وُلد في فلسطين، وتخرّج ضابطاً في الأردن، وأصبح مارشالاً في بيروت، وتعرّض لكمين مسلّح في البقاع واستُشهد في دمشق. هل أبلغ من هذه الجملة في اختصار سيرة “أبي الوليد” سعد صايل ومسيرته؟ نعم، ثمّة جملة لا تقلّ بلاغةً عنها، قالها أبو الوليد، وردّدها خلفه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية: “نموت ليعيش شعبنا وتحيا فلسطين”.
هو رابع ثلاثة لا تُذكر القضية الفلسطينية دون أن تُذكر أسماؤهم، وواحد من أبرز العسكريين والمناضلين الفلسطينيين في تاريخ الثورة الفلسطينية. جاهد كثيراً لحماية الفلسطينيين أنّى وُجدوا، وناضل حتى الرمق الأخير من أجل استقلالية القرار الفلسطيني والنأي به عن تدخّلات المتدخّلين.
تدرّج سعد صايل في رتبه العسكرية، وأُسندت إليه قيادة لواء الحسين بن علي/مشاة المرابِط في كفرنجة والأغوار، وهو برتبة عقيد ركن، وبرز في الجيش الأردني في أعقاب احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967
عسكريّ أكاديميّ
في قرية كفر قليل في جنوب مدينة نابلس، وُلد سعد صايل في 30 أيلول 1932، ودرس في مدارس نابلس حيث حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1950، ثمّ التحق بالكلية العسكرية الأردنية عام 1951، حيث تخصّص في الهندسة العسكرية.
التحق بالعديد من الدورات العسكرية المتعلّقة بجوانب متعدّدة، من بينها: الدفاع الجوّي، وتصميم الجسور وتصنيفها، وهذه أبرزها:
– دورة في الهندسة العسكرية في كلّية سانت هرتز للعلوم العسكرية في بريطانيا في 1954.
– دورة في الدفاع الجوّي في مصر في 1956.
– دورة تصميم الجسور وتصنيفها في العراق في 1958.
– دورة هندسة عسكرية متطوّرة في كلّية سانت هرتز للعلوم العسكرية ببريطانيا في 1959.
– دورة هندسة عسكرية متقدّمة في كلّية وست بوينت في الولايات المتحدة الأميركية في 1960.
– دورة عسكرية في كلّية القيادة والأركان العامّة في كلية وست بوينت في الولايات المتحدة الأميركية في 1966.
تدرّج سعد صايل في رتبه العسكرية، وأُسندت إليه قيادة لواء الحسين بن علي/مشاة المرابِط في كفرنجة والأغوار، وهو برتبة عقيد ركن، وبرز في الجيش الأردني في أعقاب احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967.
في معركة الكرامة التي وقعت في 12 آذار عام 1968، صال أبو الوليد وجال، وتولّى مهمّة التنسيق بين الثوار الفلسطينيين والجيش الأردني.
مارشال بيروت
عام 1971، انتقل أبو الوليد إلى لبنان، مناضلاً في صفوف الثورة الفلسطينية، حيث أعاد بناء الأجهزة العسكرية للثورة، وتدريب القوات الفلسطينية، نظراً إلى خبرته العسكرية. فبعد الخروج من الأردن، التحق أبو الوليد ومعه أفراد وضباط اللواء الذي كان تحت إمرته، بالثورة الفلسطينية لمواجهة مخطّط تصفية وجودها. أُسندت إليه مهامّ عسكرية بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن عامَي 1970 و1971، فشرع في إعادة تنظيم وتشكيل مجموعات جنود وضباط الجيش الأردني الذين التحقوا بالثورة، وشكَّل منهم قوةً عسكريةً مقاتلةً سُمّيت “لواء اليرموك” ولعبت دوراً بارزاً في تثبيت نضال الثورة الفلسطينية من لبنان وفي الدفاع عن المخيّمات في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة آنذاك، وقاد إعادة تنظيم قوات الثورة في لبنان وتأهيلها، وأدخل عليها التشكيلات والرُتب النظامية، ونظّمها خير تنظيم حتى صار يُحسب لها ألف حساب.
