بين غياب زعيم ميليشيا الحزب عن مشهد حرب غزة، وبين النقد المبطن الذي انطوت عليه تصريحات قادة حماس، كخالد مشعل وموسى أبو مرزوق، لمستوى حضور الحزب وإيران في المعركة، ترتسم صورة محرجة للحزب وسمعته ومصداقية التزامه وجدية تهديداته وسقوف خطابه المرتفعة.
خلافاً لحرب تموز 2006، وعنوان “لو كنت أعلم”، فإن الحزب وقيادته المحلية كما قيادته الإيرانية يعلمان هذه المرّة علم اليقين أن قوة الرد الإسرائيلي على أي تدخّل في الحرب ستفوق حتى الأهوال التي نتابعها يومياً في غزّة.
حتى إشعار آخر، يبدو أن أربعة عوامل حاسمة هي التي تمنع الحزب وإيران من قرار التدخل في الحرب، على نحو أبعد من ممارسة الضغط على إسرائيل عبر بوابة الجنوب.
1- حسابات الميدان:
لا يبدو واضحاً بإزاء حجم الهجمة الإسرائيلية، ما هو الدور الذي يمكن أن يؤديه تدخل الحزب لإنقاذ غزة وحماس. وليس واضحاً أن فتح جبهة الجنوب بوسعه تغيير الوقائع على الأرض. هذه فرصة تبدّدت. فلو حصل أن تدخّلت صواريخ الحزب بالتزامن مع هجوم حماس يوم 7 تشرين الأول، مضافاً إليها تدخّل جبهات اليمن والعراق لكان لعنصر المفاجأة أضعاف الأثر الذي أحدثه هجوم حماس. ولو بدأ الهجوم البرّي فلن يكون بوسع صواريخ الحزب أن تفعل أكثر من إشغال الإسرائيليين، في غياب قدرة الحزب عن الإسناد البرّي لحليفه كما فعل في سوريا الحدودية حين تدخّل لمنع سقوط بشار الأسد.
خلافاً لحرب تموز 2006، وعنوان “لو كنت أعلم”، فإن الحزب وقيادته المحلية كما قيادته الإيرانية يعلمان هذه المرّة علم اليقين أن قوة الرد الإسرائيلي على أي تدخّل في الحرب ستفوق حتى الأهوال التي نتابعها يومياً في غزّة
2- الضغط الدوليّ:
يعرف الحزب أنّ أيّاً من الخيارات الواردة أعلاه، لن تبقيه بمعزل عن الاصطدام المباشر بالأميركيين وبوارجهم وسفنهم الحربية وقواعدهم المعززة في المنطقة.
لقد نشرت الولايات المتحدة حاملتي الطائرات جيرالد فورد ودوايت أيزنهاور، بالاضافة الى عدد من المدمرات الأميركية التي تعمل كقاذفات للصواريخ الموجهة وصواريخ كروز. وكانت واشنطن قد بدأت بتعزيز قدراتها النارية منذ الصيف الفائت رداً على الشغب الايراني في مضيق هرمز. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية في تموز الفائت عن إرسال السفينتين الحربيتين البرمائيتين، يو إس إس باتان (LHD-5) ويو إس إس كارتر هول (LSD-50)، وآلاف من مشاة البحرية إلى الشرق الأوسط لتعزيز الأمن الإقليمي بعدما هدّدت القوات الإيرانية التجارة داخل وخارج الخليج العربي.
أما سياسياً فقد ظهر في كل المناسبات الدولية خلال الأسبوعين الفائتين حجم غير مسبوق من الدعم الأممي لإسرائيل في حربها لإسقاط حكم حماس، نتيجة الأهوال التي ارتكبتها الحركة في هجوم السابع من تشرين الأول. تدرك إيران ومن خلفها الحزب أن الوقت غير ملائم لمغامرات كان يمكن القيام بها لو تيسر انقسام غربي لطالما أحسنت طهران الاستثمار فيه.
