لماذا نفت إيران علاقتها بـ”طوفان القدس”؟

مدة القراءة 7 د


كان مستغرباً النداء الذي وجّهه محمد الضيف، القائد العامّ لكتائب القسّام – الجناح العسكري لحركة حماس، بعد ساعات على بدء عملية “طوفان الأقصى”، السبت الماضي. دعا الضيف “إخوتنا في المقاومة بلبنان وإيران واليمن والعراق وسوريا إلى الالتحام مع المقاومة بفلسطين”.

إذ لم يسبق لحركة حماس في الحروب التي خاضتها سابقاً أن دعت فصائل أخرى إلى فتح جبهاتها. واللافت أنّ قائد القسّام وجّه هذه الدعوة في أوّل بيان له بعد بدء العملية، وكأنّها جزء من الخطّة لا طلب لاحق للدعم والإسناد. وتوحي الدعوة أنّ “حماس” قامت بهجومها من دون أيّ إعداد مسبق مع حلفائها في الإقليم، وربّما في غزّة أيضاً، وأنّ الدعوة التي وجّهها الضيف تبلّغ الحلفاء عبر بيان رسمي وتروم أو تتمنّى وضع عمليّتها داخل سياق إقليمي أوسع.

يمثّل الأمر امتحاناً لـ”وحدة الجبهات” التي لطالما توعّدت بها إيران ولوّح بها الأمين العامّ للحزب في لبنان ويحيى السنوار، رئيس حركة حماس في قطاع غزّة. والواضح أنّ تفعيل هذه الجبهة تقرّره طهران وحدها ولن يكون آليّاً ما إن يطلق أحد الفصائل المتحالفة مع إيران عملية أو معركة. فحتى كتابة هذه السطور لم تتجاوز الجماعات الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن حدود المقبول ولم تمسّ خطوطاً حمراً ممكن أن تهيّئ لفتح الجبهات تضامناً مع “حماس” في غزّة.

لم يسبق لحركة حماس في الحروب التي خاضتها سابقاً أن دعت فصائل أخرى إلى فتح جبهاتها. واللافت أنّ قائد القسّام وجّه هذه الدعوة في أوّل بيان له بعد بدء العملية، وكأنّها جزء من الخطّة لا طلب لاحق للدعم والإسناد

توحي الضربات التي شنّها الحزب، الأحد، ضدّ 3 مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، بتقيّد الحزب بالتفاهمات التي ما برحت تنظّم قواعد الاشتباك في جنوب لبنان. وفي كلّ مرّة “اضطرّ” الحزب إلى تسجيل موقف أو ردّ فعل كانت هذه المناطق “المتنازَع عليها” في القانون الدولي هي ميدان الفعل العسكري مقابل اكتفاء إسرائيل بالردّ من خلال قصف محدود على مناطق مفتوحة وإقفال “الإشكال”. ويوحي البيان الذي صدر، السبت، عن الحزب بعد ساعات على بدء عملية “طوفان الأقصى” بموقف الحدّ الأدنى من التضامن مع “الشقيق” الفلسطيني واستخدام أقصى الممكن من العبارات من دون أيّ وعود غير “مواكبة التطوّرات المهمّة على الساحة ‏الفلسطينية عن كثب”.

إيران أيضاً لن تتدخّل

لا يختلف موقف إيران نفسها عن هذا التقويم. لم تتجاوز التصريحات والمواقف الرسمية المختلفة الصادرة في طهران (المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، المتحدّث باسم الحكومة، المتحدّث باسم وزارة الخارجية…) اللغة المفترض أن تستخدمها دولة تبيع خطاباً مقاوماً ممانعاً ثورياً منذ عام 1979. لا بل إنّ من يتفحّص أبجدية ما صدر يستنتج ضعفاً في لهجته وضموراً في مضمونه ولا يتّسق مع ما كان يصدر من غزّة، سواء في ما أعلنه محمد الضيف وما ردّده أبو عبيدة الناطق باسم القسّام أو في ما يمثّله الحدث من فرادة تاريخية نادرة وما يُتوقّع منه أن يحمل كثيراً من المياه إلى الطاحونة التي تديرها إيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية.

وأمس أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية أنّ “اتهام طهران بالضلوع في العملية المباغتة التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل يستند إلى دوافع سياسية”، وأنّ طهران “لا تتدخل في قرارات الدول الأخرى، بما فيها فلسطين”.

توحي الضربات التي شنّها الحزب، الأحد، ضدّ 3 مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا، بتقيّد الحزب بالتفاهمات التي ما برحت تنظّم قواعد الاشتباك في جنوب لبنان

يأتي الحدث بعد مرحلة مكثّفة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران انتهت في أيلول الماضي إلى إبرام اتفاق تبادل السجناء مقابل حصول إيران على 6 مليارات دولار من ودائعها المجمّدة في كوريا الجنوبية. يأتي أيضاً مواكباً لأجواء تصدر من طهران توحي بأنّ هذا الاتفاق يمهّد لاتفاق أكبر يتعلّق بالبرنامج النووي. ويأتي الحدث بعد أشهر على إبرام طهران والرياض اتفاقاً مبشّراً في بكين في 10 آذار الماضي ما زالت مفاعيله تنتج أعراضاً إيجابية، سواء في تبادل البعثات الدبلوماسية أو في سياق تبريد الملفّات، لا سيّما في اليمن.

