إعاقة إعمار غزّة: العقوبات الأوروبيّة جزء من خطّة التهجير؟

مدة القراءة 7 د


لن تؤدي التغييرات في لهجة دول غربية حيال اندفاع العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، بصورها البشعة والمجازر التي تتسبّب بها، إلى سياسات مختلفة تسمح بتعديل وجهة الأحداث.

سعي بعض الدول الغربية إلى الاستدراك الإعلامي بفعل أسلوب الإبادة الجماعية الذي تتبعه إسرائيل، لا يرقى حتى الساعة إلى درجة تآكل الغطاء الدولي الغربي للحملة العسكرية الإسرائيلية. بعض وسائل الإعلام الغربية، على عكس زميلاتها التي أخذت تعرض الصور المؤثّرة للأطفال والفتية والنساء الذين خطف القصف الجوّي الإسرائيلي حياتهم، تعيد بثّ أفلام فيديو عن عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) مع التعليقات التي تتّهم المقاتلين الفلسطينيين بالوحشية. ووسائل الإعلام هذه تتأثّر بحكومات دولها. وهذا يحصل من أجل تشريع دعم مواصلة ضرب “حماس”.

يبدو أنّ بعض التغييرات في لهجة دول غربية حيال اندفاع العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، بصورها البشعة والمجازر التي تتسبّب بها، لن تؤدّي إلى سياسات مختلفة تسمح بتعديل وجهة الأحداث

لا صافرة نهاية…

قد يشهد المسرح السياسي الدولي خروج دول عن الاصطفاف الذي فرضته ردّة الفعل الأوّلية على عملية “حماس” في 7 تشرين الأول الماضي، بالإجازة للدولة العبرية أن تنتقم كما ترى مناسباً لها وبدعمها عسكرياً إلى أقصى الحدود. وهذا ينطبق على الموقفين الإسباني والبلجيكي الداعيَين إلى الاعتراف بدولة فلسطين، تمهيداً لحلّ الدولتين، ورفض مواصلة إسرائيل حربها ضدّ المدنيين بالدعوة إلى وقف إطلاق النار. أمّا تحذيرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإسرائيل بأنّ هدف القضاء على “حماس” يتطلّب 10 سنوات، فلا يعني بالضرورة العودة عن دعم الدولة العبرية، ما دام بنيامين نتانياهو يقول إنّ القرار يعود للحكومة الإسرائيلية في كيفية الدفاع عن الأمن.

كان معبّراً ما نسبته صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الجمعة الماضي، الأول من كانون الأول، إلى “مطّلعين على الخطط” العسكرية الإسرائيلية بأنّ “الحرب الحالية، على عكس العمليات العسكرية والحروب السابقة، لن تكون هناك نقطة نهاية ثابتة لها… الحكَم لن يطلق صافرة النهاية وانتهى الأمر”، وهو ما يعني أنّه في حساب العسكريين الإسرائيليين أنّ العملية البرّية تحتاج إلى أشهر، قد تمتدّ سنة، على الرغم من أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لم يوافق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على ذلك. فالخدع والمخارج لمواقف كهذه جاهزة، إذ يمكن توزيع الأسابيع على هدنات متقطّعة بحيث تتراكم الأشهر، وهكذا دواليك، فتستمرّ الحرب بصرف النظر عن مدى ملاءمة إسرائيل مجرياتها مع القانون الإنساني العالمي.

مناخان في أميركا.. ولا تعديل في السياسات

تشرح أوساط دبلوماسية دولية واقع الحال الذي يلتبس على المراقبين العرب لتطوّرات الموقف الغربي بالقول مثلاً إنّ مناخين يتحكّمان بالتوجّهات السياسية في العاصمة الأميركية:

– الأوّل في الكونغرس حيث ما زال اللوبي الصهيوني يعرض على رجال مجلسَي النواب والشيوخ أفلام فيديو حول عملية “حماس” في 7 تشرين الأول، مع ما يعنيه ذلك من سعي إلى الحؤول دون انقلاب الموقف ضدّ إسرائيل بسبب المجازر التي ترتكبها ضدّ الفلسطينيين، وحتى لا يؤخذ المشرّعون الأميركيون الذين صوّتوا لمصلحة المساعدات للدولة العبرية (14 مليار دولار)، بالاحتجاجات الشعبية على ارتكابها جرائم حرب. ولذلك معظم رجال الكونغرس لا يجادلون كثيراً.

– الثاني في وزارة الخارجية التي شهدت خضّة واعتراضات على الانحياز الأعمى لما تريده إسرائيل. إذ يسود في ردهات الخارجية الأميركية اعتقاد بأنّ الولايات المتحدة خسرت أمام أكثرية الجيل الجديد في معظم الدول العربية صورةً كانت عملت الدبلوماسية الأميركية على تكوينها في العقدين الماضيين، كساعية إلى السلام وحقّ تقرير المصير. وهي خسارة تعود إلى اضطرار واشنطن إلى الانحياز الكامل للدولة العبرية في حرب غزة المدمّرة.

