يستأنف الكنيست الإسرائيلي أعماله بعقد الدورة الشتوية في منتصف تشرين الأول المقبل، وتبدو الأجندة ومشاريع القوانين عديدة، وساخنة، وستلعب دوراً مهمّاً في تحديد مصير الائتلاف الحكومي.
إذ يسيطر في الوقت الراهن على الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل ملفّان تدور حولهما النقاشات في الصالونات السياسية، قبيل التئام الكنيست، أوّلهما خطة الإصلاح القضائي المعروفة التي بدأ الائتلاف الحاكم بتمريرها ويبدو أنّه عازم على استكمالها، وقانون التجنيد الذي تبدو أحزاب الحريديم مصرّة على تمريره، ملوّحة بتهديد نتانياهو في حال لم يحدث ذلك.
ما هو واضح حتى الآن أنّ جميع محاولات الوساطة بين نتانياهو والمعارضة بشأن إنجاز تسوية سياسية حول خطة الإصلاح القضائي قد باءت بالفشل، والرأي السائد والمتّفق عليه داخل الائتلاف الحاكم هو المضيّ قدماً في تمرير المخطّط وإقراره في الدورة المقبلة للكنيست مهما مورست ضغوطات سياسية داخلية أو خارجية أو جرت وساطات لإيجاد صيغة توافقية مع المعارضة، ولإنجاز ذلك باشر أعضاء من أحزاب الائتلاف عقد اجتماعات داخلية بينهم منذ الآن لترتيب تفاهمات فيما بينهم.
المواجهة في الكنيست
ستكون دورة الكنيست المقبلة حاسمة إلى حدّ كبير، فأحزاب الائتلاف الحاكم تعتقد أنّ الفرصة مؤاتية لحصد مطالبها التي اشترطتها على بنيامين نتانياهو خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، ولا ترغب بتأجيلها أو تخفيف بنودها، خاصة في ظلّ اعتقادها أنّها الطرف الأقوى، بينما نتانياهو يراهن على مكره وخداعه ومهارته في اللعب على الحبال في محاولة لعدم التصعيد مع المعارضة الإسرائيلية من جهة، وعدم خسارة أركان تحالفه، لكنّ ذلك قد لا ينجح، خاصة في حالة الضعف التي يبدو عليها.
اتّضحت الأسبوع الماضي التحدّيات التي قد تواجه نتانياهو خلال الفترة المقبلة، وأطلق تصريحات ضدّ معارضيه وحلفائه، واضطرّ لاحقاً حزب الليكود الذي يرأسه ومكتبه إلى إصدار توضيحين بشأنهما. أوّلهما كان خلال اجتماعه مع الملياردير الأميركي إيلون ماسك حيث أكّد أنّه يسعى إلى الوصول لاتفاق مع المعارضة، واتّهم وزير القضاء حليفه ياريف ليفين بإعداد خطة إصلاح متطرّفة وصفها نتانياهو بـ”السيّئة”، قبل أن يزعم نجاحه لاحقاً في تعديلها في تصريحات اعتُبرت انقلاباً من نتانياهو على وزير قضائه.
اتّضحت الأسبوع الماضي التحدّيات التي قد تواجه نتانياهو خلال الفترة المقبلة، وأطلق تصريحات ضدّ معارضيه وحلفائه، واضطرّ لاحقاً حزب الليكود الذي يرأسه ومكتبه إلى إصدار توضيحين بشأنهما
بدا نتانياهو في تصريحه وتحميله وزير القضاء المسؤولية عن خطة الإصلاح القضائي المثيرة للخلاف والجدل، أنّه يوجّه رسائل للمجتمع الدولي، وتحديداً الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل لقائه مساء الأربعاء، الذي شمل نقاشاً حول الخطة التي أعربت واشنطن عن معارضتها ورفضها لها، وحاول نتانياهو عدم وضع نفسه في خانة معسكر اليمين المتطرّف، بقيادة الوزيرين اليمينيين المتطرّفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
تخوين المعارضة الإسرائيلية
التصريح الآخر، الذي اضطرّ مكتب نتانياهو إلى توضيحه، هو هجومه على المعارضة الإسرائيلية التي ترفض خطة الإصلاح القضائي وتنظّم تظاهرات أسبوعية ضدّ حكومته كانت آخرتها قبيل سفره إلى نيويورك. وقد اتهم المعارضين بأنّهم يقفون إلى جانب السلطة الفلسطينية وإيران وأعداء إسرائيل.
