تاريخ خلافات أميركا وإسرائيل (2/2): بوش وأوباما وبايدن

مدة القراءة 7 د


أميركا أكبر داعم لإسرائيل منذ تأسيسها. لكنّ هناك تاريخاً من الخلافات والاختلافات، منذ الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور (1961 – 1953) إلى جو بايدن (2021 – 2025). في الحلقة الثانية تعداد للخلافات منذ اتفاق أوسلو، إلى حرب غزّة، مروراً بـ3 رؤساء حكموا أميركا والعالم، وعايشوا “التمرّد” الإسرائيلي المتكرّر والمستمرّ…

أكثر الخلافات الأميركيّة – الإسرائيليّة ترتبط بالقضيّة الفلسطينيّة وأزمة الشّرق الأوسط. ففي حزيران 1990، وبعدما شعرَت واشنطن بالإحباط من الجمود في مفاوضات السّلام، أدلى وزير الخارجيّة حينذاك جيمس بيكر بتصريحٍ ذكّر فيه الإسرائيليين برقم هاتف البيت الأبيض وقال: “اتّصلوا بنا عندما تكونوا جاهزين من أجل السّلام”.

في 1991، وفي خطوة تُشبه ما هدّدَ به آيزنهاور، أخّر الرّئيس الرّاحل جورج بوش الأب ضمانات القروض لتل أبيب في إطار الضّغط عليها لوقف بناء المستوطنات في الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، حتّى وافقت إسرائيل على عقد مؤتمر للسّلام مع الفلسطينيين.

مع وصول باراك أوباما إلى الرّئاسة في 2008، زادت التّوتّرات في العلاقة، خصوصاً مع تشدّد الموقف الأميركيّ في وجه الاستيطان في الضّفّة الغربيّة، وعمل أوباما وفريقه منذ اليوم الأوّل على تطبيع العلاقات مع إيران في مقابل فرض قيود على برنامجها النّوويّ. وهذا ما تُوِّجَ بتوقيع خطّة العمل المُشتركة (JCPOA) في 2015.

لم تعُد واشنطن، على الرغم من كلّ الدّعم المفتوح، قادرة على “حمل ثِقَل” صور المجازر وقتل المدنيين في قطاع غزّة. وقد حثّت تل أبيب غير مرّة على ضرورة تجنّب ذلك

كان أحد أبرز تجلّيات التّوتّر الإسرائيليّ مع إدارة أوباما، إعلان تل أبيب بناء المزيد من الوحدات الاستيطانيّة حولَ القدس أثناء زيارة نائب الرّئيس الأميركيّ حينها، الرّئيس الحاليّ جو بايدن، لإسرائيل، الأمر الذي وصفته وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون بـ”الإهانة”.

عوامل التّوتّر

كثيرة هي العوامل التي تحكم اليوم رفعَ منسوب التّوتّر في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن:

– تختلف الرّؤية بينهما حول اليوم الذي يلي الحرب على قطاع غزّة. إذ تدعم واشنطن نقل السّيطرة على القطاع إلى السّلطة الفلسطينيّة بدعمٍ عربيّ. أمّا نتانياهو فيرفض حتّى تسلّم السّلطة للأوضاع في قطاع غزّة.

– لم تعُد واشنطن، على الرغم من كلّ الدّعم المفتوح، قادرة على “حمل ثِقَل” صور المجازر وقتل المدنيين في قطاع غزّة. وقد حثّت تل أبيب غير مرّة على ضرورة تجنّب ذلك.

قد يجدُ البعضُ هذه النّقطة “مدعاة للسّخرية”، إذ إنّ أميركا هي التي تُقدّم كلّ السّلاح والذّخائر والغطاء السّياسيّ لإسرائيل في عمليّتها ضدّ غزّة. لكنّ الإدارة الأميركيّة محكومة بعامليْن مؤثّريْن لا يُمكن التغاضي عنهما:

1- بعد أسابيع قليلة تدخل الحملات الانتخابيّة الرّئاسيّة مرحلة العمل الفعليّ. وكثير من دافعي الضّرائب الأميركيين الذين تُساعد واشنطن تل أبيب من أموالهم غير راضين عمّا يحصل في قطاع غزّة. وهذا ما أكّده الاستطلاع الذي أجرته وكالة “رويترز” مع شركة “إيبسوس” قبل أيّام.

أظهر الاستطلاع تراجعاً كبيراً في الدّعم الشّعبيّ الأميركيّ للحرب على غزّة. إذ اعتبَر 68% منهم أنّ على إسرائيل وقف إطلاق النّار والتّفاوض. واعتبرَ 32% فقط أنّ على واشنطن أن تدعم تل أبيب في حربها، فيما ارتفعت نسبة الذين يُؤيّدون أن تكونَ أميركا وسيطاً محايداً في الصّراع من 27% في منتصف تشرين الأوّل إلى 39% في منتصف تشرين الثّاني.

2- الانقسام الذي تشهده الإدارة الأميركيّة، وتراجع نسبة التأييد للحرب في أوساط الحزب الدّيمقراطيّ، خصوصاً بين الشّباب. وهذا ما يقرع جرس إنذار انتخابيّ في المكتب البيضاويّ.

