حرب غزّة تضع إيران أمام مأزق مفصليّ

مدة القراءة 6 د


ترى  فرناز فسيحي مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ  إيران تواجه معضلة مفصلية اليوم . فهي بعدما تعهّد قادتها على مدى أكثر من أربعة عقود بتدمير إسرائيل، وعكفت على تدريب وتسليح الجماعات المعادية لإسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك حماس والحزب، تتردّد اليوم بشأن كيفية الردّ هي والميليشيات التابعة لها، المعروفة باسم محور المقاومة، على الغزو الإسرائيلي لغزّة من دون الوقوع في خطر إشعال حرب إقليمية أوسع.
يشير المسؤولون الإيرانيون اليوم علناً إلى أنّهم لا يريدون حرباً واسعة النطاق. إذ أكّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أخيراً في مقابلة له في نيويورك حيث شارك في اجتماعات الأمم المتحدة المتعلّقة بالحرب ممثّلاً بعثة إيران: “لا نسعى إلى توسيع هذه الحرب. لكنّ المنطقة تغلي وقد تنفجر في أيّ وقت. وإذا حدث هذا، فسوف تفقد جميع الأطراف السيطرة”

الهروب من الحرب
الواقع، بحسب ما قال ناصر يماني المحلّل المقرّب من الحكومة الإيرانية لمراسلة الصحيفة في نيويورك فرناز فسيحي في اتصال هاتفي مع طهران، أن “لا داعي لتورّط إيران بشكلٍ مباشر في الحرب ومهاجمة إسرائيل نفسها، لأنّ لديها ميليشيات محور المقاومة التي تتّبع سياسات إيران واستراتيجياتها وتتصرّف نيابة عنها. وحالياً، إيران في وضع السيطرة وتطلب من هذه الميليشيات جميعاً، بما في ذلك الحزب، أن تبقى الأمور في حالة غليان ولكن مع ضبط النفس”. ولا ينكر يماني أنّ إيران ساعدت في تمويل وتدريب وتسليح هذه الميليشيات، وقدّمت المعرفة التكنولوجية لبناء ترسانتها الخاصة من الطائرات بدون طيّار والصواريخ، وخاصةً في غزّة واليمن، حيث يجعل الحصار من المستحيل عملياً إيصال الأسلحة الثقيلة.
كان وزير الخارجية الإيراني قد حذّر من أنّ الميليشيات الإقليمية في لبنان واليمن والعراق وسوريا يمكن أن تفتح جبهات متعدّدة ضدّ إسرائيل مع ما يتضمّنه ذلك من احتمال “ألّا تسير الأمور بالطريقة التي يريدها نظام إسرائيل”. ومع ذلك، ووفقاً لما نقلته مراسلة الصحيفة عن ثلاثة إيرانيين مرتبطين بالحكومة على دراية بالإجراءات الداخلية طلبوا عدم الكشف عن هويّتهم، “لا تريد إيران حرباً إقليمية من شأنها أن تنطوي على مخاطر على الأمّة وقادتها الدينيين، إذ ترى طهران أنّ من الممكن أن تتضاءل القدرات العسكرية لحلفائها بشكل كبير إذا دخلوا حرباً طويلة مع إسرائيل، خصوصاً إذا تدخّل الجيش الأميركي. وهي تعتبر الميليشيات التابعة لها في المنطقة بمنزلة أذرع نفوذها الممتدّة القادرة على توجيه ضربات متعدّدة، من دون أن تضطرّ هي إلى الدخول في الحرب، وهو ما يمنحها نفوذاً في المفاوضات الدولية ووسيلة لقلب ميزان القوى في الشرق الأوسط ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة، وخصمها السعودية”.

بالنسبة لجميع الأطراف، يظلّ الخطر مرتفعاً من حدوث حسابات خاطئة تجعل الصراع يخرج عن نطاق السيطرة

