ألف سلامة للبنان


ما هي صورة الوضع في اليوم الحادي والعشرين من الحرب؟

وهل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الذي أنجزت فيه حماس أكبر عملية اختراق للحصون الإسرائيلية ذكّرت بالاختراق المصري لخط بارليف الحصين، الذي وُصف في حينه، العام 1973، بأنّه الأقوى من جميع الخطوط الدفاعية التي بُنيت في كلّ الحروب؟

بعد ساعات من إنجاز العملية الكبرى، توجّهت الأنظار إلى معسكر الممانعة، وإلى .تبيان مدى جديّة نظرية “وحدة الساحات” المنبثقة عنه. ذلك أنّ عملية بهذا الحجم وبهذا القدر من إلحاق الأذى المادّي والمعنوي بإسرائيل، لا بدّ أن تجرّ ردّاً انتقامياً، لا تقدر جبهة حماس والجهاد الإسلامي وغزّة وحدها على النهوض بأعبائه. خصوصاً بعدما دخلت أميركا على الخطّ، وظهرت دعوات إلى تنظيم تحالف دولي لمحاربة حماس، التي ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقبله الرئيس الأميركي جو بايدن حدّ وصفها بـ”داعش”.

في هذه الحروب التي تبتعد إمكانية أن تتحوّل إلى إقليمية، نرى هرماً ضخماً يقف على رأسه، ورأس الهرم المقلوب هو غزّة، التي انقسمت ملايينها إلى قسمين، قسم قضى نحبه، وقسم ينتظر.

يبدو أنّ خللاً في التقدير وقعت فيه قوى الممانعة ووحدة ساحاتها، وهو ما جعل حماس والجهاد تناشدان الحلفاء التدخّل من اليوم الأول وألقى شكوكاً مبكرة على أنّ “طوفان الأقصى” جسّد بداية حرب متّفق على فصولها بين شركاء الساحات، فإذا بغزّة تبقى وحدها حتى اليوم الحادي والعشرين، وإذا بحماس والجهاد تنفردان بخوض معركة ربّما تفضي إلى تدمير غزّة على رؤوس من فيها.

الفلسطينيون واللبنانيون والعرب والعالم كلّه عرفوا منذ “طوفان الأقصى” والسيوف الحديدية أنّ القضية الفلسطينية أضحت عصيّة على التصفية، وأنّ قيام دولتها أضحى الممرّ الوحيد لتفادي حروب أشرس وأوسع وأفدح

أوكرانيا – غزّة.. وحاملات الطائرات

لم تتحرّك حاملات الطائرات الأميركية من أماكنها حتى في حرب أوكرانيا، والخبراء العسكريون الأميركيون حضروا إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية ليس من أجل حسم المعركة مع غزّة، بل تخوّفاً من اتّساع مساحتها لتشمل كلّ الشرق الأوسط. ولكي لا تفاجَأ أميركا وإسرائيل ومن معهما، رسمت القوات العسكرية الأميركية صورة استباقية لما ستفعل لو وسّع الحزب وإيران ساحتها، وأوّل ما جرى التهديد به أن تكون بيروت هي غزّة الثانية.

 لا أحد يرغب في رؤية بيروت على صورة غزّة المدمّرة، ولا حتى أقلّ من ذلك بكثير. فبيروت قدّمت ما عليها وأكثر في الحروب الطويلة الأمد من أجل فلسطين. فضلاً عن أنّ الدمار مهما  ضاق أو اتّسع خارج نطاق الحرب على غزّة، فلن يغيّر شيئاً من المسار التدميري الذي لا يعرف أحد أين ومتى يتوقّف، ونحن على أبواب تدخّل عسكري إسرائيلي برّي، إن تمّ وإن لم يتمّ، ستظلّ غزّة تحت النار والضفة الغربية تحت التطويق والمداهمات والحصار.

حماس والجهاد وأهل غزّة لم يقصّروا في الصمود أمام أطول وأفظع حرب دامت أكثر من خمس عشرة سنة، مرّات بالنار ودائماً بالحصار.

