العراق بين الهمّ السعوديّ والمخاوف الإيرانيّة

2023-10-20

العراق بين الهمّ السعوديّ والمخاوف الإيرانيّة


يتمحور الحراك الدبلوماسي السعودي في هذه المرحلة حول نقطتين:
1- وقف إطلاق النار في غزّة وحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لهم.
2- منع توسّع الحرب في المنطقة والسعي لبلورة رؤية عربية فيما يتعلّق بمرحلة ما بعد حرب غزّة.
تصبّ الزيارة السعودية في إطار مساعي الرياض لبلورة رؤيّة عربيّة في ما يتعلّق بمرحلة ما بعد حرب غزّة والمعادلات المتّصلة بمستقبل القضية الفلسطينية التي قد تنتج عنها.
ضمن هذا السياق يأتي تحرّك المملكة تجاه العراق، وزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قبل أسبوع إلى بغداد، والتي تلتها مباشرة زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى العاصمة العراقية.

فلسطين أولوية
التطورات الفلسطينية كانت أولوية زيارة الوزير السعودي. إذ أشارت مصادر الخارجية العراقية إلى أنّ مباحثات الوزير السعودي بحثت مع الجانب العراقي تداعيات المشهد الفلسطيني وضرورة تنسيق وتضافر المواقف العربية لإيجاد رؤية مشتركة لحلّ القضية الفلسطينية تعمل الرياض على بلورتها في المرحلة المقبلة في إطار عملية سلام شاملة على أساس المبادرة العربية.
لعلّ الترجمة الواضحة لهذه التوجّهات عبّرت عنها المواقف الرسمية للقوى السياسية المشكِّلة للحكومة أو ما يُعرف بـ”الإطار التنسيقي”، الذي عقد اجتماعاً باستضافة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وأكّد ضرورة بذل الجهود لحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقّهم في إقامة دولتهم وتنفيذ القرارات الدولية وإدانة عمليات القتل التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضدّ المدنيين.

تركت الحكومة الباب مفتوحاً أمام الفصائل المسلّحة لاتخاذ الموقف الذي ينسجم مع التزاماتها العقائدية مع رعاية رسمية لكلّ الأنشطة التي تقوم بها هذه الفصائل للتعبير عن موقفها

جاء موقف “الإطار” الذي حاول التوازن بين الخيارات السياسية وضرورات الموقف العقائدي، محكوماً بضرورة التوازن بين الاستقطابات التي يعيشها على ثلاثة محاور: الأوّل مع الولايات المتحدة الأميركية وسعيه إلى عدم التأثير على مسار بناء الثقة الذي بدأه مع واشنطن التي تشكّل الغطاء الدولي للحكومة التي يقودها، والثاني عدم إثارة الحليف الإيراني القادر على خلق إرباك للعملية السياسية، والثالث السعي إلى الانسجام مع الموقف العربي الذي يعمل على بناء رؤية تحافظ على نظام المصلحة العربية لمواجهة التداعيات السلبية والمشاريع التي يمكن أن تُفرض كمخارج لإنهاء الحرب في غزّة.
في المقابل، تركت الحكومة الباب مفتوحاً أمام الفصائل المسلّحة لاتخاذ الموقف الذي ينسجم مع التزاماتها العقائدية مع رعاية رسمية لكلّ الأنشطة التي تقوم بها هذه الفصائل للتعبير عن موقفها، في رسالة واضحة للحليف الإيراني بأنّ التوازن العراقي ضرورة إيرانية وعربية وإقليمية في هذه المرحلة.
وأضافت المصادر أنّ زيارة الوزير السعودي تناولت أيضاً ضرورة التهدئة من الجانب العراقي على صعيد الأزمة الحدودية مع الكويت وفتح الطريق أمام الجهود التي من المفترض أن تقوم بها الرياض من أجل تقريب وجهات النظر والبحث عن مخارج تساعد في التوصّل إلى تسوية لهذه الأزمة وعدم السماح بأن تتحوّل إلى مصدر لتوتير العلاقة بين البلدين من جديد.
وكان دخول المحكمة الاتحادية على خطّ أزمة ترسيم الحدود بين البلدين، وإصدارها قراراً بإلغاء الاتفاقية واعتبارها مخالفة للدستور، بعد تصاعد المواقف الشعبية والنيابية الرافضة لعملية الترسيم الحدودي البرّي الذي نفّذته بغداد وما رافقها من اتّهامات بالتنازل عن السيادة للكويت ومنحها أراضي عراقية، بالإضافة إلى ما يمكن أن ينتج من عملية استكمال الترسيم البحري، الأمر الذي أدخل العلاقة بين بغداد والكويت في نفق من التوتّر قد تؤدّي المواقف المتشنّجة من كلا الطرفين إلى إمكانية أن ينعكس سلباً على مسار تطبيع العلاقة بينهما وجهود إنهاء ذيول وتداعيات احتلال الكويت، وبالتالي تطيح بمسار عملية الترسيم التي بدأت قبل نحو شهرين في خطوة كان من المفترض أن تكون الأخيرة، خاصة أنّ قرار المحكمة الاتحادية يُعتبر نهائياً غير قابل للطعن أو الاستئناف. وهذا يعني مزيداً من التعقيد في مستقبل العلاقة، وخاصة أنّ الجانب الكويتي متمسّك بتنفيذ القرارات الدولية.