وفق هذه المعطيات قد يمكن فهم مقاربة طهران لحدث غزّة، إذ إنّ ما حقّقته كدولة في علاقاتها مع دول المنطقة والعالم وما تعوّل على تحقيقه لاحقاً يفرضان عليها سلوكاً أكثر اتّزاناً ورويّة. وهذا ما يفسّر انخفاض درجات التوتّر لدى الحزب في لبنان والحوثيين في اليمن والفصائل الولائية في سوريا والعراق التي يُتوقّع منها وفق قاعدتها العقائدية أن لا تضيّع فرصة تاريخية غير مسبوقة بهذا الحجم. واللافت أنّ “الحكمة” هبطت على طهران على الرغم من أنّ التيار الأكثر ولاء لإيران داخل “حماس” هو الذي يخوض المعركة الحالية.

اللافت أنّ عدّة مصادر إيرانية نفت ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن تواطؤ ضبّاط فيلق القدس في الإعداد للعملية، ولجأت مصادر أخرى إلى النأي بالنفس عن أيّ علاقة بها. والأرجح أنّ إيران تعوّل على تغيّر في ميزان القوى الإقليمية الدولية لمصلحتها أيّاً كانت مآلات هذه المعركة. فلم تعد إسرائيل بعد “يومها الأسود” تشكّل خطراً وجودياً مباشراً على نظام الجمهورية الإسلامية. فَقَدَ الجيش الإسرائيلي مستويات الردع التي كان يوحي بها وفضحت المعركة عوراته ومواطن الضعف في هياكله. وسلّطت المعركة المجهر على تصدّع المجتمع السياسي وعجز بنيويّ لدى دوائر المخابرات والمعلومات في الدولة الإسرائيلية. ويمكن هنا لإيران أن ترى في معركة غزّة ردّاً انتقامياً عجزت عنه طهران على الهجمات الإسرائيلية التي لم تتوقّف ضدّ مصالحها في سوريا وداخل إيران نفسها.

لن تتحرّك جبهة الحزب

وفق المشهد الحالي لن تتحرّك الجبهة الشمالية ضدّ إسرائيل وستبقى الحدود الجنوبية للبنان ممسوكة مراقَبة مضبوطة من قبل الحزب. والأرجح أنّ حركة حماس في لبنان لن تتحرّك إلا وفق أجندة طهران لا أجندة غزّة. والواضح أنّ طهران لا تريد أن تفقد في لبنان تفاهمات مع واشنطن أفضت إلى تسهيل الحزب ترسيم الحدود البحرية، وهي بصدد عقد تفاهمات جديدة بشأن الحدود البرّية، لمّح إليها نصر الله في إطلالته الأخيرة، تسهّل مهمّة المبعوث الأميركي آموس هوكستين في هذا الصدد. 

إقرأ أيضاً: قطار الشرق الأوسط الجديد يتوقّف

لم يخفِ مزاج لبناني عبّرت عنه بعض المنابر السياسية تخوّفه من انخراط الحزب في هذه الحرب. وراجت على وسائل الإعلام الاجتماعي دعوات تقول: “معهم، لكن ما دخلنا”. والواضح أنّ لسان الحزب يقول “وهو كذلك. وإذا ما نشر الإعلام في لبنان معلومات واردة من باريس عن أنّ فرنسا نصحت الحزب بعدم التدخّل، فإن كان ذلك صحيحاً فهو بلا قيمة ما دام الحزب ينفّذ بدقّة وولاء وإخلاص ما تريده طهران لا ما تنصح به باريس”.

على الرغم من نفي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وجود أدلّة عن تورّط إيران، إلا أنّ العالم يدرك أنّ إيران مستفيدة من اختلال الموازين الذي أحدثته عملية “طوفان الأقصى” أيّاً كانت مآلاتها النهائية. ولئن تخشى إسرائيل من تحريك طهران لجبهة لبنان الجنوبية، فإنّ إيران تمسك بمفتاح هذه الجبهة بما يعزّز شراكتها في تصعيد أو تهدئة الموقف الذي استدعى استنفاراً أميركياً لافتاً. وإذا ما كانت الأجواء تشير إلى عدم وجود خطط لتفعيل جبهة لبنان حتى الآن، فإنّ أمر ذلك خاضع فقط لأجندة إيران وحساباتها في ميزان أرباح وخسائر ما يجري على جبهة غزّة.

لمتابعة الكاتب على تويتر: mohamadkawas@

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…