ليس تفصيلاً أن تندلع الاشتباكات في مخيّم عين الحلوة غداة اجتماع الفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان الهدف منه استكمال المصالحة بين حركتَي فتح وحماس وتعزيز الوحدة الفلسطينية، التي طُويت إلى حين.
ليس تفصيلاً أيضاً أن توضع حركة فتح تحت ضغط شديد سياسي وأمنيّ وإعلامي بقصد استنزافها ميدانياً، وتشويه صورتها سياسياً، مع إغفال شبه تامّ للطرف الثاني الذي يقاتلها.
فمن هم هؤلاء الإسلاميون الذين اغتالوا مسؤولها الأعلى في المخيّم، مسؤول الأمن الوطني في صيدا، أبا أشرف العرموشي؟ ومن أين لهم هذا السلاح النوعيّ؟ وكلّ هذه الذخيرة وهؤلاء المقاتلين؟ وهل يمثّل هؤلاء الملتحون ما يُعرف بـ”الإسلام السياسي”؟
تغيب كلّ هذه الأسئلة عن النقاش المفتوح منذ لحظة الاشتباك الأولى في أواخر تمّوز الماضي.
ليس تفصيلاً أن توضع حركة فتح تحت ضغط شديد سياسي وأمنيّ وإعلامي بقصد استنزافها ميدانياً، وتشويه صورتها سياسياً، مع إغفال شبه تامّ للطرف الثاني الذي يقاتلها
من تورا بورا إلى عين الحلوة
بدأت السلفية الجهادية بالظهور على مسرح الأحداث عقب الثورة الإسلامية في إيران، والجهاد الأفغاني ضدّ السوفيت. بدأت أيضاً بالظهور في مخيّمات الشتات الفلسطيني في لبنان، مستغلّة الفراغ الذي خلّفه خروج منظمة التحرير وزعيمها ياسر عرفات.
حسب المؤرّخ الفلسطيني صقر أبو فخر، بدأت الجماعات السلفية بالظهور في مخيّم عين الحلوة منذ أواسط الثمانينيات مع تأسيس الحركة الإسلامية المجاهدة (1984)، ثمّ تأسيس عصبة الأنصار الإسلامية (1987). تلاها قرار من أبي عمّار بطرد كتيبة أنصار الله من حركة فتح نتيجة مخالفتها لأوامره ومساندتها للحزب في حربه مع حركة أمل، إذ لم يضع رئيسها جمال سليمان “الأنصار” في خدمة الله بل في خدمة حزبه في مخيّمَي عين الحلوة والميّة وميّة.
يشير أبو فخر إلى أنّ توسّع انتشار هذه الجماعات وانقسام مخيّم عين الحلوة إلى أحياء ذات طابع عائلي وعشائري أدّيا إلى تراجع الفكرة الوطنية، التي عملت حركة فتح على ترسيخها، لمصلحة الهويّة ما قبل الوطنية أو الأيديولوجيات الإسلامية. ومن رحم عصبة الأنصار خرج تنظيم سلفيّ جهادي آخر هو تنظيم جند الشام مطلع الألفية الثالثة، مع تحوّل مخيّم عين الحلوة إلى موئل لمن يُطلق عليهم الجهاديون اللبنانيون الهاربون من العدالة اللبنانية مثل جماعة الضنّية وشادي المولوي.
باستثناء تنظيم أنصار الله الذي كان وما يزال ذراع الحزب، فإنّ الجماعات الجهادية السلفية نقلت ولاءها من “القاعدة” إلى التنظيمات التي خرجت من رحمها، أي إلى أجهزة استخبارات محلية وإقليمية. فحارب بعضها في أفغانستان ضدّ السوفيت، وفي العراق ضدّ الأميركيين، وفي سوريا ضدّ قوات النظام والميليشيات الإيرانية. ولم يسأل أحد كيف كان يخرج هؤلاء المجاهدون من المخيّم المطوّق بالجيش والأجهزة الأمنيّة الحزبية والرسمية، والمزنّر بالمخبرين الذين يعملون مع مختلف الأجهزة الاستخبارية في الداخل والخارج، ولا سيّما السورية منها في زمن الوصاية.
لا بدّ من التوقّف عند تنظيم أنصار الله الذي اتُّهم بتنفيذ عمليات تصفية لبعض ضبّاط وكوادر “فتح”، فضلاً عن صدور بيان باسمه يتبنّى إطلاق صاروخين على قناة المستقبل عام 2003، ثمّ تبرّأ من البيان فيما بعد
في خدمة الأجهزة
هي سيرة جهادية سنّيّة “فخمة” يحملها هؤلاء منذ 4 عقود. لكنّ هؤلاء ما كانوا عملياً سوى بيادق استخدمتها أجهزة استخبارية محلية وخارجية، وخاصة السورية التي احترفت استخدام ورقة هؤلاء الإسلاميين على طاولة المفاوضات مع أميركا والغرب بعد أحداث 11 أيلول 2001. ثمّ ورث الحزب هذه الورقة كما ورث الوصاية على قرار الدولة اللبنانية.
مقابل منظمة التحرير الفلسطينية، نشأ تحالفان:
– تحالف “القوى الفلسطينية” المكوّن من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” والجبهة الشعبية – القيادة العامة.
– وتحالف “القوى الإسلامية” المكوّن من الحركة الإسلامية المجاهدة وعصبة الأنصار وحزب التحرير. وينسب إليهم البعض مجموعات صغيرة مثل جند الشام وأنصار الله وفلول كتائب عبد الله عزّام وفتح الإسلام.
ربّما هذا ما يفسّر الاتّهامات الموجّهة من “فتح” إلى “حماس” بدعم الإسلاميين، وحتى القتال معهم، والتي نفتها “حماس” جملةً وتفصيلاً. وإذا كان قرب “حماس” و”الجهاد” من الحزب معروفاً، فإنّ الأخير يدعم ويموّل أنصار الله والحركة الإسلامية المجاهدة منذ زمن بعيد، علاوة على تمدّد سراياه داخل مخيّم عين الحلوة.
هنا لا بدّ من التوقّف عند تنظيم أنصار الله الذي اتُّهم بتنفيذ عمليات تصفية لبعض ضبّاط وكوادر “فتح”، فضلاً عن صدور بيان باسمه يتبنّى إطلاق صاروخين على قناة المستقبل عام 2003، ثمّ تبرّأ من البيان فيما بعد.
إقرأ أيضاً: من طرابلس الشام إلى طرابلس الغرب: مأساة 110 أشخاص
لقد أوردت بعض المواقع الفلسطينية نقلاً عن تحقيقات الأجهزة الأمنيّة اللبنانية مع المعتقلين غداة موجة الاشتباكات، التي حصلت بين “فتح” والإسلاميين إبّان ملاحقة بلال بدر عام 2017، لائحة قيادات من “فتح” من ضمن بنك اغتيالات أنصار الله، وبينها العميد أبو أشرف العرموشي. وأوردت أيضاً أنّ بلال بدر كان واحداً من الذين أوكل إليهم تنظيم أنصار الله تنفيذ بعض العمليات، أي أنّ التهديد باغتيال العرموشي عمره 6 سنوات. وربّما هو عمر المخطّط الذي وُضع قيد التنفيذ للسيطرة على مخيّم عين الحلوة.
في الجزء الثاني غداً:
إسلاميّو عين الحلوة (2/2): ما رأي “إسلاميّي” لبنان بهم؟