السّعوديّة النّوويّة: لن نقبل بأقلّ من المساواة مع إيران

مدة القراءة 6 د


“لن نقبل أيّ اتفاق لا يمنح السّعوديّة ما وافقت عليه واشنطن لإيران في اتفاق 2015، وما تغاضت عنه لإسرائيل طوال السّنوات الماضية في ما يتعلّق بتخصيب اليورانيوم” كلّ دولة على أراضيها. بحسب مصدر مسؤول في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، هذا ما أبلغه وليّ العهد السّعوديّ إلى من يعنيهم الأمر في الولايات المُتحدة الأميركية.

يكشف المصدر لـ”أساس” أيضاً أنّ بعض الخُبراء في مكتب الأمن القومي حذّروا البيت الأبيض من أنّ إصرار السّعوديّة على تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وإن كان بالشّراكة مع القطاع الخاصّ الأميركيّ، قد يجرّ واشنطن إلى نتيجة تُشبه ما حصل حين طالبت السعودية بالشّراكة النّفطيّة، التي بدأت مع شركات أميركيّة وانتهَت باستحواذ السّعوديّة على كامل الحصص في شركة “أرامكو”، أكبر شركة نفط في العالم.

فلماذا تشترطُ المملكة العربيّة السّعوديّة الموافقة على برنامج نوويّ سلميّ يتضمّن تخصيب اليورانيوم على أراضيها للتطبيع مع إسرائيل؟

قبل وليّ العهد أكّد وزير الطّاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان رغبة بلاده في استكمال “دورة الوقود النووي بأكملها، بما يتضمّن إنتاج الكعكة الصفراء، المنخفضة اليورانيوم المخصّب، وتصنيع الوقود النووي لاستخدامنا الوطني وبالطبع للتصدير”

مقابلة فوكس نيوز

ارتفعت حدّة السّؤال إثر كلام وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في مُقابلته الأخيرة مع “فوكس نيوز”، حيث أعادَ تأكيد تصريحاته السّابقة: “نسعى إلى برنامج نوويّ سلميّ، لكن إذا طوّرَت إيران قنبلة نوويّة، فسنسعى إلى الحصول على قنبلة مثلها”.

قرأ كثيرون كلام بن سلمان وهم تملأهم خشية من تحوّل المنطقة إلى حلبة سباق تسلّح نوويّ. لكن في حقيقة الأمر كانَ إعلان محمّد بن سلمان تأكيداً على أولويّة سلميّة البرنامج النّوويّ السّعوديّ، ورسالةً إلى من يعنيهم الأمر أنّ المملكة جادّة إلى أبعد الحدود في دخول نادي الدّول النّوويّة، في مُقابل أو بدونه.

قبل وليّ العهد أكّد وزير الطّاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان رغبة بلاده في استكمال “دورة الوقود النووي بأكملها، بما يتضمّن إنتاج الكعكة الصفراء، المنخفضة اليورانيوم المخصّب، وتصنيع الوقود النووي لاستخدامنا الوطني وبالطبع للتصدير”.

النخبة الأميركيّة “خائفة”

في هذا السياق تبدو “النخبة” الأميركية “خائفة”، بل “مرعوبة”. فقد كشف موقع “AXIOS” الأميركيّ المُقرّب من الحكومة الإسرائيليّة، أنّ مجموعة من الخبراء والمسؤولين السابقين في الحزبيْن الجمهوري والديمقراطي وجّهوا رسالة للرئيس جو بايدن بخصوص “الطلب النووي السعودي” الذي هو جزء من صفقة التطبيع المُحتملة مع إسرائيل.

في تقرير للكاتب باراك رافيد، ذكر الموقع أنّ الخبراء في المجال النووي والمسؤولين السابقين في شؤون الشرق الأوسط، وعددهم 27 في الحزبين، حثّوا بايدن على عدم السماح للسعودية بامتلاك برنامج تخصيب على أراضيها. لكن في الوقت نفسه أكّدوا دعمهم التطبيع، واعتبروا أنّ المملكة لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لإنتاج الطاقة النووية السلمية.

من بين الموقّعين ديفيد أولبرايت، أحد كبار الخبراء النوويين في العالم، وأولي هاينونن وبيير غولدشميت، وكلاهما نائبان سابقان للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعقوب ناغل مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

يخشى بايدن أيضاً أن تنهار جهوده في التطبيع بين الرّياض وتل أبيب، وتُعوّض السّعوديّة طموحها النّوويّ من خلال الصّين أو روسيا

نوويّ عربيّ

يهدف الإصرار السّعوديّ إلى إرساء التوازن النّوويّ المفقود في المنطقة، إذ لا تمتلك أيّ دولة عربيّة برنامجاً لتخصيب اليورانيوم على أراضيها، في مُقابل برنامجَيْ إسرائيل وإيران، وبدء تركيا بالعمل على برنامجها النّوويّ:

– تمتلك إسرائيل برنامجاً نوويّاً تجاوزَ مسألة “تخصيب اليورانيوم” منذ عشرات السّنين، وباتت قوّة نوويّة عسكريّة، أقلّه منذ عام 1979، بترسانة تزيد على 150 رأساً حربيّاً، بحسب موقع “Federation of American Scientists“، الذي نقل تقارير عن مُجمّع الاستخبارات الأميركيّة تعود إلى تسعينيّات القرن الماضي.