حظي هجوم نتانياهو على المتظاهرين بدعم من حلفائه، خاصة أنّ التظاهرات المناوئة له كانت في استقباله عند وصوله للأمم المتحدة، قبيل اجتماعه مع بايدن. فقد شنّ سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، غلعاد إردان، هجوماً على المتظاهرين، وعبّر عن “أسفه لتظاهر الإسرائيليين أمام الأمم المتحدة فيما يمكنهم الاحتجاج بحرّية في أيّ مكان في دولة إسرائيل”، واعتبر ذلك مسيئاً للدبلوماسية الإسرائيلية.
أمّا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، فقد اعتبر المتظاهرين “ناشطين في حركة المقاطعة (BDS) يلحقون الضرر بإسرائيل، والدعم الذي يتلقّونه من غانتس ولابيد يثبت أنّهم أيضاً تجاوزوا جميع الخطوط الحمر وأصبحوا معارضين للدولة، عار عليكم”.
في الجهة المقابلة، استنكر رئيس حزب “المعسكر الوطني”، بيني غانتس، تصريحات نتانياهو، واعتبر أنّ المتظاهرين هم أشخاص “وطنيون ومحبّون للوطن”، مشيراً إلى أنّ “ألف خطاب حماسي في الأمم المتحدة لن يصلح الضرر الهائل الذي يلحقه سلوك نتانياهو بالمجتمع الإسرائيلي”، بينما قال زعيم المعارضة، يائير لبيد، في منشور على حسابه على منصة “إكس”، إنّه “لا يوجد شخص دمّر صورتنا في العالم أكثر من نتانياهو في الأشهر الأخيرة. لا يوجد شيء يساعد الإيرانيين أكثر من الانقلاب الذي تقوده حكومته. إنّ اتّهاماته للمحتجّين الوطنيين هي دليل آخر على الخلل الخطير في حكمه وقراءته للواقع”، بينما قال قادة الحركة الاحتجاجية المناهضة لمخطّط “الإصلاح القضائي” الحكومي، إنّ نتانياهو “يجرّ إسرائيل إلى حالة بولندا والمجر وتركيا وإيران، الأنظمة الديكتاتورية الظلامية. لقد دمّر نتانياهو صورة إسرائيل في العالم، والشيء الوحيد الذي ما يزال ينقذ هذه الصورة هو المتظاهرون الذين يحافظون على قيم إسرائيل الديمقراطية”.
حظي هجوم نتانياهو على المتظاهرين بدعم من حلفائه، خاصة أنّ التظاهرات المناوئة له كانت في استقباله عند وصوله للأمم المتحدة، قبيل اجتماعه مع بايدن
اختبار عسير للمؤسسة العسكرية
لن تقتصر التحدّيات أمام نتانياهو مع عودة الكنيست للعمل، على ازدياد زخم تظاهرات المعارضة في مختلف المدن، بل الأخطر هو ما سيترتّب على المضيّ في خطة الإصلاح القضائي من تداعيات خاصة على المؤسّسة الأمنية.
