الكويت: إلى الصين… بسبب “عدم الثقة” بأميركا

2023-09-12

الكويت: إلى الصين… بسبب “عدم الثقة” بأميركا


تمضي الكويت في سياستها الخارجية المتّزنة القائمة على أسس العلاقات الجيّدة والصداقة مع جميع الدول، لكنّها في الوقت نفسه تتطلّع إلى توسيع الوعاء الاقتصادي مع دول كبرى، مثل الصين، بما ينعكس إيجاباً على الطموحات الكبيرة التي تحتويها “رؤية الكويت 2035”.

إن كانت العلاقات مع الولايات المتحدة خصوصاً، والغرب عموماً، قويّة ومتجذّرة وذات أساسات صلبة، فإنّ العلاقات مع الصين لا تقلّ أهمية بالنسبة للكويت، التي تعدّ أكثر دولة عربية قدّمت قروضاً مُيسّرة إلى الصين (نحو مليار دولار منذ 1982)، وكانت أول دولة عربية تستثمر في الصندوق السيادي الصيني بنحو 10 مليارات دولار منذ 2005. وتعدّ هيئة الاستثمار الكويتية أوّل جهة أجنبية استثمرت في خطوط السكك الحديد الفائقة السرعة في الصين.

تمضي الكويت في سياستها الخارجية المتّزنة القائمة على أسس العلاقات الجيّدة والصداقة مع جميع الدول، لكنّها في الوقت نفسه تتطلّع إلى توسيع الوعاء الاقتصادي مع دول كبرى، مثل الصين

اتفاقيّات ضخمة

للبناء على هذه الأسس وتوسيعها، يزور وليّ عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد، الأسبوع المقبل، الصين لتوقيع اتفاقيات ضخمة. وقد حرصت بكين على دعوته مع عدد قليل من الزعماء إلى حضور افتتاح دورة الألعاب الآسيوية المقرّر إقامتها في مدينة هانغجو، اعتباراً من 23 أيلول الحالي.

ومن أبرز الاتفاقيات المرتقب توقيعها:

– اتفاقية لاستكمال تشييد وتشغيل ميناء مبارك الكبير الواقع في شرق جزيرة بوبيان المطلّة على خور عبدالله والذي تسعى الكويت إلى أن يكون واحداً من أكبر الموانئ في الخليج العربي.

– اتفاقية تتعلّق بمشاريع الإسكان يتمّ بموجبها بناء مدينة متكاملة مكوّنة من 25 ألف وحدة.

– اتفاقية تعاون لإنشاء مشروع حيوي للطاقة البديلة والمتجدّدة في الكويت.

5 عوامل أساسية

في السنوات القليلة الماضية، تعمّقت العلاقات الصينية – الخليجية عموماً، والعلاقات الصينية – الكويتية خصوصاً، انطلاقاً من عوامل ومحدّدات متنوّعة، أبرزها:

– أوّلاً: إنّ الكويت، شأنها في ذلك شأن دول الخليج، تنظر بارتياح إلى التعامل السياسي مع الصين، التي ترفض التدخّلات الخارجية في شؤون الدول، سواء تحت ذريعة حقوق الإنسان أو أيّ ذرائع أخرى، وترفض أيضاً أيّ انتهاك لسيادة الدول، ولا تؤيّد سرّاً ولا علناً أيّ محاولات لتغيير الأنظمة، أو تحيك مؤامرات تحت جنح الظلام.

– ثانياً: في السياسة والنظرة المشتركة، ينتهج البلدان سياسة خارجية براغماتية، ويسعيان إلى الحفاظ على الحياد النسبي في النزاعات، ويُعدّ استقرار الشرق الأوسط مصلحة استراتيجية للصين لأنّ الأزمات تشكّل تهديداً لمبادرتها الطموحة “الحزام والطريق” (طريق الحرير)، ولذلك تنظر بكثير من الإيجابية إلى سياسات الكويت التي تتميّز بأدوارها في حلّ النزاعات والوساطة وتقريب وجهات النظر، استناداً إلى إرثها الطويل في العلاقات الجيّدة مع مختلف الدول والأطراف.

– ثالثاً: في المردود الاقتصادي، تنظر الكويت إلى الصين كشريك أساسي واستراتيجي في تطوير موانئها البحرية التي تُعتبر مركزاً لوجستياً يمكن من خلاله إعادة توريد المنتجات إلى أطراف ثالثة في إطار مشروع “طريق الحرير”.

يضاف ذلك إلى دور الصين في مشاريع البنية التحتية في الكويت، إذ تشارك شركاتها حالياً في 77 مشروعاً مهمّاً، من بينها مدينة المطلاع الجديدة في محافظة الجهراء، التي تغطي مساحة قدرها 30 كيلومتراً مربّعاً، وتستوعب نحو 400 ألف ساكن.

من أوجه التعاون أيضاً الخطّ المباشر الذي فتحته الخطوط الجوّية الكويتية بين الكويت ومدينة كوانزو الصينية، والدور الكبير للشركات الصينية في تحقيق تغطية شبكة 5G  للاتصالات والإنترنت في الكويت بنسبة عالية.

