من كابوس غزّة إلى زلزال “الخريف العربيّ”!

مدة القراءة 6 د


سؤال التريليون دولار: ماذا بعد غزّة؟

سؤال يدّعي الجميع أنّه يعرف إجابته، والحقيقة المؤلمة أنّه مستقبل مفتوح بلا تفاهم محلّي وإقليمي على شكله.

دولياً لم يتّفق الكبار بعد على شكل غزّة؟ على مستقبل القضية الفلسطينية؟ على الحلول المقبلة؟ من سيدفع ثمن فاتورتها من أرضه؟ ومن سيموّلها من جيبه؟ ومن سيرعاها من أمنه؟

إنّه فيلم بدأ محلياً وتطوّر إقليمياً وأصبح عالمياً في مهرجان من الفوضى والارتباك وعدم التيقّن!

فاتورة بقاء الدولة اليهودية وفاتورة التطهير العرقي وفاتورة التهجير القسري لن تدفعها إسرائيل بل سيدفعها العالم العربي من أراضيه ومن تمويله

لا حلّ في الدولتين

في إسرائيل: مشروع نتانياهو القائم على الاستمرار لإطالة الحرب يختلف عن مشروع اليمين التوراتي الذي يسعى إلى إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية والتهجير القسري “لكلّ”، وأكرّر “لكلّ”، فلسطيني وليس لأهل غزّة وحدهم من أجل تحقيق حلم نقاء الجنس اليهودي في دولة خالية من العرب أو خالية من “الأغيار”.

“الأغيار” هم كلّ إنسان لم يولد من رحم أمّ يهودية، وبناء على ذلك لا يحقّ لهم أن يتمتّعوا بحماية وميزات العيش على أرض الميعاد.

في العالم العربي هناك مراجعة “خفيفة” وإعادة تداول لمنطق ومنهج السلام مع إسرائيل.

بعد 7 أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي اكتشف الجميع (مصر، الأردن، مجموعة السلام الإبراهيمي، من كان يأمل تحقيق حلّ الدولتين) 3 حقائق مؤلمة استراتيجيّاً، مرهقة تكتيكياً، وهي:

1- لا حلّ للدولتين، لكن توجد لدى الإسرائيلي دولة واحدة هي الدولة العبرية التوراتية من البحر إلى النهر.

2- فلسفة الأرض مقابل السلام ذهبت إلى غير رجعة لأنّ العقلية التي تحكم إسرائيل الآن تؤمن أن لا داعي لمقايضة الأرض مقابل السلام، ما دامت الـ “ف 35″، ودبابة الميركافا، وحاملات الطائرات، وقوات النخبة موجودة وتحت الطلب.

3- الحقيقة المؤلمة الأخيرة أنّ “حلّ الدولتين” ممكن لكن شريطة أن لا تكون الدولة الثانية إسرائيل بل مصر أو الأردن.

باختصار فاتورة بقاء الدولة اليهودية وفاتورة التطهير العرقي وفاتورة التهجير القسري لن تدفعها إسرائيل بل سيدفعها العالم العربي من أراضيه ومن تمويله.

كل شيء يمسّ القضية الفلسطينية وتداعيات الأمن القومي المرتبط بها يطرح تساؤلات أكثر من تقديمه إجابات ويطرح عدم تيقّن أكثر من يقين مريح، ويطرح فراغات سياسية مخيفة أكثر من مشروعات تسويات مريحة واضحة

التساؤلات الإقليمية

في المستوى الثاني تأتي التساؤلات الإقليمية لتطرح تساؤلات أكثر من إعطائها إجابات:

1- هل حسمت طهران قرارها في الرهان على إدارة بايدن أم اتّخذت قرارها البراغماتي الانتهازي بعدم التعاون معه؟

2- بناء على ما سبق، هل قرّرت طهران الالتزام الإقليمي بقواعد الاشتباك مع وكلائها في المنطقة بشكل محدود أم قرّرت إطلاق يدها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان؟

3- هل قرّرت أنقرة الاستمرار في دور المقاول السياسي للمنطقة حتى في غزة بمعنى أن تحصل على تفويض واضح بمقاولة: قوات حفظ السلام؟ إعادة التهجير والتسكين؟ إعادة بناء غزة؟

