ثلاث حقائق على قيادة حركة حماس السياسية والعسكرية إدراكها للبناء عليها في طريق البحث عن حلّ أو ثقب في جدار ما يحصل:
1- إنّ ما حقّقته من إنجاز ميداني مُبهر أو ما يمكن تسميته بانتصار 7 تشرين الأول في غلاف غزّة من خلال دخول المستوطنات الإسرائيلية، وضرب قواعد جيش الاحتلال الاسرائيلي في الغلاف وقتل وأسر المئات من الجنود والمستوطنين، لا يمكن صرفه سياسياً كحركة مسلّحة مقاومة تصنّفها دول مؤثّرة، لا سيما في الغرب، على أنّها إرهابية، بل يمكن للشعب الفلسطيني كقضية كبرى لها مشروعيّتها العربية والإسلامية والدولية الاستفادة من هذا النصر الميداني والبناء عليه.
2- إنّ المحور الذي تنتمي إليه الحركة من إيران وصولاً إلى لبنان لديه حساباته الخاصة الدقيقة التي ليس بالضرورة أن تلتقي مع حسابات “حماس” وإن كانت قد نسّقت معه في الأكثر أو تعاطف معها في الأقلّ. وذلك لأنّ خوض حرب إقليمية كبرى في المنطقة لا يكون بالتأكيد بتوقيت “حماس” إلا إذا كان الهجوم على غلاف غزّة منسّقاً مع قوى المحور من لحظة الإعداد إلى لحظة الهجوم، وكانت أطرافه وعلى رأسها إيران مستعدّة لتحمّل الأعباء والنتائج والمآلات. ولا يبدو أنّ الأمر كذلك.
3- إنّ المحور الذي تنتمي إليه إسرائيل مستعدّ للذهاب إلى أبعد الحدود للحفاظ على وجود إسرائيل ومنع سقوطها. ومسارعة حاملات الطائرات الأميركية والبوارج البريطانية في البحر المتوسط خير دليل على ذلك. ولم يشهد العالم إصراراً غربياً مماثلاً على الانحياز إلى إسرائيل، وتغطية جرائمها مهما عظمت، وهو ما يؤكّد الخطر الوجودي الذي شعرت به إسرائيل وحلفاؤها، فكان القرار الحازم بتصفية “حماس” مهما كان الثمن الإنساني والسياسي في غزّة والمنطقة.
بعيداً عن المعركة البرّية التي تتوعّد بها إسرائيل القطاع وأهله وما يمكن أن تؤدّي إليه هذه الحرب البرّية لجهة تمكّن إسرائيل من احتلال القطاع وفرض سيطرتها عليه، يبقى هذا الأمر مستبعداً إن لم يكن يلامس المستحيل لعدّة أسباب
ما هو المطلوب للخروج من الأزمة؟
على خلفيّة هذه الحقائق الثلاث، ما هو المطلوب للخروج من الأزمة والانتقال من حالة القتل والتدمير إلى حالة النقاش السياسي تمهيداً للوصول إلى وقف لإطلاق النار وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سياق استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، والاستفادة من كلّ هذه التضحيات من أجل كرامة واستقرار من بقي من الشعب الفلسطيني على قيد الحياة؟
بعيداً عن المعركة البرّية التي تتوعّد بها إسرائيل القطاع وأهله وما يمكن أن تؤدّي إليه هذه الحرب البرّية لجهة تمكّن إسرائيل من احتلال القطاع وفرض سيطرتها عليه، يبقى هذا الأمر مستبعداً إن لم يكن يلامس المستحيل لعدّة أسباب تبدأ من الفاتورة الباهظة لعمل برّي من هذا المستوى على الجانبين، وتنتهي بالتكوين الجغرافي الديمغرافي للقطاع الذي يشكّل حالة استعصائية على الجيوش وإمكانياتها من آليّات وسلاح جوّ وخلافه.
إنّ الحرب البرّية الموعودة لا بدّ أن تنتهي إلى أمر من ثلاثة:
1- تمكّن إسرائيل من احتلال القطاع.
2- تمكّن “حماس” من الصمود ومنع احتلال القطاع.
3- الدخول في دوّامة عنف وقتل للمدنيين في غزّة إن طالت هذه المعركة ولم يتمكّن طرف من الطرفين من حسمها.
سوف توصل الاحتمالات الثلاثة إلى مكان واحد، وهو طاولة المفاوضات، واستعمال عبارة “لا تستفزّوا أحداً” سوف يوصل إلى باحة الكلام السياسي المتبادل بين كلّ الأطراف الدولية بعد أن ينزل الجميع من على الشجرة، وربّما أوّل النازلين هو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي بدأ جولته في إسرائيل بالقول “أنا يهودي” وانتهى بجولته في المملكة العربية السعودية بالدعوة إلى ضرورة إرساء السلام والاستقرار في المنطقة.