في السنوات القليلة الماضية، تعمّقت العلاقات الصينية – الخليجية عموماً، والعلاقات الصينية – الكويتية خصوصاً، انطلاقاً من عوامل ومحدّدات متنوّعة

أكبر شريك تجاري… وسابع مورّد نفطي

– رابعاً: حجم التبادل الضخم والمتنامي بين البلدين، إذ تُظهر أحدث الأرقام أنّه بلغ أكثر من 30 مليار دولار في نهاية 2022، بزيادة قدرها نحو 42% مقارنة بعام 2021. وبلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الكويت نحو 6 مليارات دولار، فيما وصلت وارداتها النفطية إلى نحو 26 ملياراً. وبذلك باتت الكويت شريكاً مهمّاً للصين، بحلولها في المرتبة السابعة في قائمة مصدّري النفط، فيما أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للكويت.

يُعدّ تنامي التبادل التجاري بين الصين والكويت جزءاً من تنامي التجارة بين الصين ودول الخليج عموماً، إذ تُظهر الأرقام الرسمية أنّها ارتفعت بنسبة 36% في 2022، مسجّلة مستوى قياسياً بنحو 316 مليار دولار، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لدول الخليج (الصادرات الخليجية إلى الصين تبلغ نحو 209 مليارات دولار، مقابل واردات منها بقيمة 107 مليارات دولار).

– خامساً: الحاجة الملحّة للصين إلى ضمان وارداتها من النفط، إذ تشير التقديرات إلى أنّها ستواصل الاعتماد بشكل كبير على الاستيراد من دول الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا حتى عام 2050. ونظراً للعلاقات الوثيقة والاستراتيجية بين أميركا ودول الخليج، فإنّ الصين تريد تعزيز علاقاتها مع هذه الدول لضمان التدفّق السلس للنفط، في خضمّ المواجهة الاقتصادية مع الولايات المتحدة.

بالنسبة للكويت، فإنّ الصين هي بلد مضمون لشراء النفط، وقابلة لاستيعاب أيّ زيادة في التوريدات، فهي ثاني مستهلك للنفط في العالم، إذ تستهلك يومياً نحو 14 مليون برميل بعد الولايات المتحدة التي تستهلك نحو 19 مليون برميل يومياً.

 

امتعاض أميركيّ

جعلت هذه المُحدّدات الخمسة العلاقات بين البلدين مُتبادلة المنافع، سياسياً واقتصادياً، لكنّ مسار تعميقها لا يخلو من تحدّيات، لأنّ ذهاب الكويت إلى ما هو أبعد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية، قد يواجه امتعاضاً غربياً. وسبق أن وجّه الأميركيون انتقادات ناعمة لخطط تعاون الكويت التكنولوجي مع الصين، لا سيما في مجال شبكات الإنترنت 5G، وهناك حديث الآن عن احتمال أن تكون الكويت أوّل دولة عربية تساعدها الصين في شبكات الجيل 5.5 (5.5G).

في 2018 زار أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصين، للمرة الثانية، بعد زيارة أولى في 2009، مُدشّناً مرحلة “الشراكة الاستراتيجية” بين البلدين من خلال 7 اتفاقيات، بعدما كانت الكويت أوّل دولة توقّع مذكّرة تفاهم للتعاون مع الصين في مبادرة “الحزام والطريق” في 2014 (بعد عام من إعلان المبادرة في 2013)، وربطها برؤيتها الاستراتيجية “كويت 2035” الرامية إلى جعل بلاده مركزاً اقتصادياً وماليّاً عالمياً.

يُقال إنّ الأميركيين لم يكونوا مسرورين بعد تلك الزيارة، وإنّهم طلبوا من الكويت تجميد العديد من الاتفاقيات الموقَّعة، ولم ينظروا بإيجابية للدخول الصيني إلى الخليج.

إقرأ أيضاً: جِنان … “جنَّنَتْ” الحكومة الكويتيّة

بين 2018 و2023

لكنّ عام 2023 مختلف تماماً عن 2018، إذ لم يعد الدور الأميركي في المنطقة كما كان سابقاً، فالشعور بالفراغ الجيوسياسي الكبير في الخليج ماثلٌ وواضحٌ وراسخٌ، مهما حاولت الولايات المتحدة الإيحاء بعكس ذلك.

وتلقّفت دول الخليج الاندفاعة الصينية إلى المنطقة من بوّابة الاقتصاد، ليس بحثاً عن الحماية، وإنّما عن المصالح الحيوية، لأنّ التقرّب من الصين يؤدّي عملياً إلى تعزيز الخيارات الاستراتيجية، لا سيما بعد التحوّل الأميركي نحو آسيا، الذي اقترن مع الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والتردّد الواضح في دعم الحلفاء بالمنطقة، والاعتماد المتزايد على سلاح العقوبات الاقتصادية، والصفقات المُبرمة بعد مفاوضات سرّية مع إيران.

صحيح أنّ الحديث عن استبدال النفوذ الأميركي بالصيني في الكويت والخليج، فيه الكثير من المبالغة والتضخيم، لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ الثقة الخليجية بالولايات المتحدة لم تعد كما في السابق، وأنّ تنويع العلاقات في عالم متعدّد الأقطاب بات استراتيجية فردية وجماعية لدول الخليج، وأنّ الاستثمار مع الصين مردوده الاقتصادي أكبر من الاستثمار مع الولايات المتحدة، خصوصاً في البنى التحتية والمشاريع الكبرى، وأنّ عوامل الثقة تتعزّز مع الصين مقابل تراجعها مع أميركا.

مواضيع ذات صلة

عام على الطّوفان: العرب يتقدّمون

في حين كان يُنظر إلى المنطقة باعتبارها تعيش عصر القوّة الإيراني نتيجة تمدّد طهران الجيوسياسي، وتزعّمها محوراً يمتدّ من صنعاء إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق…

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…