4-هل تستمرّ دول الخليج بالرهان على المشروع المعروض منذ 21 عاماً، وهو المبادرة العربية للسلام، أم تدخل في صياغة وبناء مشروع آخر أكثر “مرونة” أم تتبع سياسات أكثر تشدّداً؟

هذا أمر لن يُحسم حتى معرفة مستقبل كلّ من بايدن ونتانياهو والمرشد الأعلى والقسام؟

هناك يأتي السؤال العظيم: هل قواعد المنطقة الجديدة التي تتشكّل بناء على مرحلة ما بعد غزّة ستحتاج إلى لاعبين جدد فلسطينياً وعربياً؟

إذا حدث ذلك فنحن أمام مرحلة زلازل سياسية تتعدّى الربيع العربي في شكل من “يدير اللعبة” إقليمياً.

إنّها لعبة جديدة، بقواعد لم تتشكّل بعد، وتحتاج إلى قيادات لم تتسلّم السلطة بعد!

التساؤلات الدولية

أمّا مستوى التساؤلات الثالث فيتضمّن التساؤلات الدولية.

الأمر المؤكّد أنّ الخلاف الأميركي الأوروبي مع الشرق الروسي الصيني لم يرسم بعد خريطة تقاسم النفوذ في العالم، وما زال التساؤل حول الشكل الجديد للتنافس التجاري بين الصين والولايات المتحدة مطروحاً بقوّة.

وما زال الصراع العسكري بين الكتلتين في الحرب الروسية الأوكرانية لم يحسم بعد سياسياً على الرغم من النزيف المباشر وغير المباشر الذي يعاني منه كلّ أطراف الصراع سواء المتحاربة أو الداعمة.

وما زال شكل علاقة الحلف الأطلسي بروسيا بوتين متردّداً بين المواجهة عبر الوكلاء وبين عدم الرغبة في الصدام المباشر.

الأهمّ يبقى سؤال دول الاتحاد الأوروبي حول المدى الذي يمكن تحمّل التكاليف المادية والأخلاقية والمعنوية للدعم المفتوح لمشروع اليمين الإسرائيلي العنصري المجنون.

وما زال سؤال مستقبل بايدن داخل حزبه والتوازن داخل مجلس الشيوخ والنواب مفتوحاً، خاصة عقب استطلاعات الرأي الأخيرة المقلقة حول الانخفاض غير المسبوق لشعبية الرئيس وعدم الرضا عن سياساته.

كل شيء يمسّ القضية الفلسطينية وتداعيات الأمن القومي المرتبط بها يطرح تساؤلات أكثر من تقديمه إجابات ويطرح عدم تيقّن أكثر من يقين مريح، ويطرح فراغات سياسية مخيفة أكثر من مشروعات تسويات مريحة واضحة.

إقرأ أيضاً: طهران تراقص واشنطن على أنغام ضوابط الحرب

من هنا نحذّر ونقول الآتي:

1- الخطر في المنطقة لم يبدأ بعد بل إنّ الأسوأ آتٍ وبقوّة، والسبب هو أنّه لا اتفاق محلّياً أو إقليمياً أو أيّ رعاية دولية للحلول.

2- إنّ المنطقة بحاجة ملحّة إلى “يالطا” جديدة للاتفاق على بوصلة واضحة لخارطة طريق.

3- إنّ المناخ الحالي والمقبل لمدّة عامين على الأقلّ إلى حين وضوح قواعد اللعبة الجديدة وتثبّت اللاعبين الجدد سوف يؤدّي إلى هزّات كبرى وفوضى غير مسبوقة تُغري كلّ المهووسين بالفوضى السياسية والمغامرات الشريرة بالعبث بالأمن القومي العربي.

كالعادة التاريخية يدفع العرب فاتورة أطماع غيرهم، وسوء إدارتهم لملفّاتهم وحالة الغيبوبة السياسية المخيفة!

إنّها الفاتورة التاريخية المؤجّلة لأكثر من عنوان من الفشل الكامل في إدارة الصراع بدءاً من هزيمة حرب 48 إلى الهزيمة السياسية الحالية في حرب غزّة الأخيرة.

إنّها الحقيقة المؤلمة!

لمتابعة الكاتب على تويتر:  Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…