كل الإجراءات الأمنية لم تمنع قارباً من قوارب الموت يحمل 110 أشخاص من الإبحار بشكل غير شرعي باتجاه أوروبا هرباً من الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهونها.
في 10 آب الماضي، غادر قاربان يحمل كلّ منهما 110 مهاجرين الشاطئ الشمالي، وبالتحديد من بلدة الشيخ زناد الساحلية في عكار. نجح الجيش في إحباط انطلاقة أحد القاربين، فيما تمكّن الثاني من العبور إلى المياه الإقليمية، لكنّه وقع في براثن قراصنة قرب الساحل الليبي.
مذّاك تتضارب المعلومات عن مصير من كانوا على متنه، وسط تجاهل تامّ من السلطات الرسمية اللبنانية، وكأنّ الحكومة والمؤسسات الرسمية غير معنيّين بالقارب، ولا برعاية الهاربون من الجحيم الذي يعيشونه في قراهم وبلداتهم.
لا قراصنة.. بل خفر سواحل
محامون يتابعون القضية كشفوا لـ”أساس”، أنّ القارب الذي كان على متنه 59 رجلاً، 14 امرأة، و37 طفلاً، غالبيّتهم من السوريين، وبينهم نحو 20 لبنانياً، تعرّض للملاحقة من سفينة ترفع العلم الليبي عصر 18 آب، لكنّها ليست لقراصنة، بل لعناصر خفر السواحل الليبي التابع لقوات الجنرال خليفة حفتر.
تقول سمر البضن، وهي واحدة ممّن كانوا على متن القارب، في حديث إلى “أساس”: “ظننّا أنّنا ملاحقون من قراصنة، ولا سيما أنّ العناصر الذين كانوا على متن السفينة الليبية ملثّمون، ولم يكن لباسهم العسكري ظاهراً. لذلك حاولنا الاستمرار في طريقنا والهرب من الملاحقة، إلا أنّهم أطلقوا عدّة أعيرة نارية، فأُصيب شخص ممّن كانوا على القارب، وكذلك أحد المحرّكات، فأُجبرنا على التوقّف”.
محامون يتابعون القضية كشفوا لـ”أساس”، أنّ القارب الذي كان على متنه 59 رجلاً، 14 امرأة، و37 طفلاً، غالبيّتهم من السوريين، وبينهم نحو 20 لبنانياً، تعرّض للملاحقة من سفينة ترفع العلم الليبي
بعد ذلك قام عناصر من كتيبة طارق بن زياد الليبية التابعة للجنرال خليفة حفتر بإنقاذ المهاجرين، واصطحبوهم إلى مدينة مصراتة شمال غرب ليبيا. ثمّ جرى نقلهم إلى مركز احتجاز قريب من ميناء بنغازي. وتمّ الإفراج عن أغلب المهاجرين، مع الإبقاء على 20 محتجزاً، بينهم 2 من اللبنانيين. وحسب سمر البضن فإنّ سبب الاستمرار في احتجاز الـ20 هو توجيه اتّهامات لهم لا تعلم كنهها بالضبط، لكنّها مبنيّة حسب الأمن الليبي على صور كاميرات المراقبة.
من 18 آب إلى اليوم، لم تحرّك السلطة في لبنان ساكناً، وكذلك الحال بالنسبة إلى السلطات السورية.
كان هذا التجاهل متوقّعاً في الأساس، بالنظر إلى تجارب سابقة، ولذلك تعاون فريق المحامين مع “منظمة الصليب الأحمر” الدولي وجمعية “Alarm Phone”، وهي جمعية تراقب قوارب المهاجرين في البحر المتوسط لمتابعة القضية.
تقدّموا بشكوى إلى “المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” عن وجود اعتقال تعسّفي، وذلك بهدف الضغط على السلطات الليبية للإفراج عن المهاجرين ووضعهم تحت حماية القانون.
لا نريد العودة إلى لبنان
على الرغم من كلّ التعقيدات الهائلة التي تعاني منها ليبيا، والصراع على الحكم بين عدّة أطراف متناحرة، إلا أنّ الليبيين كانوا أكثر رأفة بالمهاجرين من أوطانهم. إذ لم يعانوا من التعذيب أو سوء المعاملة، مثلما هو الحال مع الشرطة اليونانية. ولم يُرموا في البحر، ولا أُعيدوا إلى البرّ الذي انطلقوا منه. والحال هذه ماذا يفعل المهاجرون إذاً؟
تشير سمر البضن إلى أنّ هدف رحلتهم كان الوصول إلى إيطاليا، إلا أنّ ذلك بات مستحيلاً، بعدما نفدت أموالهم التي دفعوها كلّها في الرحلة. وفي الوقت عينه يرفضون تماماً العودة إلى الوطن الذي لا يبالي بهم، فـ”لا مستقبل لنا في لبنان”.
بعض اللبنانيين ممّن كانوا على متن القارب استأجروا منازل في مدينة بنغازي، ومنهم سمر البضن التي استأجرت مع بعض الأشخاص منزلاً كبيراً يؤويهم جميعاً: 6 أشخاص كبار، و4 أطفال كلّهم من بلدة ببنين العكّارية، وينتمون إلى عائلات خلف ومنصور وآغا. ولسمر طفلان اصطحبتهما معها، فيما زوجها العسكري بقي في الوطن ليدافع عنه مقابل راتب ضئيل لا يكفي شيئاً. وقد لجأ بعض المهاجرين اللبنانيين إلى منازل أبناء الوطن المقيمين في ليبيا، وكالعادة فإنّ اللبناني أحنّ على اللبناني من دولته.
إقرأ أيضاً: مركب الموت الشمالي: رشىً “أمنية” بـ170 ألف دولار
عمليّاً كانت طرابلس الغرب أحنّ على أبناء سَميّتها طرابلس الشام، من وطنهم الذي نبذهم وهم على أرضه وحرمهم من أبسط حقوقهم، ثمّ أدار الأذن الطرشاء لما تعرّضوا له من دون أن يبالي بمصائرهم بالرغم من أنّ أبرز مقامين في الدولة حالياً يشغلهما طرابلسيان، وهما رئيس الحكومة ووزير الداخلية.