هل يتكرّر سيناريو الـ “1701” في غزّة؟

مدة القراءة 6 د


لا ريب في أنّ الحرب الدائرة الآن، وربّما ستكون الأخيرة، بين إسرائيل وحركة “حماس”، هي أكثر حروب الشرق الأوسط تعقيداً منذ 70 عاماً. فهي حصلت في لحظة تحوّلات استراتيجية عميقة في المنطقة، ولذلك بدا سريعاً أنّ اندلاعها لم يكن بتوقيت ذي علاقة بارتدادات الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحسب، بل هو متّصل أيضاً بما يحصل في المنطقة من متغيّرات وتداخل نفوذ بين القوى الدولية والإقليمية الكبرى.

لذلك لم يبدُ مفاجئاً أن يسارع “الحزب” بعد ساعات قليلة على اندلاع الحرب إلى القول إنّها ردّ على مسارات التطبيع العربية الإسرائيلية، وهو ما ردّده لاحقاً مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي علي أكبر ولايتي، ثمّ مع تطوّر الحرب سُحب الأمر من أدبيّات إيران وحلفائها، لكن إلى حين، لأنّه أعطى إشارة أوّلية إلى العنوان العريض “المضمر” الذي تضعه إيران للحرب.

لكنّ الأولوية الآن للميدان ومن جانب طرفَيْ الحرب أو أطرافها على تفاوت انخراطهم وخطوطهم الحمر ومحاذيرهم، وهنا يمكن الحديث تحديداً عن مصر والأردن المعنيّتين بشكل أساسي بما يحصل وإن لم تكونا طرفاً في الأعمال القتالية. وهذا لا يعني أن لا حراك في الأروقة الدبلوماسية، لكنّ التفاوض يحصل تحت النار لأنّ كلّ طرف يحاول أن يحسّن شروطه ويفرض أمراً واقعاً يُلزم خصمه به في أيّ مشروع لاحق لحلّ الأزمة.

لا ريب في أنّ الحرب الدائرة الآن، وربّما ستكون الأخيرة، بين إسرائيل وحركة “حماس”، هي أكثر حروب الشرق الأوسط تعقيداً منذ 70 عاماً

عمليّاً رسمت إيران خطّاً أحمر واضحاً لكن خارج غزّة، باعتبار أنّ مبعوثة إسرائيل في الأمم المتحدة قالت إنّ إيران لن تدخل مباشرة في الحرب إلا إذا قُصفت أراضيها، مضيفة أنّ قوى المقاومة تستطيع الدفاع عن نفسها، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ انخراط طهران في هذه الحرب إذا حصل فسيكون عبر أذرعها الإقليمية، وبالأخصّ “الحزب”.

لكن حتى الساعة لا يبدو أنّ تدخّل الحزب على نحو واسع في الحرب محسوم، وما يحصل في الجنوب من قصف متبادل وإن بوتيرة تصاعدية، لأنّ إيران ومعها “الحزب” غير قلقين على مسار الحرب في قطاع غزّة لناحية قدرة إسرائيل الحاسمة على تحقيق هدفها، وهو “سحق حماس”.

معركة مع أميركا

إلى ذلك لا تخوض إيران ومعها الحزب معركة سياسية وعسكرية مع إسرائيل وحسب، بل مع أميركا أيضاً، ولذلك بادر الطرفان سريعاً إلى تحميل واشنطن مسؤولية الحرب واعتبارها شريكة فيها، لكنّ ذلك حصل في إطار تبادل الرسائل بين الطرفين، خصوصاً بعد إرسال الولايات المتحدة أكبر حاملات طائراتها إلى البحر المتوسط بهدف “الردع الإقليمي”، وهو ما فُسّر لاحقاً على أنّه موجّه بشكل أساسي إلى “الحزب”.

لكن بالتوازي ما تزال واشنطن تقلّل من حجم تورّط إيران في هجوم “حماس”، وهو ما يرسم حدوداً لاحتمالات المواجهة بين الطرفين، خصوصاً إذا أُخذ في الاعتبار التصعيد الإيراني المحسوب سياسياً وميدانياً، وبالتحديد في جنوب لبنان.

