لو يدري لودريان

مدة القراءة 3 د


رئيس الجمهورية في لبنان هو رمز وحدة الأمّة والمؤتَمن على الدستور، كما ينصّ على ذلك الدستور ذاته. ولكنّ مَن الذي يجعل من الرئيس رئيساً؟ نعرف جيّداً آليّة الوصول إلى الرئاسة، لكن لا نعرف الشروط والمواصفات. ولا نعرف مَن يتّخذ القرار بإشعال الضوء الأخضر أمام موكبه الرئاسي إلى مجلس النواب وكيف.
صحيح أنّ المرشّح للرئاسة يجب أن يكون لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات، لكن من الذي يقرّر رئاسته وكيفية وصوله إلى الرئاسة الأولى؟ ومن يحدّد مواصفاته ومؤهّلاته وبرنامج (؟) عمله الرئاسي؟
من حيث الشكل، مجلس النواب هو الذي ينتخب الرئيس. ولكن مَن الذي يقرّر مَن هو الرئيس؟ فالمجلس لا ينتخب إلا بعد أن يكون قد تمّ التوافق، فيأتي الاقتراع على شاكلة “تحصيل حاصل”، خالياً من أيّ تنافس ديمقراطي حرّ، فيكون أشبه بالموافقة (والمباركة) على التعيين الذي يكون قد تمّ في مكان ما، وبكيفية ما.. وبالتزامات ما.
المهمّ أن يكون للبنان رئيس. أمّا كيف يصل، ومن يوصله، فتلك أمور جانبية وثانوية. لا تمسّ السيادة بسوء ولا تخدش عنفوان السيادة بجراح. المهمّ أن يكون للبنان رئيس يملأ فراغ رمز وحدة الأمّة وسيادتها. أمّا كيف يصل فتلك تفاصيل ثانوية وشكلية وحسب ليس من الحكمة في شيء إضاعة الوقت في التوقّف أمامها.
نحن قوم كما كان يقول الشاعر الجاهلي: “لنا الصدر دون العالمين أو القبر”.

المبعوث الفرنسي بصمته أبلغ كلاماً من جعجعة الدوران في الحلقة المفرغة للمساومات المتقلّبة والرهانات الخاسرة. فالمهمّ صناعة رئيس يكون رمزاً للسيادة الوطنية

عندما استحقّ على لبنان تسديد قروض اليوروبوندز تمنّع عن الدفع ودعا أصحاب الحقوق إلى أن “يبلّطوا البحر” (؟). وفي كلّ مرّة يدعو البنك الدولي المسؤولين اللبنانيين إلى إقرار إصلاحات في النظام المالي والضريبي، يردّ لبنان بتعهّدات لا يلتزم بها تمسّكاً منه بالسيادة والقرار الحرّ!!
إنّ رئيس الجمهورية (السابق واللاحق) هو رمز هذه السيادة. وبسبب هذه الرمزية يعمل الآخرون، جميع الآخرين، على صناعته. حتى إذا وصل، سواء من البوّابة الفرنسية أو الأميركية أو القطرية، أو حتى الصومالية، تُعزف له موسيقى السيادة والعنفوان وتصدح أناشيد الوطنية والاستقلال!!
على الرغم من صمته العميق، يعرف اللبنانيون من المبعوث الفرنسي لودريان أكثر ممّا يعرفونه من التصريحات والبيانات الرنّانة التي تطلقها القوى والجماعات اللبنانية المؤيّدة لهذا المرشّح أو ذاك. المبعوث الفرنسي بصمته أبلغ كلاماً من جعجعة الدوران في الحلقة المفرغة للمساومات المتقلّبة والرهانات الخاسرة. فالمهمّ صناعة رئيس يكون رمزاً للسيادة الوطنية، ولو عن طريق لا تمتّ إلى السيادة بصِلة!!

إقرأ أيضاً: لودريان في بيروت بعد لقاءين: دبلوماسيّة فرنسيّة بوقود سعوديّ

يُقال إنّ أجمل امرأة لا تستطيع أن تعطي أحسن ممّا عندها. وهذا أحسن ما عند أهل السياسة من أصحاب الحلّ والعقد في وطننا الحرّ السيّد المستقلّ جدّاً.

مواضيع ذات صلة

الرياض: حدثان اثنان لحلّ لبنانيّ جذريّ

في الأيّام القليلة الماضية، كانت مدينة الرياض مسرحاً لبحث جدّي وعميق وجذري لحلّ أزمات لبنان الأكثر جوهرية، من دون علمه، ولا علم الباحثين. قسمٌ منه…

الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة

هل انتهى الحزب؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فما هو شكل اليوم التالي؟ وما هي الآثار السياسية المباشرة لهذه المقولة، وكذلك على المدى المنظور؟ وما هو…

أكراد الإقليم أمام مصيدة “المحبّة” الإسرائيليّة! (2/2)

عادي أن تكون الأذهان مشوّشة خارج تركيا أيضاً بسبب ما يقوم به دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية وحليف رجب طيب إردوغان السياسي، وهو يدعو…

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…