وحدهم الكبار يعتذرون ويعترفون بالخطأ. هذا ما لا يستطيع جبران باسيل الرئيس القديم – الجديد لـ”التيّار الوطني الحرّ” عمله. لا يستطيع الاعتذار عن كارثة الكهرباء في لبنان، وهي كارثة تسبّب بها شخصياً. لا يستطيع الاعتذار عن دوره في لعب دور الأداة المسيحية في توفير غطاء لسلاح الحزب الذي هو في أساس الانهيار اللبناني… وهو انهيار لا قعر له. كيف يستطيع سياسي لبناني يعتبر نفسه مدافعاً عن الدستور تجاهل وجود مطار أقامه حزب، ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، في جنوب لبنان غير بعيد عن بلدة جزّين المسيحيّة؟
مطار السقوط
ليس المطار الإيراني، الذي بدأ إنشاؤه في عهد ميشال عون – جبران باسيل، سوى عنوان عريض للسقوط اللبناني ولغياب أيّ فائدة من حوار مع الحزب من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة. يفتخر جبران باسيل بحوار يجريه مع الحزب من أجل الحصول على مكاسب معيّنة من نوع الصندوق الائتماني واللامركزيّة الماليّة. ما نفع ذلك كلّه ما دامت إيران تسيطر على كلّ مفاصل الدولة اللبنانيّة أو ما بقي منها في غياب صوت يسأل أين مصلحة لبنان في مطار تتحكّم به إيران في جنوبه؟
يعيش جبران باسيل في عالم خاصّ به لا علاقة له بلبنان. انقطاع الكهرباء حصل في بلد آخر غير لبنان، كذلك السلاح الميليشيويّ غير الشرعي. لم يحصل تفجير لمرفأ بيروت. على العكس من ذلك المرفأ بخير وصار نقطة جغرافية معتمَدة في خطّ ربط الشرق الأوسط والخليج بأوروبا والهند عبر خطوط للسكّة الحديد. الممرّ المعتمَد في قمّة العشرين، التي انعقدت في نيودلهي، يمرّ بميناء حيفا الإسرائيلي وليس ببيروت!
هذا التغافل، الذي يتكشّف كلّما تحدّث جبران باسيل، جريمة في حقّ لبنان واللبنانيين، وخصوصاً في حقّ المسيحيين الذين يزداد تهميش دورهم ووجودهم يوماً بعد يوم. الأكيد أنّ الحقّ ليس على جبران باسيل أو ميشال عون وحدهما. الحقّ على المسيحيين الذين يصوّتون لمرشّحي “التيار” والذين يتبيّن مع مرور الوقت أنّهم مجرّد جماعة لم يستوعب معنى انتقال ميشال عون من حضن صدّام حسين في عام 1990 إلى حضن علي خامنئي في عام 2006 عندما وقّع وثيقة مار مخايل مع حسن نصرالله…
ليس المطار الإيراني، الذي بدأ إنشاؤه في عهد ميشال عون – جبران باسيل، سوى عنوان عريض للسقوط اللبناني ولغياب أيّ فائدة من حوار مع الحزب من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة
غياب العصب المسيحيّ المقاوم
لبنان في وضع لا يُحسد عليه في غياب عصب مسيحي مقاوم ووجود سنّيّ معترض. كلّ ما يسعى إليه جبران باسيل هو إيجاد ثغرة يُقنع من خلالها الحزب ومن خلفه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران أنّه ما يزال صالحاً لأن يكون رئيساً للجمهوريّة. يعتبر نفسه ضمانة خضعت لكلّ الاختبارات التي يمكن أن تكون مطلوبة من الحزب. كان ذلك قبل أن يصبح ميشال عون رئيساً للجمهوريّة في 31 تشرين الأول 2016 وبعده. مَن غير الثنائي ميشال عون – جبران باسيل كان يستطيع تغطية اغتيال الضابط الطيّار سامر حنّا الذي قتله عنصر من الحزب بدم بارد لأنّه حطّ في طائرة هليكوبتر في أرض لبنانيّة محظور عليه الهبوط فيها أو التحليق فوقها؟ مَن غير ميشال عون يستطيع قول عبارة وقحة من نوع “شو راح يعمل” هذا الطيّار في الجيش اللبناني فوق تلك الأرض اللبنانيّة؟
يمكن تعداد عشرات الأمثلة التي أظهر، من خلالها، جبران باسيل بالتفاهم مع عمّه “الجنرال” قدرتهما على تأدية خدمات لا يجرؤ غيرهما على تقديمها للاحتلال الإيراني. ليس أفضل من جبران باسيل في العمل تحت شعار عريض اسمه السلاح يحمي الفساد لتنفيذ سياسة تصبّ في تهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. مَن غير ميشال عون يستطيع شنّ حملة على اللواء وسام الحسن وتوجيه تهديد مباشر له تمهيداً لاغتياله بعدما كشف وسام، بين ما كشف، دور أشخاص معيّنين في تنفيذ تفجيرات لمصلحة النظام السوري وأجهزته؟
ما ذكرناه غيض من فيض الخدمات التي قدّمها جبران باسيل وميشال عون، بدءاً بحرمان اللبنانيين من الكهرباء وصولاً إلى تسهيل انهيار النظام المصرفي اللبناني ورفض أيّ تحقيق دولي في تفجير مرفأ بيروت.
من حقّ جبران باسيل تأكيد أن لا أحد يستطيع مجاراته في دور الأداة لدى الحزب. الأكيد أنّ الوزير السابق سليمان فرنجيّة لا يستطيع النزول إلى هذا الدرَك، لكنّ للحزب حسابات خاصّة به تجعله يتمسّك بمرشّحه. يعود ذلك إلى أنّ المهمّ بالنسبة إلى إيران تكريس واقع معيّن. يتمثّل هذا الواقع في أنّ لبنان ورقة إيرانيّة ولا شيء غير ذلك. إيران تقرّر مَن هو الرئيس الماروني في لبنان وإيران تقرّر حجم السُّنّة في لبنان ووزنهم السياسي. مَن يحتاج إلى تأكيدٍ لذلك، يستطيع العودة إلى الاجتماع الذي عُقد في بيت السفير السعودي بين 21 نائباً سنّيّاً والمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان بحضور المفتي عبد اللطيف دريان. ظهر نتيجة اللقاء أنّ النوّاب الـ21، من أصل 27 نائباً سنّيّاً، موزّعون على أربع مدارس في التفكير!
من حقّ جبران باسيل مطالبة الحزب بإنصافه، لأنّه ليس في البلد، بما في ذلك الرئيس السابق إميل لحّود، من يستطيع مجاراته في مجال تقديم الخدمات لإيران. فعندما كان وزيراً للخارجية، لم يكن جبران سوى ممثّل “الجمهوريّة الإسلاميّة” وصوتها في أيّ اجتماع لوزراء الخارجيّة العرب.
إقرأ أيضاً: الحقيقة المرّة: لبنان ليس على طاولة التفاوض
في خطابه الأخير، بعد إعادة تعيينه رئيساً لـ”التيار الوطني الحر” كان جبران باسيل يقول للحزب إنّه ما يزال المرشّح الأفضل لرئاسة الجمهوريّة. فاته أنّ للحزب حسابات خاصّة به، من بينها أنّه يعتبر وصول سليمان فرنجيّة إلى قصر بعبدا جزءاً من صفقة ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل. ما كان لهذه الصفقة أن تتمّ من دون ضوء أخضر إيراني ما زالت “الجمهوريّة الإسلاميّة” تريد قبض ثمنه!