عام على السوداني: العراق.. تفكيك وإعادة تركيب

مدة القراءة 5 د


خطيئة المكوّنات العراقية القومية والمذهبية والدينية، أنّها صدّقت الوعود الجميلة بالتغيير وإمكانية أن يكون الوطن بالفعل عراقياً خلال وبعد رحيل الاحتلال.

لكنّ حال العراق كأحوال أوطان آخرين في المنطقة تحوّلت بلادهم إلى ساحة نفوذ وصراع إرادات عربية وغير عربية متاخمة أو وافدة من وراء البحار، وفي الأغلب الأعمّ لا تتكلّم أو تجيد العربية، وإن أجادتها فلإيصال الرسائل التي تريدها وتخدم مصالحها.

حكومة المصالح الخارجية

بعد مرور سنة إلا شهراً (27/10/2022) على تشكيل الحكومة الحالية بقيادة الرئيس محمد شياع السوداني، التي لم تأتِ أو ترَ النور إلا بعدما استنفدت القوى والأحزاب والتكتّلات كلّ طاقاتها في تهشيم بعضها البعض الآخر وتغليب طرف على طرف آخر. فضلاً عن أنّ هذه الصراعات بين القوى الداخلية صبّت في سياق مصالح القوى والأطراف الإقليمية والدولية التي تخوض معركة مصالح وتتصارع على الساحة العراقية وتحديداً بين الفاعلَين المؤثّرين الأساسيَّين الأميركي والإيراني، حتى لو كان تحت سقف متّفق عليه لا يخلّ بقواعد الاشتباك بين هذه القوى، ومن دون أن تهمل هذه الأطراف العراقية بعض استقطاباتها العربية والتركية التي بقي دورها غير محوري في لعبة تقاسم النفوذ.

خطيئة المكوّنات العراقية القومية والمذهبية والدينية، أنّها صدّقت الوعود الجميلة بالتغيير وإمكانية أن يكون الوطن بالفعل عراقياً خلال وبعد رحيل الاحتلال

والواقع الأشدّ حضوراً هو حالة الشدّ والتجاذب الحادّة بين اللاعبين الأساسيَّين والمؤثّرين الأبرزَين في هذا المشهد، الأميركي والإيراني، والصراع المستمرّ بينهما وسعي كلّ طرف منهما إلى زيادة حصّته من النفوذ. وهو صراع يقع خارج محاولة الاستحواذ على الحكومة وعملها.

الجديد أنّ قواعد الاشتباك المسيطرة بين الطرفين حالياً لم تعد تدور حول جهود كلّ منهما للسيطرة على الحكومة وضمان ولائها له. بل تجاوزتها إلى بناء منظومة مصالح تُلزم السلطة العراقية مهما كانت طبيعتها بتنفيذها والالتزام بها. وترك في الوقت نفسه لهذه الحكومة هامشاً واسعاً لتعزيز موقعها داخلياً من خلال الالتزام بالوعود التي جاءت في برنامجها الحكومي من مشاريع بنى تحتية وتنموية ومكافحة الفساد، بالإضافة إلى إسناد أدوار إقليمية ودولية لهذه الحكومة بحيث تساعد على تعزيز موقعها على الخريطة الدولية والإقليمية عبر الوساطات المدروسة والمحدّدة التي لعبتها وتلعبها في تقريب وجهات النظر بين الأميركي والإيراني من جهة، وبين الإيراني والجوار العربي من جهة أخرى.

أيضاً نحن على بعد سنتين إلا أياماً على الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10/10/2021، والتي شارك فيها الشعب العراقي بعد مرحلة من أكثر مراحل تجربته تعقيداً نتيجة الحراك الاعتراضي الذي انطلق في الفاتح من تشرين الأوّل عام 2019، بعد تراكم طويل للفساد والمحاصصة والتقاسم بين الأحزاب والقوى السياسية من كلّ المكوّنات. لكنّ هذه الأحزاب لم تتردّد في مصادرة حقوق هذه المكوّنات لضمان مصالحها الخاصة ومصالح جماعاتها إلى حدّ ما. بعدما كان رهان الشعب على إجراء انتخابات توصل وجوهاً جديدة عبر عملية ديمقراطية تخرجه من حالة اللاتوازن واللااستقرار والانهيار الأمني وحالة السلاح المتفلّت، إلى حال تسمح له بالحلم والوقوف على أعتاب وطن ودولة مرتجاة.

عجز القيادات السياسية عن “الاستقلال”

لم يكن الشعب العراقي ولا قياداته المنتخبة أو الطبقة السياسية الوليدة بعد الاحتلال الأميركي عاجزين عن إنتاج آليّات التفاهم الداخلي والتحاور والمساومة وصولاً إلى إرساء شراكة حقيقية بين مخرجات العملية الديمقراطية التي أنتجت تكتّلات وتحالفات سياسية.

هذه القيادات، سواء تلك الآتية إلى السلطة والحياة السياسية من خلفية إسلامية عقائدية، أو تلك الآتية من خلفية قومية عروبية، أظهرت مستوىً عالٍ من البراغماتية والقدرة على تدوير الزوايا الفكرية والعقائدية حول السلطة وآليات الحكم، وتكييف الموقف الأيديولوجي من الآخر – المحلّي أو الوطني المختلف في الرؤية الفكرية، وأيضاً الآخر المختلف في العقيدة، وصولاً إلى تفهّم حاجات وحساسيات المحتلّ وأهدافه القريبة والبعيدة في العراق والمنطقة.

إقرأ أيضاً: العراق وإيران… ترحيل مصادر الخطر الكرديّ

لكنّ هذه القيادات عجزت عن حفر حيّز لاستقلاليّتها وعن إثبات قدرتها على امتلاك ناصية القرار العراقي المستقلّ في العراق الجديد أو حتى الانسجام مع براغماتيتها المستجدّة. إذ تحوّل المشهد السياسي المسيطر على الساحة العراقية، أمام انغماس القيادات العراقية في الاستقطابات الإقليمية والدولية التي جاءت في الأغلب الأعمّ على حساب الداخل والمصالح الوطنية. الأمر الذي طرح تساؤلاً عن قدرة هذه القيادات على إنتاج التجربة التي كانت تطمح إليها وتتحدّث عنها مع بدايات التغيير وتسلّمها لمقاليد الأمور في العراق الجديد. خاصة في أزمة الحكم التي نشأت بعد الانتخابات البرلمانية وعجزها عن تقديم مشهد حواري هدفه تدوير الزوايا الحادّة للخلافات من أجل الوصول إلى صيغة أو معادلة تنهي الأزمة بفعل ذاتي داخلي بعيداً عن التأثيرات والمؤثّرات الإقليمية والدولية؟

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…