– على الرّغم من تأكيد إيران الدّائم عدم نيّتها تطوير أسلحة نوويّة على لسان مُرشد الثّورة علي خامنئيّ، والرّؤساء المُتعاقبين منذ ولاية محمّد خاتمي وصولاً إلى إبراهيم رئيسي ومروراً بمحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، لا تطمئن الدّول العربيّة إلى نزعتها التّوسّعيّة ونواياها.

إلى ذلك أعطت خطّة العمل المُشتركة (JCPOA)، أو ما يُعرف بالاتفاق النّوويّ الإيرانيّ الذي وُقِّعَ عام 2015، إيران الحقّ بتخصيب اليورانيوم على أراضيها بإشراف الوكالة الدّوليّة للطّاقة الذّريّة، ولو بنسبة مُحدّدة.

ولئن رسمَ الاتفاق حدود تخصيب اليورانيوم لإيران، فإنّها بعد انسحاب الرّئيس الأميركيّ السّابق دونالد ترامب من الاتفاق النّوويّ تجاوزت عتبة الـ3.67% والكميّة المسموح بها من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20%، ووصلت إلى مشارف 90%، وهو ما يُبقيها على مسافة قليلة من إنتاج قنبلة نوويّة متى قرّر خامنئي ذلك.

يُضاف إلى ذلك الهواجِس التي عبّر عنها مسؤول فرنسيّ سابق في مجلسٍ خاصّ وعِمادها أنّ إيران تسعى إلى “إتمام” برنامجها النّوويّ والوصول إلى برنامج متينٍ يُمكّنها من تحقيق أيّ هدفٍ مدنيّ أو عسكريّ نحوَ القُنبلة النّوويّة، وحينئذٍ تكون إيران جادّة في التّفاوض على برنامجها.

إدارة بايدن في مأزق

استطاعت السّعوديّة أن تحشرَ إدارة جو بايدن. فالأخير يُريدُ إنجاز اتفاق تطبيع بين الرّياض وتل أبيب قبل نهاية العام الجاري، إذ إنّ الحملة الانتخابيّة للمعركة الرّئاسيّة المُقبلة في تشرين الثّاني 2024 ستفرضُ نفسها على أجندة سيّد البيت الأبيض.

إقرأ أيضاً: كتاب الأمير.. سبعة فصول

يتّجه بايدن نحوَ معركته الرّئاسيّة الصّعبة، بيديْن خاليتيْن من الإنجازات الخارجيّة. وفي هذا الإطار يُشدّد المصدر على أنّ الرّئيس الأميركيّ يُريدُ الذّهاب إلى يوم الانتخابات محقّقاً “انتصارات” سياسية بـ3 ملفّات خارجيّة أساسيّة:

الأوّل: أن يُنجِزَ التطبيع السّعوديّ – الإسرائيليّ.

الثّاني: أن يُحاول العودة إلى الاتفاق النّوويّ مع إيران. وفي هذا الإطار، تبادل الإيرانيّون والأميركيّون الرّسائل عبر قطر وسلطنة عُمان أثناء وجود الوفد الرّسميّ الإيرانيّ على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة الأسبوع الماضي.

الثّالث: أن يستكمل مُعالجة النّقاط المُتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل في الحدود البرّيّة، استكمالاً لاتفاق الترسيم البحريّ. ومن المُرتقب أن يحطّ الوسيط الأميركيّ آموس هوكستين رحاله في بيروت بعد أسابيع قليلة لمُحاولة إنجاز الملفّ بأسرع وقتٍ مُمكن.

يخشى بايدن أيضاً أن تنهار جهوده في التطبيع بين الرّياض وتل أبيب، وتُعوّض السّعوديّة طموحها النّوويّ من خلال الصّين أو روسيا. ولئن كان هذا الخيار بعيداً، إلّا أنّ توقيع الرّياض لاتفاقيّات استراتيجيّة مع بكّين وموسكو في الأعوام الماضية خير دليل على أنّ المملكة على استعدادٍ لتذهب بعيداً في حال لم يُوافق الأميركيّون على مطالبها.

 

مواضيع ذات صلة

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…

“الفرصة الأخيرة” وسط الألغام

قبل ساعات من وصول الموفد الأميركي آموس هوكستين تقصّد العدوّ الإسرائيلي كما الحزب رفع مستوى الضغط الميداني إلى حدّه الأقصى: إسرائيل تكرّر قصف عمق العاصمة…