الاستشهاد قدر الفلسطيني. يضع محمود درويش، شاعر القضية الفلسطينية، الفلسطيني أمام خيارات ثلاثة في إحدى قصائده. يقول: “… فلأكن ما تريد لي الخيل في الغزوات: فإمّا أميراً وإمّا أسيراً وإمّا الردى”
في السياسة كما في العسكر
إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، صمدت بيروت ثلاثة أشهر كاملة، وهو صمود أسطوري دفع الملك حسين بن طلال إلى مخاطبة ياسر عرفات “أبي عمّار”، في قمَّة فاس، وأمام الملوك والرؤساء العرب، قائلاً: “إنّ صمودكم وأداءكم الرائع في بيروت ارتبطا بجنرال يفخر الجيش الأردني أنّه كان من بين قادته، إنّه الجنرال الكفء سعد صايل”.
إذا كان أبو الوليد قد لمع عسكرياً في معركة الكرامة في الأردن وفي معارك عديدة في لبنان، وهندس صمود بيروت الأسطوري عام 1982، فقد لمع وتميّز أكثر في السياسة. ففي أثناء حصار بيروت، برز مفاوضاً لا يُستهان به، وقاد مفاوضات الخروج الفلسطيني من بيروت في بيت رئيس الوزراء شفيق الوزّان، مع وفد أميركي برئاسة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، حتى وفّر لرفاقه وإخوته الثوار خروجاً مشرّفاً توَّجه قبيل مغادرة الباخرة الأخيرة التي أقلّته إلى ميناء طرطوس في الساحل السوري بعملية نوعية ثارت ثائرة أرييل شارون عليها، وتمثّلت في خطف جندي إسرائيلي من بيروت المحاصَرة من أربع جهات الأرض. عملية الخطف هذه لم تكن الوحيدة، إذ أشرف أبو الوليد على عملية نوعية تمثّلت في أسر ثمانية جنود إسرائيليين، وأدّت إلى تحرير معتقلي معسكر أنصار في الجنوب اللبناني، وتمكّن من تحرير مئات الأسرى من مختلف التنظيمات والأحزاب والفصائل.
بعد انسحاب مقاتلي منظمة التحرير من بيروت عام 1982، توجّه أبو الوليد برفقة خليل الوزير “أبي جهاد”، وصلاح خلف “أبي إياد”، وهايل عبد الحميد “أبي الهول”، إلى سوريا من أجل التخطيط لتجميع القوات الفلسطينية المنسحبة من بيروت.
كانت استراتيجية سعد صايل أن تعود القوات الفلسطينية إلى منطقة البقاع اللبنانية لإعادة تشكيلها ومباشرة عملها العسكري ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وكان في فكره توجيه عمليات مباغتة ضدّ قوات الاحتلال الموجودة في البقاع الغربي، أو قصفها بالأسلحة الصاروخية.
قدر الفلسطينيّين
الاستشهاد قدر الفلسطيني. يضع محمود درويش، شاعر القضية الفلسطينية، الفلسطيني أمام خيارات ثلاثة في إحدى قصائده. يقول: “… فلأكن ما تريد لي الخيل في الغزوات:
فإمّا أميراً
وإمّا أسيراً
وإمّا الردى”.
إقرأ أيضاً: هل طُويت صفحة الصراع العربيّ – الإسرائيليّ؟
القادة الفلسطينيون الكبار، أمثال “أبي الوليد”، أضافوا إليها خياراً رابعاً هو الأوّل والأجمل والأبهى: شهيداً شهيداً شهيداً، كما قال “أبو عمّار”.
هكذا كان، يوم الإثنين 27 أيلول عام 1982، في أوّل أيام عيد الأضحى، حين فتح مسلّحون النار على موكبه الذي تعرّض لكمين مُسلّح على الطريق بين منطقتَي الرياق وبعلبك في أثناء جولة تفقّدية له للاطمئنان على قوات الثورة الفلسطينية في البقاع اللبناني. كان الموكب يتكوّن من ثلاث مركبات، وأصيب أبو الوليد الذي كان في السيارة الثانية في فخذه الأيمن، فانقطع الشريان الفخذي، ونزف حتى الموت في مستشفى المواساة في دمشق، ودُفن في مقبرة الشهداء في مخيّم اليرموك.