ما بين بيروت 1982 وغزّة 2023 حكاية مدينتين محاصرتين من قبل عدوّ واحد هو الجيش الإسرائيلي.
اللواء واصف عريقات قائد سلاح المدفعية في حركة فتح خلال حصار بيروت كيف يقرأ مسار المعركة البرّية في غزّة وحصار الجيش الإسرائيلي لها؟
“ليس المهمّ أين تصل الدبّابة الإسرائيلية حينما نتحدّث عن الجيش الإسرائيلي. هناك 50 ألف جندي بين احتياطي ونظامي وهناك آلاف الدبابات وآلاف مرابض المدفعية وهناك آلاف المجنزرات. يستطيع الإسرائيلي الوصول إلى حيث يريد. ولكن هل يستطيع المحافظة على وصوله وعلى المكان الذي يصل إليه؟ وهل يستطيع الحفاظ على أرواح جنوده؟”.
ليس المهمّ أين تصل الدبّابة الإسرائيلية حينما نتحدّث عن الجيش الإسرائيلي. هناك 50 ألف جندي بين احتياطي ونظامي وهناك آلاف الدبابات وآلاف مرابض المدفعية وهناك آلاف المجنزرات
بهذه الكلمات يبدأ اللواء عريقات تقويم المعركة البرّية في غزّة في حديث خاص إلى “أساس” فيقول: “المقاومة الفلسطينية لا تقاتل كالجيوش بمعنى أنّ لها خطوطاً دفاعية ولها مواقع دفاع ثابتة تنتقل من أحدها إلى آخر ثمّ إلى خطّ دفاع ثالث. المقاومة الفلسطينية تعتمد أسلوب حرب العصابات في مجموعات صغيرة متحرّكة منتشرة على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً في قطاع غزّة، أي إنّها موجودة في كلّ مكان. تعتمد على نقاط قوّتها مقابل نقاط ضعف العدوّ. طبعاً نقاط قوّة المقاومة أكبر بكثير من نقاط قوة الإسرائيليين الذين لديهم دبّابات وآليات مجنزرة وطائرات، لكن لا يستطيع الجندي الإسرائيلي أن يقاتل بدونها، وهذه أوّل نقطة تتفوّق فيها المقاومة الفلسطينية على الجندي الإسرائيلي، ثمّ المقاتل الفلسطيني موجود الآن في المناطق السكنية، وحرب الشوارع والمناطق السكنية من أعقد الحروب في العلم العسكري، ولذلك هذه نقطة قوّة للمقاومة الفلسطينية ونقطة ضعف للإسرائيلي. حتى الآن الجيش الإسرائيلي لم يترجّل على الأرض. لم يخُض حرباً برّية بمعناها الحقيقي لأنّ الحرب البرّية ماذا تعني؟ تعني أن يترجّل الجندي الإسرائيلي على الأرض ويمسك الأرض ويسيطر عليها ويستطيع الدفاع عنها، وهذا حتى الآن غير موجود. المقاومة الفلسطينية تتصدّى له في كلّ مكان فتحرمه من أن يمسك بالأرض أو أن يسيطر على الأرض أو أن يستطيع الدفاع عنها، وبالتالي نشاهد أنّ هناك معادلة مفادها عمليات فدائية منتشرة في كلّ مكان خلف خطوط العدوّ وبين قواته”.
يضيف عريقات: “هناك استخداماً لأسلحة تدخل المعركة للمرّة الأولى مثل قاذف الياسين وطوربيد العاصف واستخدام الكورنيت أيضاً بشكل جيّد وفعّال. بالأمس شاهدنا رسالة المقاومين الفلسطينيين الذين امتطوا الدبّابة وجنودها فيها وألصقوا المتفجّرة وانفجرت الدبّابة. هذا هو القتال الآن وهذه هي صوره القتال في قطاع غزّة”.
حول ما يقوله الجيش الإسرائيلي عن حصاره لمدينة غزة يقول عريقات: “في 1982 طوّقت بيروت التي استمرّ حصارها لمدّة 88 يوماً ولم يتمكّن الجندي الإسرائيلي من عبور متر واحد في قطاع غزّة والمقاومة الفلسطينية موجودة هناك. حتى اليوم هناك أكثر من 20 قتيلاً وجريحاً من نخبة لواء غولاني الذي يفتخر به الجيش الإسرائيلي، وهناك قائد كتيبة 53، وهي من الكتائب التي يعتزّ بها الجيش الإسرائيلي، وبالتالي هذه النعوش إذا استمرّت ستحسم المعركة”.