إذاً الحرب على دمويّتها وخطورتها وشظاياها الإقليمية ليست حرباً بلا حدود، وخصوصاً بين إيران وأميركا، بينما قطاع غزّة يواجه وحيداً وباللحم الحيّ القصف الإسرائيلي العنيف وغير المسبوق، ولا يبدو حتى اللحظة أنّ هذا الوضع سيتغيّر من خلال محاولة “محور المقاومة” تخفيف الضغط على القطاع من خلال فتح جبهة ثانية للحرب أو أكثر، إلا إذا اقتربت إسرائيل من قلب المعادلة الاستراتيجية التي فرضها هجوم “حماس”، وهذا لا يتمّ إلا إذا اقتربت إسرائيل من تحقيق هدفها المعلن بسحق الحركة، وهذا دونه صعوبات ومعوّقات ومحاذير كثيرة، دولية وعربية وحتى إسرائيلية.

حتى الساعة لا يبدو أنّ تدخّل الحزب على نحو واسع في الحرب محسوم، وما يحصل في الجنوب من قصف متبادل وإن بوتيرة تصاعدية يؤكّد ذلك، لأنّ إيران ومعها “الحزب” غير قلقين على مسار الحرب في قطاع غزّة

إذا كانت إيران حاضرة في هذه الحرب من خلال “حماس”، وبالأخصّ “الحزب”، لكنّ العرب حاضرون بقوّة أيضاً، إلى حدّ أنّ هذه الحرب أظهرت أكثر من الحروب السابقة بين إسرائيل وغزّة أنّ القضية الفلسطينية قضية عربية بالدرجة الأولى، لأسباب جغرافية وتاريخية وقومية – عاطفية أيضاً. لذلك موقف مصر والأردن والمملكة العربية السعودية برفض تهجير سكان قطاع غزّة وحصول نكبة فلسطينية جديدة بعد نحو 70 عاماً على النكبة الأولى، هو محدِّد أساسي لسيناريوهات الحرب والحلّ في آن معاً.

قضيّة عربيّة

رسم هذا الموقف خطاً أحمر عربياً أمام إسرائيل على الرغم من أنّ هذه الدول العربية لم تكن معنيّة في الأساس باندلاع الحرب كما إيران، لكنّها الآن معنيّة بقوّة بإيجاد حلّ والخروج من الأزمة ومنع تدمير القطاع وتهجير أهله. وفي المقابل تريد إيران الحاضرة بقوّة في الحرب الجلوس طرفاً رئيسياً إلى طاولة المفاوضات لأنّها تريد في الميدان أو في المفاوضات جني ثمار استراتيجيّة من هذه الحرب من ضمن مشروعها للهيمنة الإقليمية.

والحال هذه تدرك إيران أنّ متغيّرات ستحصل في القطاع لجهة حدود حضور “حماس” فيه ولو لم يتمّ “سحقها” حتى إنّها مطمئنّة إلى أنّ هذا الهدف الإسرائيلي غير قابل للتحقّق، لكنّها تدرك أنّ ما بعد الحرب لن يكون كما قبلها في القطاع، وهي لا تمانع هذا الأمر، بل تتصرّف على أساسه وتريد أن تستفيد منه.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وإيران أمام مأزق الخيارات الصعبة

يمكن هنا استحضار حرب تموز 2006 عندما وضع القرار 1701 حدّاً للحرب ووسّع حضور القوات الدولية في الجنوب وأقام شبه منطقة آمنة استطاع “الحزب” اختراقها بسهولة لاحقاً، لكن مع ذلك حقّقت إيران والحزب مكاسب استراتيجية في لبنان والمنطقة من جرّاء هذه الحرب. الأمر نفسه يرجَّح أن يتكرّر في غزّة، إذ إنّ إيران لن تمانع صدور قرار أممي يوقف الحرب ويعلن عن “وضع جديد” داخل القطاع، ما دامت “حماس” لم تسحَق، وإن حُجّم حضورها في القطاع، لكنّ ذلك لا يجعلها تخسر على المستوى الفلسطيني ككلّ في إطار صراعها مع “فتح” والسلطة الفلسطينية، وهذه نقطة مهمّة بالنسبة لإيران التي تريد الإمساك بالورقة الفلسطينية كلّية. لكن في المقابل عدم “نصرة” إيران و”الحزب” لغزّة على النحو المتوقّع سيترك أثراً بليغاً لدى فلسطينيّي القطاع، ولذلك التحوّلات التي ستفرزها الحرب ستشمل طبيعة العلاقة بين إيران والفلسطينيين.

لمتابعة الكاتب على تويتر: eliekossaifi@

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…