية وبالتالي هو قدّم اقتراحاته على أن يتم إقرارها بالتشاور مع القوى المختلفة وليس بالفرض”.
تتحدّث مصادر مطّلعة على موقفها عن “تعاون وانفتاح قواتي”، لأنّها تعتبر أنّ المحافظة على موقع قيادة الجيش مصلحة وطنية كبرى ترتبط مباشرةً بالأمن القومي
اجتهادات قانونيّة تهدّد وحدة الجيش
في المقابل يتحدّث مرجع دستوري لـ”أساس” عن خطورة هذه الطروحات، معتبراً أنّها تهدّد وحدة المؤسسة العسكرية لأنّ أيّ قرارات متناقضة يمكن أن تصدر عن مرجعيّتين رسميّتين ستؤدّي إلى إرباك في المؤسسة العسكرية وإلى خلل إداري. وبالتالي فإنّ وضع المؤسسة التي حافظت على وحدتها في أحلك الظروف في مهبّ القرارات السياسية هو أمر خطير يهدّد الجيش. بحسب المادّة 21 من قانون الدفاع الوطني، فإنّ “رئيس الأركان ينوب عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامّه وصلاحيّاته طوال فترة غيابه”. وهنا يستطرد المرجع بالقول إنّ قانون الدفاع لم يحتمل الشغور، كقانون النقد والتسليف على سبيل المثال الذي أشار إلى أنّه في حالة شغور حاكمية مصرف لبنان يتولّى نائب الحاكم الأول المسؤولية، بل نصّ قانون الدفاع على أنّ رئيس الأركان ينوب فقط في حالات الغياب، أي المرض أو السفر، وليس في حال الشغور لأنّها حالة تعتبر شاذّة في قيادة المؤسسة العسكرية. أمّا اقتراح التيار أن يعيّن وزير الدفاع ضابطاً بالوكالة فهو يعتبر “غير قانوني، لأنّ الوكيل يُعيّن كما يُعيَّن الأصيل، وبالتالي تعيين الوكيل يفترض أن يصدر عن مجلس الوزراء ولا يجوز في حالة المؤسسة العسكرية أن تُسقَط عليها تعيينات سبق أن قام بها وزراء في وزارات أخرى، وذلك بسبب حساسية الموقع وأهميّته”.
واحدة من الإشكاليات التي يمكن أن تطرأ على أي انقسام في المرجعيات في حال عدم اعتراف وزير الدفاع بتأجيل التسريح وتعيينه ضابطاً للقيادة، يمكن أن تترجم كما سبق أن ترجم تكليفه للعميد ملحم حداد لتسيير المفتشية في الجيش وهو طبيب أسنان، فاستدعي حداد إلى القيادة ووضع بالتصرّف. بالإضافة إلى إشكالية أخرى ستتمثل بعدم امتثال أي من قادة الوحدات للمعيّن حديثاً، إنما ستتابع مديريات المخابرات والعمليات وكافة الأركان الامتثال للقائد المعيّن بالأصالة الممدّد له في مجلس الوزراء أو مجلس النواب.
إقرأ أيضاً: وزير الدفاع “يبقّ البحصة”: سأفضحكم!
بكركي – الثنائيّ: رسائل ودّ تفتح أبواب المجلس
بعد الموقف العالي السقف الذي صدر عن بكركي رفضاً لتعيين قائد جديد للجيش في ظلّ الشغور الرئاسي، زار وفد من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بكركي، في رسالة “ودّ” بعثها كلّ من الرئيس نبيه بري والحزب إلى بكركي. في هذه الرسالة تطمين بأن لا تعيين في ظلّ الفراغ الرئاسي وسط جوّ سياسي متقاطع على التمديد لقائد الجيش جوزف عون. هذا التقاطع المحلّي يواكبه تقاطع دولي برز في جولة الموفد القطري أبي فهد جاسم آل ثاني في الأيام الماضية. فقد أشارت معلومات لـ”أساس” إلى أنّ الوفد يدعم التمديد، كما عبّر في لقاءاته اللبنانية، وهو دعم أميركي سعودي كذلك. أمّا المخرج القانوني فلا يزال معلّقاً عند رفض التيار الوطني الحر تخطّي وزير الدفاع واستعداده للطعن. لكن إذا فشلت خطّة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في تقديم حلّ من خارج صلاحيات وزير الدفاع، فإنّ أبواب المجلس ستفتح لجلسة تشريعية على جدول أعمالها مجموعة قوانين درست في اللجان النيابية وأخرى قوانين معجّلة مكرّرة. وفي هذه الجلسة تتحدّث معلومات “أساس” عن “مرونة قوّاتية”. إذ تعتبر القوات اللبنانية أنّ مشاركتها في جلسة لبنود عدّة ليست كأساً مرّة ستتجرّعها، بل تتحدّث مصادر مطّلعة على موقفها عن “تعاون وانفتاح قواتي”، لأنّها تعتبر أنّ “المحافظة على موقع قيادة الجيش مصلحة وطنية كبرى ترتبط مباشرةً بالأمن القومي”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@