حماس أين أصابت وأين أخطأت؟

2023-10-18

حماس أين أصابت وأين أخطأت؟


هل كانت حركة حماس تتوقع مآلات هجومها المباغت في 7 تشرين الأول الحالي، على غلاف غزة، فاستعدّت جيداً للعواقب العسكرية والسياسية؟ وبشكل محدّد، هل وضعت في حساباتها فائض النجاح لـ”طوفان الأقصى” بما يترتّب عليه من ردّ إسرائيلي هائل أم فوجئت بالنتائج كما فوجئ العالم، ولم تحسب حسابه؟ إنّ الهجوم الحمساوي كان صادماً بل مزلزلاً، فجاء الردّ الإسرائيلي بقسوة لامتناهية ضدّ أهل غزة، في عقاب جماعي، كان الاستعمار الأوروبي منذ ما سُمي بالاكتشافات الجغرافية في القرن الخامس عشر وما تلاه، يمارسه بشكل اعتيادي ضدّ الشعوب الأصلية المقهورة في آسيا وأفريقيا وأستراليا، كما في القارة الأميركية، أو العالم الجديد. بل إنّ الولايات المتحدة نفسها حشدت أسطولها في البحر المتوسط، دفاعاً عن إسرائيل، وعن حقها في الدفاع عن نفسها، بمعنى إبادة عدوها، من دون قيود ولا شروط. فكيف تُشخّص الطبيعة العملياتية لـ “طوفان الأقصى” لبناء الاستنتاجات المناسبة على المآلات التي تتعاقب أحداثاً ووقائع؟

طبيعة “طوفان الأقصى”
من المؤكد أنّ “طوفان الأقصى” أكبر من مجرّد عملية تقليدية لاختطاف جنود إسرائيليين، لمبادلتهم لاحقاً بأسرى ومعتقلين فلسطينيين في إسرائيل ودول أخرى، منها الولايات المتحدة. لكن هل كان المقصود منها أن تكون معركة فاصلة بين مرحلتين؛ بمعنى إشعال شرارة حرب مفتوحة لتحرير كلّ فلسطين، بالتعاون مع محور المقاومة والتنسيق معه، وهو الممتدّ جغرافياً من طهران إلى صنعاء، مروراً ببغداد ودمشق وبيروت؟ الجواب عن هذا التساؤل يفترض أولاً حسم الأمر فيما إذا كان هجوم حماس منسّقاً ومرتّباً مسبقاً مع الحزب، من أجل فتح جبهتين متزامنتين، واحدة في الشمال، وأخرى في الجنوب، لتكرار ما فعله الجيشان السوري والمصري، قبل خمسين سنة، في هضبة الجولان وصحراء سيناء. إيران نفت علاقتها بعملية حماس، واتفقت واشنطن وباريس على تبرئة طهران، في حين أكّدت العكس كلٌّ من صحيفتي وال ستريت جورنال والنيويورك تايمز.

من المؤكد أنّ “طوفان الأقصى” أكبر من مجرّد عملية تقليدية لاختطاف جنود إسرائيليين، لمبادلتهم لاحقاً بأسرى ومعتقلين فلسطينيين في إسرائيل ودول أخرى، منها الولايات المتحدة