– على الرّغم من الدّعم الأميركيّ لإسرائيل، إلّا أنّ هذا لا يعني دعماً من بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. إذ إنّ الخلاف الشّخصيّ بين الرّجليْن، وإن وُضِعَ جانباً في السّاعات الأولى للحرب، عادَ ليطلّ برأسه شيئاً فشيئاً.

لا يخفى أنّ إدارة بايدن عمِلَت منذ أيّامها الأولى مطلع 2021 على إقصاء نتانياهو من السّلطة، عبر دعم ائتلاف هجين ضمّ أحزاب المُعارضة بقيادة يائير لابيد وبيني غانتس وغادي آيزنكوت مع اليمينيّ نفتالي بينيت والأحزاب العربيّة – الإسلاميّة.

انسحبَ هذا الدّعم إلى الشّارع بعد عودة نتانياهو إلى السّلطة السّنة الماضية على رأس ائتلافٍ يمينيّ مُتطرّفٍ مُتحالفاً مع أحزاب “الحركة الصّهيونيّة الدّينيّة” من أمثال وزير الأمن إيتمار بن غفير ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش.

كانَ موقف الدّيمقراطيين في أميركا واضحاً في الانحياز إلى قادة المُعارضة لابيد وغانتس وآيزنكوت. وبقيت التظاهرات تملأ شوارع المدن الإسرائيليّة كلّ ليلة حتّى انسحبَت مع اندلاع شرارة الحرب على قطاع غزّة.

على الرّغم من الدّعم الأميركيّ لإسرائيل، إلّا أنّ هذا لا يعني دعماً من بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. إذ إنّ الخلاف الشّخصيّ بين الرّجليْن، وإن وُضِعَ جانباً في السّاعات الأولى للحرب، عادَ ليطلّ برأسه شيئاً فشيئاً

مع تشكيل حكومة الحرب، أصرّ بايدن على دخول غانتس وآيزنكوت إليها، وبقاء لابيد في المعارضة. وهذا يوفّ الرّئيس الأميركيّ لُغماً سياسيّاً على مكتب نتانياهو لا أحد يعلم متى يُفجّر صاعقه ليُقصيه من السّلطة، خصوصاً أنّ شعبيّة الأخير وصلَت إلى أدنى مستوياتها، أكانَ في الشّارع الإسرائيليّ أو داخل حزب الليكود، بحسب ما أظهرت الاستطلاعات التي تنشرها جريدة “معاريف”.

– يُشكّل التّعاطي مع إيران واحداً من أبرز الخلافات بين الرّجليْن. فإدارة بايدن لا تزال تحاور طهران منذ اليوم الأوّل حول العودة إلى الاتفاق النّوويّ الذي انسحبَ منه الرّئيس السّابق دونالد ترامب. وهذا موضع خلافٍ كبير مع نتانياهو الذي صرّح غير مرّة أنّه غير معنيّ بأيّ اتفاق قد تصلُ إليه واشنطن وطهران بخصوص البرنامج النّوويّ.

بعد حرب غزّة، استمرّت المُحادثات بين واشنطن وطهران عبر وساطة سلطنة عُمان. إذ وصلت قبل الحرب إلى نقطة مُتقدّمة بالتّوصّل إلى اتفاق تبادل السّجناء والإفراج عن أرصدة إيرانيّة مُجمّدة في كوريا الجنوبيّة واليابان والعراق.

– كذلك يُعتبر لبنان نقطةً خلافيّة بين الرّجليْن. ولئن كانَ بايدن هدّد إيران والحزب مساء السّابع من تشرين الأوّل بكلمته الشّهيرة “Don’t”، إلّا أنّه لا يدعم توسعة نطاق الحرب على قطاع غزّة لتطال الحزب في لبنان. لكنّ هذا لا يعني أنّ واشنطن ستتركُ تل أبيب وحيدة في حال تطوّر الأمر على جبهة لبنان ليصيرَ حرباً شاملة. وهذا ما أبلغه مبعوث بايدن آموس هوكستين إلى المعنيين في بيروت في زيارته الأخيرة.

إقرأ أيضاً: متى يتحوّل بايدن إلى “آيزنهاور” ونتانياهو إلى “بن غوريون”؟

وصلَ الدّعم الغربيّ المفتوح لإسرائيل في حربها إلى أدنى مستوياته. وحدها أميركا لا تزال في الميدان رافعة لواءَ الدّعم. وهي وحدها التي تحمِلُ وسائل الضّغط الجدّيّ على إسرائيل لوقف حربها، وإنزال نتانياهو عن الشّجرة بعدما غرقَ حتّى أذنيْه في مستنقع غزّة.

صوّب بايدن في غزّة على ثلاثة أهداف: أضعفَ نتانياهو داخلياً، ويعمل على إضعاف قوّة إيران، ويؤيّد إنهاء حركة “حماس” عسكرياً. يبقى أن يُقرّر بايدن متى يريد أن يُحاكي آيزنهاور، ويُحوّل نتانياهو من “مناحيم بيغن المُستشرس” إلى “ديفيد بن غوريون المُنسحِب”.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…