“إنجيل” غزّة : قتل عشوائي… بحجّة الذكاء الاصطناعي

مدة القراءة 5 د

 

بحجّة ما تقول إسرائيل إنّه “برنامج ذكاء اصطناعي”، رفعت إسرائيل من وتيرة قصف ما تدّعي أنّه “أهداف محدّدة” في غزّة، من 50 سنوياً، إلى 100 يومياً، بعدما “عانت” من “أزمة” وصفتها بـ”نفاد الأهداف”. وصمّمت ما تقول إنّه برنامج ذكي، يسمح لها بـ”إصدار توصيات آليّة بالأهداف التي ينبغي مهاجمتها، مثل المنازل الخاصة بالأفراد المشتبه في أنّهم نشطاء في حماس أو الجهاد الإسلامي، ينهل من قاعدة بيانات غذّتها في السنوات الأخيرة بمعلومات عن نحو 40 ألف شخص ممّن “يُشكّ” في انتمائهم لهاتين الحركتين، “صرّحت باغتيالهم”.
هذا ما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية عن مسؤولين إسرائيليين سياسيين وأمنيين، أنشأوا، بفخر، قسم إدارة أهداف عالج “المشكلة المزمنة لنفاد الأهداف المحدّدة للقصف”. إذ أنّه “عندما يختفى كبار مسؤولي حماس في الأنفاق، يسمح هذا الإنجيل باستهداف منازل صغار الناشطين، في مواقع غير قيادية، وقصف منازلهم المدنية، ومنازل “كلّ من يشكّ في انتمائهم لحماس”، وتفجيرها وقتل كلّ من يوجد داخلها”.
ذكاء هذا “الإنجيل” يلخّصه المسؤولون الإسرائيليون بأنّه ينبع من أنّ “القسم يعرف مسبقاً عدد المدنيين الذين قد يُقتلون. إذ إنّ كلّ هدف له ملفّ يتضمّن درجة الأضرار الجانبية التي تحدّد عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يقتلوا في الغارة. وقال مصدر عمل حتى عام 2021 في التخطيط للضربات إنّ “قرار الضربة يتّخذه قائد الوحدة أثناء الخدمة”، وإنّ بينهم من يكون “أكثر استعداداً للتساهل في الضغط على الزناد من غيره.”

اعتبرت المصادر أنّ دمج الأنظمة القائمة على الذكاء الصناعي في عمليات الجيش الإسرائيلي ساهم بشكل كبير في تسريع عملية تحديد الأهداف

هذا النظام يسمّى Habsora حابسورا باللغة العبرية (the Gospel باللغة الإنكليزية، و”الإنجيل” أو “العهد الجديد” باللغة العربية)، والغاية منه “إنتاج الأهداف بوتيرة سريعة”، حيث إنّه يزيد أضعافاً كثيرة عدد أهداف القصف داخل المناطق الفلسطينية ويستطيع في الوقت نفسه تقدير عدد الضحايا المدنيين في القصف الذين بلغوا حتى الآن أكثر من 16 ألف شخص في القطاع.
ونقل التقرير عن آفيف كوتشافي، الذي شغل منصب رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى شهر كانون الثاني الماضي، أنّ قسم الاستهداف “يعمل بقدرات الذكاء الصناعي” ويعمل فيه مئات الضباط والجنود، مشبّهاً النظام بأنّه “آلة تنتج كميّات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعّالية وكفاءة من أيّ إنسان، وتترجمها إلى أهداف هجومية”، وأوضح أنّه “بمجرّد تفعيل النظام في حرب إسرائيل مع حماس التي استمرّت 11 يوماً في أيار 2021، سجّل 100 هدف يومياً. فبينما كنّا في الماضي ننتج 50 هدفاً في غزة سنوياً، تنتج هذه الآلة الآن 100 هدف في اليوم الواحد، وتتمّ مهاجمة 50% منها”. وفقاً للأرقام التي نشرها الجيش الإسرائيلي في تشرين الثاني، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، هاجمت إسرائيل 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في هذه المنطقة الساحلية المكتظّة بالسكان. وبالمقارنة، في حرب 2014، التي استمرّت 51 يوماً، ضرب الجيش الإسرائيلي ما بين 5,000 إلى 6,000 هدف.