مع ذلك تبدو مظاهر الخلاف بين بعض الدول الغربية وإسرائيل محدودة الفعّالية، وانعكاساتها على سياسات هذه الدول بلا نتائج ملموسة، وهو ما يجعل انفراط الهدنة وأيّ هدنة مقبلة حتميّاً ما دامت أيّ حصيلة سياسية لا يمكن استخلاصها من الجولات العسكرية، إلا تشريع مواصلتها.

قد يشهد المسرح السياسي الدولي خروج دول عن الاصطفاف الذي فرضته ردّة الفعل الأوّلية على عملية “حماس” في 7 تشرين الأول الماضي، بالإجازة للدولة العبرية أن تنتقم كما ترى مناسباً لها وبدعمها عسكرياً إلى أقصى الحدود

العقوبات الأوروبيّة على “حماس”

بموازاة التململ الأوروبي من عدم مراعاة إسرائيل الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان ومن الاستجابة لمن يطالبونها بتجنّب إلحاق الضرر بالمدنيين، يسجّل بعض الدبلوماسيين العرب العاملين في أوروبا، أو في الأمم المتحدة، مخاوف من تأسيس منظومة قانونية سياسية وأمنيّة تساعد على تفريغ قطاع غزة في سياق مشروع إقامة حزام أمني يحمي غلاف غزة الإسرائيلي من المقاومة الفلسطينية، ويمكن إجمالها في ما يأتي:

– تقترن الخطة الإسرائيلية بتهجير أكبر قدر من فلسطينيّي غزة والضفة الغربية، التي لا يلتفت الرأي العام كثيراً إلى الحملة الشرسة عليها نظراً للانشغال بمجازر القطاع، مع تحضيرات أوروبية من أجل فرض عقوبات على “حماس”، ستؤدّي إلى شلل في التعامل مع قطاع غزة لاحقاً بعد انتهاء الحرب، إن لجهة إعادة الإعمار أو لجهة المساعدات الإنسانية. وما يخشاه بعض هؤلاء الدبلوماسيين أن يؤدّي فرض العقوبات إلى تكرار تجارب سابقة، فيعيق ذلك تحويل هذه المساعدات إلى الهيئات الفلسطينية المعنية بحجّة ضمان عدم استفادة الحركة منها، ويحول الأمر دون إعادة الإعمار، لإبقاء النازحين من الشمال إلى منطقة قريبة من الحدود مع مصر في جنوب القطاع، مع جعل حياتهم مستحيلة بسبب النقص في مقوّماتها الأساسية، من طبابة وغذاء ومياه وطاقة ووقود، ومع استمرار الأعمال العسكرية المتقطّعة ضدّهم، وهو ما يحول دون عودة معظمهم إلى شمال القطاع.

إعاقة الإعمار لتسويغ التهجير مجدّداً

– ستخضع خطة إعادة الإعمار الهائلة المطلوبة بحكم العقوبات وباسم الهواجس الأمنية لمنطق إسرائيل الأمني، بحيث تتدخّل الأخيرة في تفاصيلها بهدف إعاقتها تحت عنوان التدقيق في ما إذا كانت “كميّات الإسمنت” ستذهب من أجل مزيد من الأنفاق الحمساوية أم لا. وهذه الهواجس التي تراعيها الدول الغربية، هي الباب لإبقاء القطاع من دون إعادة إعمار، وبالتالي لتسويغ هجرة ونزوح من هجّرتهم الحرب، عبر العودة إلى خيار فرض إيوائهم في سيناء على مصر باسم “الإقامة المؤقّتة”، على الرغم من رفضها القاطع لذلك، وذلك ريثما يتمّ إيجاد مخارج لإعمار ما تهدّم.

– السبت الماضي 2 كانون الأول كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” أنّ خطة إسرائيلية عُرضت على مسؤولين كبار من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسَي النواب والشيوخ الأميركيَّين، و”نالت مباركتهم”، وفق الصحيفة، سيُرَوَّج لها مباشرة عقب الموافقة عليها. تشمل الخطة ما سمّي بـ”4 مبادرات اقتصادية لـ 4 دول في المنطقة”، هي مصر والعراق واليمن وتركيا، بحيث تقبل “هجرة طوعية وليس بالإكراه” للفلسطينيين إلى أراضيها.

إقرأ أيضاً: غزّة ولبنان.. تخبّط السياديّين!

– على الرغم من الرفض المصري والأردني لخيار استقبال النازحين من غزة والضفة، لا يجد بعض الدبلوماسيين الغربيين، وبينهم أميركيون، إضافة إلى الأوروبيين، ما يمنعهم من القول في بعض مناقشاتهم مع زملاء لهم: لماذا لا يكون الحلّ بنقل فلسطينيّي غزة إلى مصر وغيرها… مثلما حصل للأرمن في إقليم ناغورني كاراباخ الذين جرى نقلهم إلى أرمينيا؟

لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…