لكن إذا لم تفعل إيران شيئاً، فإنّ قادتها الغاضبين يخاطرون بخسارة مصداقيتهم بين الناخبين والحلفاء، وفقاً لمصادر “نيويورك تايمز”. وقد تساءل بعض المحافظين الإيرانيين المتشدّدين عن سبب عدم تطابق تصرّفات إيران مع خطابها الرامي إلى “تحرير القدس” من الحكم الإسرائيلي، بل إنّ العديد من أنصار الحكومة الإيرانية قاموا بشكلٍ رمزي بالتسجيل كمتطوّعين للانتشار في غزّة ومحاربة إسرائيل.
في السيناريو الأوّل، تخاطر إيران بخسارة ذراعها، وفقاً لعلي فايز، مدير إيران في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مجموعة أبحاث ومنع الصراعات. وفي السيناريو الثاني، تخاطر إيران بفقدان ماء الوجه. لذا قد تحاول حلّ هذه الدائرة من خلال السماح لحلفائها بتصعيد هجماتهم ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة بطريقة محسوبة.
لكن بحسب المصادر الثلاثة المطّلعة على الاستراتيجية الإيرانية فإنّ هدف طهران في الوقت الحالي، ليس حرباً شاملة، بل إبقاء الجيش الإسرائيلي تحت الضغط، وهو ما قد يحدّ من قدرته على شنّ حرب ضدّ حماس. فلقد شنّت ميليشيا الحزب في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن هجمات ضدّ إسرائيل، لكنّها كانت هجمات محدودة النطاق. ولقد أوضح مهدي محمدي، مستشار الجنرال محمد قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني وقائد الحرس الثوري الإيراني، في منشور على تطبيق تلغرام، أنّه “من الناحية العملية، تمّ بالفعل فتح جبهات أخرى، لكن تتمّ السيطرة على نطاق الهجمات”.
أضافت هذه المصادر للصحيفة أنّ إيران والحزب يراقبان ما إذا كانت حماس تواجه تهديداً وجودياً خطيراً من إسرائيل، الأمر الذي سيدفعهما إلى تسريع الهجمات على إسرائيل. وأشارت إلى أنّ كبار قادة فيلق القدس الإيراني والحزب يعتقدون أنّه إذا نجحت إسرائيل في القضاء على حماس، فستهاجمهم بعد ذلك. ولفتت إلى وجود قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني في بيروت طوال الأسابيع الثلاثة الماضية.

أميركا قلقة
أثار خطر انتشار الحرب قلق إدارة بايدن التي حذّرت إيران ووكلاءها علناً من توسيع الصراع، مشيرة إلى أنّها لا تسعى إلى الحرب مع إيران، وحثّت طهران على كبح جماح حلفائها. غير أنّ هدف طهران، بحسب تقرير الصحيفة، ممارسة الضغط على إدارة بايدن لكبح جماح إسرائيل، أو على الأقلّ جعل الولايات المتحدة تدفع ثمن دعمها القوي لإسرائيل. وردّاً على ذلك، قصفت القوات الأميركية منشآت في سوريا الأسبوع الماضي، قال البنتاغون إنّها مواقع للحرس الثوري الإيراني. لكنّ عبد اللهيان وصف الضربات الأميركية بأنّها “للاستعراض”، وأكّد أنّ إيران والولايات المتحدة تتبادلان الرسائل. وقال: “لقد قلنا للأميركيين بوضوح أنّه عندما تقفون بكلّ قوّة مع النظام الصهيوني خلال الحرب، فإنّ أميركا ليست في وضع يسمح لها بأن تطلب من الآخرين ضبط النفس”.

إقرأ أيضاً: مفاوض إسرائيلي: يستحيل القضاء على مقاومة شعب مُضطَهَد

بالنسبة لجميع الأطراف، يظلّ الخطر مرتفعاً من حدوث حسابات خاطئة تجعل الصراع يخرج عن نطاق السيطرة. ووفقاً للمحلّل فايز: “هناك أيضاً خطر أن ينخرط بعض شركاء إيران الإقليميين الذين لديهم علاقات أكثر مرونة، أو لديهم سجلّ حافل بتجاهل النصائح الإيرانية، في عمل غير منسّق يضع طهران في مواجهة الأمر الواقع”. وخلص إلى القول: “على مدى ما يقرب من أربعة عقود، قامت سياسة الدفاع الأمامية لإيران بحماية أراضيها ضدّ الهجمات الأجنبية. ويختبر الصراع في غزّة اليوم حدود تلك السياسة بطريقة غير مسبوقة”.

 

* فرناز فسيحي مراسلة صحيفة نيويورك تايمز ومقرّها نيويورك. كانت مراسلة حربية لصحيفة وول ستريت جورنال لمدة 17 عاماً ومقرّها في الشرق الأوسط. وغطّت الحروب والانتفاضات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران وأفغانستان والعراق وإسرائيل وغزة والضفة الغربية ومصر وتركيا ولبنان وسوريا. شغلت منصب مديرة مكتب الصحيفة في بغداد من عام 2003 إلى عام 2006 ونائبة مدير مكتب الشرق الأوسط وإفريقيا ومقرّها في بيروت.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…