مصنع القتل الجماعيّ
لا يُعرف على وجه التحديد ما هي أشكال البيانات التي يتمّ تضمينها في الإنجيل. لكنّ خبراء أوضحوا أنّ أنظمة الإسناد القائمة على الذكاء الصناعي والمستخدمة للاستهداف تحلّل عادةً مجموعات ضخمة من المعلومات من مجموعة من المصادر، مثل الصور التي تلتقطها المسيَّرات، والاتصالات التي يتمّ اعتراضها، وبيانات ومعلومات المراقبة التي يتمّ الحصول عليها من رصد تحرّكات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة.

حذّرت الدكتورة مارتا بو، الباحثة في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، من خطر “التحيّز الآلي” و”الإفراط في الاعتماد على الأنظمة التي يصبح لها تأثير كبير للغاية على القرارات البشرية المعقّدة

واعتبرت المصادر أنّ دمج الأنظمة القائمة على الذكاء الصناعي في عمليات الجيش الإسرائيلي ساهم بشكل كبير في تسريع عملية تحديد الأهداف. وقال مصدر عمل سابقاً في قسم الأهداف: “نجهّز الأهداف آليّاً ونعمل وفق قائمة مرجعية. إنّه حقّاً مثل المصنع. نعمل بسرعة وليس هناك وقت للتعمّق في كلّ هدف. ويتمّ الحكم علينا بناء على عدد الأهداف التي نجحنا في تحقيقها”. وقال مصدر آخر إنّ النظام سمح لقوات الاحتلال الإسرائيلية بتشغيل “مصنع للقتل الجماعي” يكون “التأكيد فيه على الكمية وليس الجودة”. أضاف أنّ عيناً بشرية “تمرّ على الأهداف قبل كلّ هجوم، لكن لا حاجة لها إلى قضاء كثير من الوقت في ذلك.”
على الرغم من ادّعاء الجيش الإسرائيلي أنّ الوحدة تقوم بهجمات دقيقة على البنى التحتية المرتبطة بحماس فتلحق أضراراً كبيرة، لكن أقلّ ضرراً بغير المقاتلين، وأنّ مشغّلي النظام يستخدمون معايير “بالغة الدقّة” لقياس نسبة المدنيين الذي يخلون المبنى قبل وقت قصير من الغارة”، إلّا أنّ خبراء في الذكاء الصناعي والنزاعات المسلّحة شكّكوا في التأكيدات أنّ الأنظمة القائمة على الذكاء الصناعي تقلّل من الضرر الذي يلحق بالمدنيين من خلال تشجيع الاستهداف الأكثر دقّة.
وقال ريتشارد مويس، الباحث الذي يرأس منظمة المادة 36، التي تقوم بحملات للحدّ من الأضرار الناجمة عن الأسلحة: “لننظر إلى المشهد على الأرض في غزة. إنّنا نشهد تسطيحاً واسع النطاق لمنطقة حضرية باستخدام أسلحة متفجّرة ثقيلة. لذا الادّعاء بدقّة ومحدودية استخدام القوّة لا تدعمه الحقائق”. وأضاف أنّ “ثمّة مخاطرة بأنّه عندما يعتمد البشر على هذه الأنظمة يفقدون القدرة على تقدير الأذى الذي قد يلحق بالمدنيين”.

إقرأ أيضاً: باحثة إسرائيليّة: لم ولن نتغيّر

من جهتها، حذّرت الدكتورة مارتا بو، الباحثة في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، من خطر “التحيّز الآلي” و”الإفراط في الاعتماد على الأنظمة التي يصبح لها تأثير كبير للغاية على القرارات البشرية المعقّدة.”

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…