وما هو بحوزتنا معلومات صحافية متداولة، تعزّزها مؤشرات وقرائن، تتقاطع على أن “طوفان الأقصى” ربما كان جزءاً من خطة كبرى لم تكتمل بأبعادها الخارجية، لأسباب غير محدّدة لكن يمكن تكهّنها، منها التهديد الأميركي لإيران بالتدخل المباشر لمنع تحقّق “وحدة الساحات” كواقع ميداني؛ فتوقيت العملية في الذكرى الخمسين لحرب تشرين مع ما فيها من إيحاءات، وخطاب القائد العسكري لحماس محمد ضيف، المبثوث مع بدء العملية، والذي دعا فيه إلى إطلاق عملية التحرير بالتنسيق مع محور المقاومة، والنوعية الاحترافية العالية للعملية العسكرية من حيث التجهيز والتسليح والتدريب والاختراق الإلكتروني لمنظومات الرصد والاستخبار الإسرائيلية، مما لا يمكن تكراره بسهولة ولمدّة طويلة بسبب انكشاف الإمكانيات وحجم الاختراقات، والطبيعة الاستفزازية للعملية ميدانياً وإعلامياً، سواء باقتحام مواقع فرقة غزة، وبثّ جزء منتقى من آلاف اللقطات المسجّلة لمجرى الاشتباكات وفيها مشاهد الإذلال للجنود والضباط الإسرائيليين خاصة، أو اقتحام مستوطنات الغلاف وتعرّض المستوطنين فيها للقتل، ونهب ما فيها البيوت والمستودعات، بهدف بثّ الرعب فيهم ودفعهم إلى الفرار من إسرائيل، تؤكّد أمراً واحداً، وهو أنّ حركة حماس، لم تكن تهدف فقط، إلى تذكير العالم بقضية فلسطين والأقصى، بل كان المفروض بقطاع غزة من خلال العملية نفسها أن يكون جزءاً عضوياً من جبهة واسعة ونشطة، بحيث يمكن وصف “الطوفان” بأنه كلمة السرّ لتحرير فلسطين؛ فالطوفان المشار إليه، هو طوفان الأمة كلها. إسرائيل أدركت ذلك منذ اللحظة الأولى، وشعر به رُعاة هذا الكيان في الولايات المتحدة وأوروبا، مما دفعهم إلى إسقاط كلّ المجاملات الدبلوماسية السابقة، وكلّ الثرثرات المملّة عن حقوق الفلسطينيين، والتسوية السلمية، وحلّ الدولتين. باتت المعادلة الفجّة كما يلي: الدفاع عن غزة دفاع عن حماس. مجرّد رفع العلم الفلسطيني في تظاهرات أوروبية هو تأييد للإرهاب، وصولاً إلى أنّ شطب فلسطين من الذاكرة وفي وسائل التواصل يعني القضاء على حماس.

هذا كله لم تصنعه حماس ولا “طوفان الأقصى”. كان كامناً خلف أقنعة الزيف والنفاق، فانكشف في لحظة شعور الخوف على إسرائيل، وهو ما صدم الرأي العام العربي والإسلامي وما يزال، ولم يفاجئ الحكومات بطبيعة الحال.

أخطاء ورهانات
التخطيط الدقيق لعملية ضخمة وشديدة التعقيد، والتنفيذ المتقن والذي تجاوز التوقعات، بسبب التراخي الأمني الإسرائيلي، وانشغال الأجهزة الاستخبارية بما يدور في جبهة الشمال مع لبنان، تخلّلته أخطاء وإرباكات، ناتجة أولاً عن سرّية العملية، وثانياً عن افتراضات ورهانات لم تتحقّق فعلاً، وثالثاً عن غياب الرؤية السياسية بمعنى غلبة العقل العسكري المحض، على تفكير حركة حماس.
1- الحرص الشديد على نجاح العملية العسكرية نتج عنه الإخلال بالحفاظ على أمن العمليات، باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تدفق المتطفّلين من سكان غزة إلى مواضع القتال في غلاف غزة، ولا سيما المستوطنات، وهو ما أربك الخطة التي تسير وفقها قوات النخبة في تدمير الأهداف العسكرية وجلب ما أمكن من الأسرى. فانشغل بعض مقاتلي حماس في ضبط المدنيين الفلسطينيين، كي لا تفلت الأمور بما يناقض الأهداف والإجراءات المتبعة في مثل هذه الظروف، وذلك بحسب مصدر مقرّب من الحركة.

ربما كان العنصر الأهم في المعادلة، أنّ حماس حسبت حساب الردّ القاسي من جانب إسرائيل، فأسرت عدداً كبيراً واستثنائياً من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، ظنّاً منها أنّ يردع إسرائيل عن تدمير غزة على رؤوس ساكنيها