عريقات لـ”أساس”: إذا كانت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تشكّل 50%، فأنا أقول لك أصبحت الآن 100% لأنّ كلّ المكلومين وكلّ الذين فقدوا أعزّاء لهم باتوا الآن مقاومين وقنابل موقوتة
حول نيّة الإسرائيلي الوصول إلى الأنفاق يقول: “هذه الأنفاق موجودة، لكن هل يستطيع الجندي الإسرائيلي أن يصل إليها؟ هي موزّعة في جميع أنحاء قطاع غزّة، وبالتالي ليس سهلاً على الجندي الإسرائيلي أن يصل إليها، وحتى لو وصل إليها فسيكون هناك ثمن سيدفعه، وهو ما يجري الآن على أرض الواقع، والمهمّ هو صمود حماس في هذه المواجهة، وهنا الأمر يعود إلى حجم مخزونهم وإمكانيّاتهم. ولكن كما نراقب ونحلّل فمن خطّط لعملية مثل عملية طوفان الأقصى وكان هذا الإعجاز العسكري فبالتأكيد درس كلّ الاحتمالات وكلّ ردود الأفعال الإسرائيلية، ومن هذه الردود أن يخوض الجيش الإسرائيلي حصار قطاع غزة أو اقتحامه، وبالتالي أعدّت المقاومة كلّ المستلزمات للمعيشة وللقتال وأخذوا كلّ الاحتياطات اللازمة. هكذا فعلنا في حصار بيروت وحينما خرجنا بعد الاتفاقية كان لدينا مخزون يكفي لأشهر من القتال”.
ما بين بيروت وغزّة
حول الفرق بين بيروت 1983 وبيروت 2023 يقول اللواء عريقات لـ”أساس”: “أنا كنت في حصار بيروت قائداً لمدفعية القوات المشتركة وكنت أتحمّل العبء الأكبر كما هي المدفعية في قطاع غزة الآن والصواريخ تحتاج إلى مساحة من العمل، وخاصه أنّ هناك مباني وشوارع ضيّقة في بيروت استطعنا أن نستخدمها كما يجري اليوم في غزّة. الفرق بين بيروت وقطاع غزّة أنّ في بيروت مساحة جغرافية أوسع، وصحيح أنّه كان هناك حصار برّي وبحريّ وجوّي لكن كان بالإمكان التنفّس في بيروت وكان بالإمكان التزوّد بالذخائر. بتقديري أنّ في قطاع غزّة هذا الأمر صعب وكذلك في بيروت. كان من الصعب على إسرائيل استخدام المجنزرات واستخدام الدبّابات. لماذا؟ لأنّها لم تتمكّن من تدمير أو تسطيح المباني كما تفعل في قطاع غزة الآن. سطّحت أحياء كاملة، وهذا يعني أنّ هناك مسارح للعمليات لمناورة الدبابات والمدفعية، ولذلك يحاول الجندي الإسرائيلي تجنّب القتال في قطاع غزة من خلال تسطيح المباني وتدمير البنية التحتية لتأمين تقدّم الدبابة فيتقدّم المدفع ويتقدّم الجندي الإسرائيلي محصَّناً بدبّاباته، وهذا طبعاً يُعتبر من التعقيدات أمام المقاومة الفلسطينية قياساً على بيروت”.
حول ما يمكن أن يحقّقه الإسرائيلي في غزة قال عريقات: “الإسرائيلي مهمّته مستحيلة. وزير الدفاع قال نحتاج إلى سنوات. ونحن نقول لو يفكر العدوّ الصهيوني بعقله، فهذه الضفة الغربية كم سنة لها منذ عام 2000 حتى اليوم؟ مرّت 23 سنة والجيش الإسرائيلي يدخل ويخرج من مدن الضفة الغربية، هل انتهت حركة فتح؟ هل انتهت حماس؟ هل انتهت المقاومة؟”.
إقرأ أيضاً: “حماس” ترسل إشارات متعدّدة: تفاوض أم تشدّد؟
يضيف: “إذا كانت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تشكّل 50%، فأنا أقول لك أصبحت الآن 100% لأنّ كلّ المكلومين وكلّ الذين فقدوا أعزّاء لهم باتوا الآن مقاومين وقنابل موقوتة. الإسرائيلي يفكّر بعقلية الماضي وما قبل السابع من أكتوبر، والحقيقة ليست هكذا. قتل الأطفال والنساء والشيوخ ليس انتصاراً حقيقياً. الانتصار الحقيقي أن تواجه المقاتل الفلسطيني في الميدان، ويكون الميدان هو الحكَم بينك وبين المقاومة الفلسطينية، وأمّا غير ذلك فأعتقد أنّه هراء ونتانياهو قاب قوسين أو أدنى من الذهاب إلى القبر أو إلى السجن”.