دفعت حروب الاحتلال الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزّة، والانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالقطاع منذ نحو 15 عاماً، بعد سيطرة حركة “حماس” على الحكم في غزة، إلى موجات هائلة من الهجرة بحثاً عن بدايات جديدة خلف البحار، ووصلت ظاهرة الهجرة إلى حدّ مخاطرة آلاف الغزّيّين، من شباب وأطفال ونساء وشيوخ، بأرواحهم، إذ يغادرون معبر رفح وتكون تركيا أو ليبيا أولى محطّات الهجرة، حيث ينتظرون لإكمال طريقهم إلى اليونان أو إيطاليا عبر قوارب الموت ومنهما إلى البلدان الأوروبية.
أخطر ما في الظاهرة هو نزيف الهجرة الجماعية للشباب في غزّة، الذين يتوقون إلى حياة أفضل حتى لو كان ثمنها احتمال الموت على الطريق. والكثير من الشبّان تركوا جامعاتهم وقرّروا السير بتجربة الهجرة، وباعوا ممتلكاتهم الزهيدة على أمل وصولهم إلى أوروبا، لكنّ النتيجة إمّا فشلهم في الغربة وعدم تحقيق أيّ شيء أو عدم عودتهم إلى القطاع أبداً على شكل خروج نهائي من قطاع غزّة.
دفعت حروب الاحتلال الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزّة، والانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالقطاع منذ نحو 15 عاماً، بعد سيطرة حركة “حماس” على الحكم في غزة، إلى موجات هائلة من الهجرة بحثاً عن بدايات جديدة خلف البحار
تفيد معلومات وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أنّه منذ سيطرة “حماس” على غزّة عام 2007، غادر القطاع أكثر من 860 ألفاً من دون عودة، قضى بعضهم في حوادث غرق قوارب الهجرة غير الشرعية التي كانوا على متنها خلال الإبحار لمسافات بعيدة. وبحسب “وفا” فإنّ أكثر من 360 فلسطينياً من غزّة لقوا مصرعهم أو فُقدوا في البحر خلال العام الماضي أثناء محاولات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث إنّ معظم القوارب المتآكلة تغرق في البحر، وهناك من يُفقد أثره، وربّما يأكله السمك أو ينقله الموج إلى مكان بعيد.
860 ألفاً منذ 2007
يُظهر تقرير صادر عن مجلس العلاقات الدولية أنّ هناك 60 ألفاً هاجروا من غزّة منذ عام 2014 ولم يعودوا إليها، بحثاً عن حياة أفضل. وشكّلت زيادة معدّلات البطالة والفقر، وغياب الأمل لدى الشباب، وعدم وجود أفق سياسي لغزّة، بسبب انفصاله عن الضفّة الغربية، والندرة الشديدة في الوظائف، والأعداد الهائلة من الخرّيجين، وانهيار القطاع الخاصّ بفعل الحصار الإسرائيلي وتدمير المنشآت الاقتصادية والشركات، أرضيّة خصبة لهروب الشباب في غزّة. ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد سكّان قطاع غزّة 2.23 مليون نسمة، 65% منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، و80% منهم يعيشون تحت خطّ الفقر. وفي مشهد بات متكرّراً، يتجمّع مئات الشبّان يومياً أمام بوّابة لمقرّ شركة في غزّة مختصّة بإصدار تأشيرات سفر إلى تركيا، للهجرة منها إلى أوروبا.
تعقيباً على ذلك، رأت الكاتبة الصحافية رفيف إسليم من غزّة، في حديث لـ”أساس”، أنّ “هذا المشهد هو صورة طبيعية في مجتمع محاصَر منذ سنوات، ويعاني من واقع مؤلم وقنبلة ديمغرافية وأوضاع اقتصادية صعبة جدّاً وبطالة كبيرة، على نحو ما تحوّل قطاع غزة إلى مستنقع من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وسط عدم اكتراث من مسؤولي “حماس” في قطاع غزّة والحكومة الفلسطينية في رام الله. وفي محور ظاهرة الهجرة، يبرز دور الاحتلال الإسرائيلي، الذي عمل بدون انقطاع على بثّ الإحباط والفقر بين أهالي غزّة لدفع الشباب إلى الهجرة وترك غزّة، والسؤال الآن: بعد نزيف القوى الشابّة، هل يأتي دور هجرة الكفاءات من غزّة؟”.
لا ينتهي الألم عند الشباب المهاجرين، بل هناك ضحايا كثر، ومنهم زوجات المهاجرين اللواتي يفقن من نومهنّ على وقع أزواج قرّروا الهجرة من دون إعلامهنّ مسبقاً، تاركين إيّاهنّ مع أطفال دائمي السؤال عن آبائهم
مخطّط لإخراج الشباب؟
في ما يتّصل بوجود مخطّط إسرائيلي لإفراغ قطاع غزّة من سكّانه، وبالأخصّ الشباب، أشار المحامي أحمد ق. من سكّان قطاع غزة في حديث إلى موقع “أساس” إلى أنّه “من الواضح في الوقت الحالي أنّ هناك مخطّطاً يستهدف إخراج الشباب من غزّة من خلال تسهيل الوصول إلى اليونان”، وأكّد المحامي أنّه “من خلال الحديث مع عدد كبير من الفلسطينيين الذين وصلوا إلى ألمانيا وبلجيكا عن طريق اليونان، تبيّن أنّ هناك تسهيلات كبيرة للشباب القادمين الهاربين من غزّة للحصول على إقامة في اليونان والخروج من مخيّمات اللجوء، وهذا الأمر لم يكن بهذه السهولة من قبل”.
وشهدت محافظة خان يونس جنوب قطاع غزّة أكبر هجرة شبابية على مستوى القطاع، لدرجة أنّ بعض الشوارع في بلجيكا أصبحت تسمّى بأسماء عائلات غزّية جرّاء كثرة سكّانها من خان يونس.
لا ينتهي الألم عند الشباب المهاجرين، بل هناك ضحايا كثر، ومنهم زوجات المهاجرين اللواتي يفقن من نومهنّ على وقع أزواج قرّروا الهجرة من دون إعلامهنّ مسبقاً، تاركين إيّاهنّ مع أطفال دائمي السؤال عن آبائهم.
إقرأ أيضاً: انتفاضة الرئيس عبّاس: إقالات بالجملة
فقد تداول روّاد على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، مقاطع فيديوهات مصوّرة تظهر تدافع مئات الشبّان أمام مقرّ شركة “باسبورت” في مدينة غزّة، للتسجيل والحصول على فيزا تركيّة. وبيّنت هذه المقاطع وقوع إصابات بين صفوف المتقدّمين، عقب حدوث إشكالية بينهم، الأمر الذي أدّى إلى توقّف الشركة عن إصدار تأشيرات دخول تركيا بشكل مؤقّت.