جاء موقف “الإطار” الذي حاول التوازن بين الخيارات السياسية وضرورات الموقف العقائدي، محكوماً بضرورة التوازن بين الاستقطابات التي يعيشها على ثلاثة محاور

الأموال الإيرانيّة
من هنا يمكن فهم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني لبغداد بعد زيارة نظيره السعودي، إلا أنّ مصادر الخارجية أشارت إلى أنّ هذه الزيارة كانت روتينية في خضمّ التطوّرات الفلسطينية، لأنّ الحكومة العراقية والإدارة الرسمية لن تكونا مطالَبتين بأيّ إجراء في حال حصول أيّ تطوّر دراماتيكي، وأنّ التعاون بين إيران وبعض الفصائل العراقية لا يمرّ بالحكومة ومؤسّساتها الرسمية، وبالتالي ليس التعاون في حال الضرورة بحاجة إلى موقف رسمي، خاصة إذا ما تطوّرت الأمور باتجاه حرب مفتوحة قد يدخل فيها المحور الإيراني بكلّ عناصره.
من جهة أخرى، ركّز الوزير الإيراني، بحسب هذه المصادر، في مباحثاته مع رئيس الحكومة السوداني ومستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، على ضرورة الالتزام العراقي بتسريع تنفيذ نقل الأموال الإيرانية إلى البنوك العُمانية في إطار تنفيذ اتفاق تبادل السجناء الذي عقدته إيران مع الولايات المتحدة، وحصلت بموجبه على قرار الإفراج عن أرصدتها المجمّدة في كوريا الجنوبية والعراق.

إقرأ أيضاً: “الحلفاء” عادوا

يأتي الضغط الإيراني لتسريع نقل الأموال والأرصدة بعد الانتهاء من نقل الأرصدة المجمّدة في كوريا إلى البنوك القطرية، بسبب البطء الكبير لسير هذه العملية على المستوى العراقي، فالمبالغ التي تمّ نقلها حتى الآن لم تتجاوز نصف مليار دولار، ومن المفترض أن تستقبل البنوك العمانية مبلغاً مشابهاً في الأيام المقبلة، في حين أنّ حجم الأرصدة يتجاوز ثمانية مليارات.
يأتي التحرّك الإيراني باتجاه العراق بعد التلويح الأميركي على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن بإمكانية العودة إلى تجميد هذه الأرصدة في البنوك القطرية في حال وجدت واشنطن أدلّة على تورّط إيران في أحداث غزّة.

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…