دُمّرت بيوتهم سبع مرّات ومعظمها لم يُعَد إعماره منذ أوّل يوم حرب. وشربوا ماءً ممزوجاً بالملح، وفي كلّ جولة كان شهداؤهم وجرحاهم يُعدّون بالآلاف. وعلى الرغم من ذلك لم يطلبوا من أمّتهم أكثر ممّا تستطيع تقديمه لهم من دعم وإسناد، وتزويدهم به من مقوّمات الصمود. لم يطلبوا جيوشاً تخفّ لفكّ الحصار عنهم، ولم ولن يقبلوا أن تدمّر قرية أو مدينة أو حارة لبنانية من أجلهم، وما حدث في السابع من أكتوبر كان انفجاراً لمرجل يغلي منذ سنوات طويلة، ولقد صدق العظيم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حين ربط ما حدث بخلفيّاته ودوافعه الإسرائيلية، وأكمل موقفه بجملة سيظلّ التاريخ يذكرها قال فيها إنّه لا مبرّر لقتل آلاف الأطفال وخنق ذويهم حتى الموت بحرمانهم من الماء والدواء والمأوى.

إقرأ أيضاً: قال غوتيريش كلمته… ولن تُمحى

ماذا عن لبنان؟

ليسلم لبنان حبيب الفلسطينيين، وليسلم كلّ مواطن فيه، وكلّ بيت من بيوته، من مينائه إلى مطاره إلى كلّ مخيّم فيه.

يفكّر العالم الظالم والمتراخي وصاحب المعايير الإنسانية الانتقائية التي يستثنى منها الفلسطينيون، في إقامة مدن خيام في جنوب غزّة، والشتاء واقف خلف الباب، ولا أحد في داخله ضمير حيّ يحبّ أن يرى مدن خيام في أيّ بلد عربي، لكنّ التهجير ما يزال على الأجندة في إسرائيل، جنوباً حيث سيناء، وشرقاً حيث الأردن، وتوطين اللاجئين في كلّ مكان ممكن.

الفلسطينيون واللبنانيون والعرب والعالم كلّه عرفوا منذ “طوفان الأقصى” والسيوف الحديدية أنّ القضية الفلسطينية أضحت عصيّة على التصفية، وأنّ قيام دولتها أضحى الممرّ الوحيد لتفادي حروب أشرس وأوسع وأفدح. وبهمّة الشعوب التي انتفضت في كلّ مكان دفاعاً عن غزّة وفلسطين، لا بدّ أن ينتهي أفظع وأطول احتلال في القرنين العشرين والحادي والعشرين من دون دمار جديد ومخيّمات إضافية.

وألف سلامة للبنان..

مواضيع ذات صلة

لبنان ضحيّة المفهوم الخاطئ للانتصار!

يُخشى تحوّل لبنان ضحيّة أخرى للمفهوم الخاطئ للانتصار، وهو مفهوم رائج لدى قسم كبير من الأنظمة السياسية في المنطقة. ليس مفهوماً إلى الآن كيف يمكن…

“علوّ اليهود في الأرض”.. كيف نواجهه؟

“إعصار البايجر” هو النقطة الفاصلة في هذه الحرب، الإسنادية في شكلها، الاستنزافية في جوهرها. هو ليس تفصيلاً بسيطاً، بل رأس الجبل من تجويف خطير لخطاب…

بزشكيان ابن مهاباد يفعّل كرديّته في العراق !

لا تطلب إيران المساعدة من أحد لمعالجة مشاكلها الداخلية والخارجية، لكنّها لا تتردّد في فرض خدماتها على الآخرين في الإقليم.   قرار الرئيس الإيراني مسعود…

نكسة لبنان الرقمية

هل يمكن، بالمعنى العسكري، إلحاق الهزيمة بإسرائيل، من طرف “حزب الله”، أو حتى الأم الراعية، إيران، ناهيك، حتى لا ندخل في دائرة المزح، من طرف…