2- تكوّنت قوة الصدم من 1200 مقاتل حمساوي، ولم يكن متوقعاً أن ينجو منهم أحد، وفق التقديرات لقوة العدو، أي كانوا قوة استشهادية في المقام الأول. لكن حماس فوجئت بالانهيار الكامل لغلاف غزة، فطوّرت هجومها إلى ما بعد النسق الأول؛ عاد 800 مقاتل، إلى القطاع، وبقي 400 تقريباً، لمشاغلة العدو في العمق الإسرائيلي، وما زال منهم من يقاتل حتى الآن، في أماكن مختلفة، وحيثما انفسحت فرصة للإثخان في الجيش الإسرائيلي.
3- يتبيّن من خطاب المعركة لقائد كتائب القسام والذي بثّته حماس في اليوم الأول، أن الحركة كانت تراهن على انضمام قوى محور المقاومة إلى المعركة، فوراً ودون إبطاء، وذلك قبل أن تبدو الفرصة سانحة، بانهيار قوات غلاف غزة. فلما ظهرت أكثر معالم الهزيمة النفسية والميدانية للجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، كانت الفرصة أكبر بكثير من الآمال والتوقعات. ولكان لانضمام الحزب إلى المعركة بالطريقة نفسها أي الاقتحام البري للحدود وللمستوطنات القريبة، آثار مدمّرة في إسرائيل. ومع مرور الوقت، واستعادة العدو لاتزانه الميداني، زال عنصر المباغتة. اكتفى الحزب بالدعم غير المنظور للحركة، وبمشاغلة العدو على الحدود في جنوب لبنان، ونُصب خط أحمر إيراني لتعيين ساعة الصفر للتدخل إلى جانب حماس.
4- دعت حماس إلى النفير العام في العالم الإسلامي، أي في يوم الجمعة التالي للطوفان الحمساوي، وإلى اقتحام الحدود من دول الطوق. بالفعل، تحرّكت الجموع الهائلة في أرجاء العالم، لا في البلدان العربية والإسلامية وحسب. لكن هذه التظاهرات لم تكن مصمّمة على اختراق الحدود مهما تكن الكلفة البشرية، ولا سيما فيما يخصّ الصدام المباشر مع الجيوش والأجهزة الأمنية العربية. وعليه، فإنّ أيّ تظاهرة بعيداً عن الحدود الفلسطينية، ليس لها أيّ أثر مهمّ في تغيير المعادلة الميدانية.
5- مع غياب الدعم الخارجي المباشر عبر فتح الجبهات، أصبح التعويل على القوة الذاتية لحماس داخل القطاع، وهي وإن كانت تتحصّن في شبكة طويلة ومعقدة من الأنفاق، إلا أنها تواجه هذه المرة، هجوماً إسرائيلياً مدعوماً مباشرة من الولايات المتحدة في مجالات الإمداد والتخطيط والمعلوماتية، غير مقيّد بمهلة زمنية، وغير مشروط باحترام أيّ قواعد. ومهما كانت قدرة حماس على الصمود لأسابيع وربّما لأشهر، بالنظر إلى حجم تخزينها للسلاح ووسائل الحياة، إلا أنها مقطوعة عن المدد الخارجي، وما يُستهلك أو يُدمّر فلا تعويض له.

إقرأ أيضاً: ماذا لو انتصرت “حماس”؟

6- أخيراً، وربما كان العنصر الأهم في المعادلة، أنّ حماس حسبت حساب الردّ القاسي من جانب إسرائيل، فأسرت عدداً كبيراً واستثنائياً من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، ظنّاً منها أنّ يردع إسرائيل عن تدمير غزة على رؤوس ساكنيها، لكن حكومة نتانياهو فاجأت حماس باستعدادها قتل الأسرى مع الآسرين، وهو ما جرى حتى أثناء الاشتباكات في غلاف غزة، بحسب ما جاء في شهادات إسرائيليات ناجيات من القتل أو الأسر. بدأت إسرائيل حملة إبادة شاملة، واتخذت قراراً همجياً لا سابق له، بقتل كل أقرباء قيادات حماس؛ إذ تسكن العائلات في أحياء محدّدة في غزة جنباً إلى جنب بحسب ما هو معتاد، مما أدّى حتى الآن إلى قتل جماعي لأكثر من 50 عائلة حتى الساعة، وذلك لإجبار القيادات على الخروج من الأنفاق واغتيالها، بحسب المصدر المقرّب من حماس.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: HishamAlaywan64@

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…