وسط الدمار الذي تتسبّب به إسرائيل والوحشيّة التي تمارسها ردّاً على الحرب التي شنّتها عليها “حماس” يوم 7 تشرين الأول، يتردّد هذه الأيام كلام كثير عن عودة خيار الدولتين، الدولة الفلسطينية المستقلّة القائمة إلى جانب دولة إسرائيل. يتردّد هذا الكلام في سياق إيجاد مخرج سياسي نتيجة حرب غزّة التي ليس معروفاً كيف ستنتهي باستثناء أنّ هناك قراراً دولياً بالقضاء على “حماس” من جهة، والانتهاء من هيمنة بنيامين نتانياهو، مع مجموعة من الوزراء المتطرّفين، على القرار الإسرائيلي من جهة أخرى.
بات خيار الدولتين مطروحاً بقوّة على الرغم من أنّ الستار لم يسدل بعد على الحرب الدائرة التي غيّرت الخريطة السياسيّة للشرق الأوسط تمهيداً لتغيير خريطته الجغرافيّة.
تدلّ العودة إلى إحياء خيار الدولتين على أن لا مجال لتصفية القضيّة الفلسطينية بعدما راهن اليمين الإسرائيلي طويلاً على تكريس الانقسام الفلسطيني. لا مجال للقضاء على الشعب الفلسطيني بغضّ النظر عمّا سيحلّ بقطاع غزّة وأهله الذين أخذتهم “حماس” ومن يقف خلفها إلى حرب طويلة مع وحش إسرائيلي، حرب ذات وجوه متعدّدة.
لم تعد العلاقة بين “حماس” و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران سرّاً من الأسرار أو لغزاً من الألغاز. بات لـ”حماس” عنوان. هذا العنوان هو طهران
“الإخوان المسلمون” يتاجرون بدماء غزّة
من هذه الوجوه المتعدّدة لحرب غزّة استغلال جهات معادية لدماء الفلسطينيين الأبرياء من شيوخ وأطفال ونساء من أجل شنّ حملات على دول عربيّة معيّنة اتّسمت تصرّفاتها دائماً بمقدار كبير من العقلانية والموضوعيّة والواقعيّة في آن. سعت هذه الدول العربيّة في كلّ وقت إلى دعم القضيّة الفلسطينية ودعم خيار الدولتين على وجه التحديد. هذه دول عملت دائماً من أجل فلسطين والفلسطينيين ولم تتاجر بقضيّتهم كما فعل النظام السوري، المدعوم من إيران، الذي هجّر فلسطينيّي مخيّم اليرموك القريب من دمشق عندما تطلّبت مصلحته ذلك.
المؤسف أنّ حرب غزّة التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني توفّر فرصة لشنّ حملات على دول مثل الأردن والإمارات العربيّة المتحدة بهدف واضح. يتمثّل هذا الهدف في عرقلة أيّ توجّه لإيجاد مخرج سياسي يصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني وتطلّعاته المشروعة التي يختزلها المشروع الوطني الفلسطيني الذي سعى ياسر عرفات إلى تحقيقه قبل توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 وبعد توقيع الاتفاق.
مخيف هذا المشهد الشرق أوسطي والخليجي الذي يشهد محاولة للخلط بين الحقّ والباطل. من بين ما هو باطل، الحملات التي يشنّها الإخوان المسلمون، الذين تنتمي إليهم “حماس”، عبر وسائل إعلامية معيّنة من أجل الإيحاء بأنّ سلاح الجوّ الإماراتي شارك سلاح الجوّ الإسرائيلي في توجيه ضربات إلى غزّة. كلّ ما في الأمر أنّ هناك تضليلاً ليس بعده تضليل يستهدف الإساءة إلى دولة الإمارات التي أقامت علاقات مع إسرائيل، مع توقيع الاتفاق الإبراهيمي في عام 2020. تبيّن بكلّ وضوح مدى النفاق الذي تمارسه قناة تلفزيونية فرنسيّة عرضت شريطاً يعود إلى آذار من عام 2017 لمناورات في الأجواء اليونانية شاركت فيها طائرات من عشرين دولة، بينها اليونان والولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل. خلطت بين الشريط القديم وما يحدث في غزّة الآن.
بات خيار الدولتين مطروحاً بقوّة على الرغم من أنّ الستار لم يسدل بعد على الحرب الدائرة التي غيّرت الخريطة السياسيّة للشرق الأوسط تمهيداً لتغيير خريطته الجغرافيّة
حملة على الإمارات والأردن
لا تقتصر الحملة التي تستهدف الإمارات على الشريط الذي يعود إلى عام 2017 وتصويره على أنّه من عام 2023. توجد خطة إعلامية واضحة، وراءها جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع طهران، لتشويه صورة كلّ دولة عربيّة ساهمت تاريخياً في دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في استرجاع حقوقه بعيداً عن الشعارات الطنّانة التي لا تطعم خبزاً.
ما ينطبق على الإمارات، ينطبق أيضاً على الأردن، حيث لم يتوقّف الملك عبدالله الثاني عن المناداة بضرورة قيام دولة فلسطينيّة. من يتذكّر الخطاب المشهور للعاهل الأردني أمام مجلسَي الكونغرس في السابع من آذار من عام 2007 والذي ركّز فيه على ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلّة مذكّراً الإدارة الأميركية وقتذاك بأنّ السلام والاستقرار الإقليميَّين يتطلّبان ذلك.
يُكافأ الأردن حالياً على موقفه الصلب في مواجهة العقاب الجماعي الإسرائيلي للشعب الفلسطيني عن طريق حملة تشنّها عليه إيران عبر العراق. ليس سرّاً أنّ ميليشيات عراقية تابعة لـ”الحرس الثوري” وراء محاولة عرقلة تزويد الأردن بالنفط العراقي بأسعار مدعومة. أفاقت هذه الميليشيات التي وصلت إلى الحكم في العراق على ظهر دبّابة أميركيّة على أنّ المملكة الهاشمية مرتبطة باتفاق سلام مع إسرائيل. ما هذه المفارقة المتمثّلة في استهداف الإمارات والأردن ودول عربيّة أخرى، تنتشر فيها ميليشيات مذهبيّة عراقيّة تدّعي محاربة “الشيطان الأكبر” الأميركي وتتناسى في الوقت ذاته أنّه وراء تسليم العراق إلى إيران، كما أنّه وراء وجودها في صلب السلطة في العراق؟
إقرأ أيضاً: غولدا مئير تفضح بايدن وتمتحن الحزب
بعد إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من نيويورك التي جاء إليها للمشاركة في النقاشات الدائرة في مجلس الأمن، لم تعد من حاجة إلى طرح أسئلة من أيّ نوع. قال عبد اللهيان بالحرف الواحد إنّ “حماس مستعدّة لإطلاق جميع الرهائن في مقابل إطلاق ستّة آلاف أسير فلسطيني”.
لم تعد العلاقة بين “حماس” و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران سرّاً من الأسرار أو لغزاً من الألغاز. بات لـ”حماس” عنوان. هذا العنوان هو طهران.