تبدو المؤسّسة العسكرية كما الحكومة أمام اختبار عسير يمثّله “قانون التجنيد” الرامي إلى إعفاء المتديّنين اليهود (الحريديم) من الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال والذي تهدّد الأحزاب الدينية المطالبة به بالانسحاب من الحكومة في حال عدم تمريره، وقال رئيس حزب “يهدوت هتوراة” مهدّداً نتانياهو قبل أيام: “بدون قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، لن نكون في الحكومة، وستنهار”، بينما قال وزير الإسكان الإسرائيلي إسحاق غولدكنوبف: “إذا لم يتمّ تمرير مشروع “قانون التجنيد” فإنّ الحكومة ستسقط”.
تعارض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قانون التجنيد، وتعتبره مضرّاً بها وبعقيدة الجيش الذي يطلق عليه “جيش الشعب”، وتبدو المخاوف منطقية من أن يلحق تمرير القانون ضرراً كبيراً به، وسيزيد من أعداد رافضي الخدمة، وسيخلق تمييزاً في الجيش والمجتمع الإسرائيليَّين.
يرفض معظم الحريديم الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتطالب الأحزاب السياسية التي تمثّلهم ومرجعياتهم الدينية بالمساواة بين تعلّم التوراة والخدمة العسكرية، ولذلك يسعون في الدورة الشتوية للكنيست إلى سنّ قانون يكون محميّاً بحيث لا يمكن للمحكمة العليا إلغاؤه.
يمثّل هذا القانون التحدّي الأبرز لحكومة نتانياهو، فهو ملزم بتنفيذه لأنّه جزء من إطار الاتفاقيات الائتلافية التي أبرمها نتانياهو لتشكيل الحكومة، وهو يدرك أنّ عدم الإيفاء به قد ينسف حكومته، لكنّه في الجانب الآخر وفي ظلّ معارضة المؤسّسة العسكرية له، يخشى أن يُوسّع ظاهرة رفض الخدمة لدى جنود الاحتياط ووصولها إلى جنود الجيش النظامي أيضاً.
ما يعقّد المهمّة أمام نتانياهو أنّ أحزاب الحريديم رفضت إجراء أيّ تعديلات على صيغة القانون التي جرى التوافق عليها، وتتمسّك بتضمينه “فقرة التغلّب” لمنع المحكمة العليا من التدخّل فيه وإلغائه.
إقرأ أيضاً: حكومة نتنياهو تترنّح… اليمين المتطرف “يشحذ” السكاكين ضدّه
يدرك نتانياهو أنّه سيكون في ورطة في حال الموافقة على تمرير قانون التجنيد وسُيتّهم بالمساهمة في تفكيك الجيش الإسرائيلي، وستصبّ عليه الاتهامات في هذا الجانب، وسيكون لها أثرها الواضح على استقرار الحكومة ومدى فعّالية الجيش.
بدأت الضغوطات على نتانياهو منذ الآن، ومنها استجلاب الضغط الدولي في خلال زيارته لنيويورك. كتب العشرات من المسؤولين الأمنيين السابقين رسالة لاذعة إلى أعضاء لجنة الشؤون الخارجية وأعضاء اللجنة العسكرية والاستخباراتية في مجلس الشيوخ الأميركي يقولون فيها إنّ “التحرّكات التي يروّج لها نتانياهو تهدف إلى الإضرار بالنظام القضائي بما يؤدّي إلى إلغاء استقلاله وإخضاعه له ولرفاقه السياسيين”، ومنهم وزير الجيش ورئيس الأركان السابق موشيه يعالون، ورئيس الشاباك السابق كرمي غيلون، ورؤساء الموساد السابقون تامير باردو وداني ياتوم وأفرايم هاليفي، ورئيس الأركان وقائد سلاح الجوّ السابق دان حالوتس، ورئيس الوزراء السابق إيهود باراك.
لفت الموقّعون إلى آلاف الضبّاط والقادة في خدمة الاحتياط من وحدات النخبة، بما في ذلك مئات من طيّاري سلاح الجوّ، الذين أعلنوا أو قد يعلنون إنهاء خدمتهم، الأمر الذي يعدّ خطراً أمنيّاً? يهدّد كيان الدولة.
*كاتب فلسطيني