3- الديناميّات الإقليميّة والحسابات الاستراتيجيّة
إذا كانت الحرب ستطول وفق كل التقديرات، فإن إيران والحزب لن يستعجلا الدخول في جانبها العسكري المدمر. تراهن إيران على صمود حماس أطول فترة ممكنة، وارتفاع حدة الإصابات بين المدنيين في غزة، لإحباط إسرائيل من جهة وقلب الرأي العالم الإقليمي والدولي ضد الحرب. إن إحدى الخلاصات الرئيسية التي تريدها إيران لهذه الحرب، هي تدمير أي أفق عربي للسلام مع إسرائيل، وإعادة بناء الصراع العربي الاسرائيلي ليكون المحرك الأول للسياسة في المنطقة. وهذا لا يتم إن ساهمت ايران، عبر الحزب في توسعة إطار الحرب والدمار والدخول حكماً في اشتباك مباشر أو غير مباشر مع دول عربية، لن تقف هي الأخرى مكتوفة الأيدي في مواجهة التغوّل الايراني. كما أن توسعة الحرب بما يمكن أن تحمله من دمار أوسع من رقعة غزة، سيعزز فكرة السلام عند معتنقيها أكثر، بالمقارنة مع أثمان الحروب الثقيلة، في حين أن إبقاء المعركة محصورة في غزة سيوفر مادة تعبئة جماهيرية بدماء الفلسطينيين، حتى في الدول التي اختارت السلام أو تسعى اليه.
حتى الآن تبدو أضرار دخول إيران في الجانب العسكري من الحرب، عبر الحزب، أكثر من الفوائد، لا سيما إن نجحت حماس في لعبة الصمود أو استطاع مقاتلوها أن يجعلوا من التوغّل الإسرائيلي فخّاً يمكن تأسيس سردية انتصار ما عليه.
الى ذلك ستفعل إيران كل شيء لتجنب أي تحول في المنطقة يؤدي الى إسقاط أو ضرب نظام بشار الأسد في سوريا، كواحد من أثمان تدخلها في المعركة. وفي هذا السياق سبق لقيادة الأمن والجيش الإسرائيليَّين أن هددت بإسقاط الأسد إذا حاول الايرانيون ضرب إسرائيل أو مصالحها من الأراضي السورية.
4- الحسابات الداخليّة
من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية العملاقة التي يعيشها لبنان، والفراغ المؤسساتي على مستوى الدولة، حكومة ورئاسة جمهورية، وحالة الاستقطاب السياسي الحاد، والاضطرابات الاجتماعية المتنامية، تلعب جميعها أدواراً مهمة في الحسابات الاستراتيجية للحزب. سيعطي الحزب الأولوية للحفاظ على الاستقرار الداخلي والمتوفر له من الدعم الشعبي، طالما استطاع الى ذلك سبيلا، محاذراً من الانخراط المباشر في الحرب، على نحو يجهد موارده، ويهدد بيئته المستنزفة كبقية اللبنانيين.
الأرجح أن يتوخى الحزب الحذر في تصعيد تورطه في حرب غزة، بالنظر إلى التداعيات المحتملة على مكانته واستقراره داخل لبنان.
إقرأ أيضاً: غزّة أجّجت الصراع الدوليّ: فكيف تنتهي الحرب؟
إنّ السيناريو الأفضل للحزب وإيران هو اتساع حجم المقتلة الفلسطينية ومحاولة استثمار الدم لتعزيز سردية المقاومة بالتوازي مع تفعيل النشاط السياسي والدبلوماسي الذي تتولاه ايران، وممارسة الضغط المتدرج عبر جبهة الجنوب وجبهات أخرى أكثر استعراضية وأقل فاعلية كالمسيّرات ضدّ قواعد أميركية في سوريا والعراق أو صواريخ الحوثي.
لمتابعة الكاتب على تويتر: NadimKoteich@