10 نقاط للحلّ
هذه الباحة السياسية أو طاولة المفاوضات يخشى البعض لفظها أو استعمالها من ضمن القاموس السياسي في لحظة المواجهة التي تسعى كلّ الأطراف من أجل تجنّبها عبر الاتصالات والتشاورات والجولات المعلنة أو عبر المباحثات البعيدة عن الأضواء تحت طاولة ما أو في نفق ما، وربّما أبرزها:
1- الاتصال الهاتفي بين وليّ عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي دام ما يقارب 45 دقيقة، وهو الأوّل من نوعه.
2- المباحثات التي أجرتها الجزائر مع الأميركيين ووصفتها الخارجية الجزائرية بالمباحثات العميقة.
3- اجتماع منظمة التعاون الإسلامي على مستوى المندوبين والخبراء يوم الأربعاء المقبل في مدينة جدّة.
4- الخطّ الساخن المصري مع كلّ عواصم القرار منذ اندلاع الأزمة، ودعوة القاهرة إلى قمّة إقليمية ودولية للنظر في تطوّرات القضية الفلسطينية ومستقبلها في ضوء ما يحدث في قطاع غزّة.
تتجاوز كلّ هذه الاتصالات والمباحثات مسألة الاستنكار والتعاطف المعلنين إعلامياً لتلامس في جوهرها السعي الحثيث إلى الوصول إلى ورقة توقف هذه الأزمة الكبرى التي لا تعصف بغزّة وحسب بل وبمنطقة الشرق الاوسط بأكملها إن لم يكن بالعالم برمّته.
مسوّدة ورقة سياسية قد تُحدث صدمة للبعض لأنّها لا تلامس سقف الرغبات عند الكثيرين، لكنّها تلامس سقف الممكن عند الواقعيين
تتناقل عدّة عواصم أفكاراً متنوّعة وشذرات من اقتراحات متبادلة، إلا أنّ الأبرز هو محاكاة تتقدّم على كلّ ما يُطرح تتّخذ حصار العاصمة اللبنانية بيروت في اجتياح 1982 أنموذجاً لاستنباط حلّ منشود لما يحصل في غزّة. وإن كان الحلّ لحصار بيروت 1982 ثمرة عمل دؤوب لمبعوث أميركي يدعى فيليب حبيب، فإنّ مشروع حلّ أزمة غزّة يجري العمل على صياغته تحت عنوان إسلامي يجري استقطاب الأميركيين والأوروبيين إليه. أبرز نقاط هذا المشروع:
1- اعلان وقف إطلاق النار لمدّة ثلاثة أشهر يُجرى تقويمه بعد هذه المدّة لإرساء تسوية ثابتة ترسّخ الاستقرار والأمن.
2- إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بإشراف عربي ودولي.
3- دخول قوّة عربية إسلامية للفصل بين القطاع وغلاف غزّة.
4- انكفاء قوات عزّ الدين القسّام وسلاحها بإشراف إسلامي (تركي – إيراني).
5- إعادة ترتيب مؤسّسات السلطة الفلسطينية داخل القطاع وتسلّمها إدارة شؤون سكّان القطاع والأمن الداخلي فيه.
6- إطلاق حملة إعادة إعمار القطاع بعد اجتماع قمّة إسلامية يتبنّى هذه العملية.
7- إطلاق عملية سياسية دولية لإعادة النقاش في العملية السلمية وفقاً لمقرّرات قمّة بيروت 2002 القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام وحلّ الدولتين.
8- إطلاق كلّ الأسرى والموقوفين لدى الطرفين عبر تصفير عدّاد السجون الإسرائيلية لا تبييضها لأنّ هذه سجون لا يمكن تبييضها، وإطلاق كلّ الأسرى لدى حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية وتسليم جثث القتلى الإسرائيليين.
9- ضمان أمن قيادات “حماس” في العواصم التي سيقيمون فيها.
10- الحصول على ضمانات أميركية وأوروبية للمسار السياسي بحيث يكون محدّد المدّة والسقف.
إقرأ أيضاً: لعنة أكتوبر تلاحق الإسرائيليين
إنّها مسوّدة ورقة سياسية قد تُحدث صدمة للبعض لأنّها لا تلامس سقف الرغبات عند الكثيرين، لكنّها تلامس سقف الممكن عند الواقعيين. قد يطول الوقت قبل إعلانها أو قد يقصر، فالأمر متعلّق بما ستؤول إليه المواجهة في الميدان وكميّة النزف الذي سيحصل للطرفين. ألم يقُل وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر عام 1973: “أردت أن ينزف الإسرائيليون كي أتمكّن من إقناعهم بالسلام”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@