مع بداية موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية يكون الاهتمام عادة منصبّاً على الانتخابات التمهيدية في صفوف الحزبين على مستوى الولايات لاختيار مرشّح الحزب، لكنّ انتخابات هذا العام لها طابع مختلف لأنّ شخصية المرشّحَين الديمقراطي والجمهوري شبه محسومة للرئيس جو بايدن عن الحزب الديمقراطي وللرئيس السابق دونالد ترامب عن الجمهوريين، وأنظار الجميع متّجهة نحو المسار القضائي الذي ستتّخذه المحاكم بكلّ درجاتها وصولاً إلى المحكمة العليا، في القضايا المرفوعة ضد ترامب.
حجم التبرعات هو المقياس
ستكون انتخابات العام المقبل مختلفة عن غيرها من الانتخابات بكلّ المعايير، وستشهد سوابق لم تعرفها الحياة السياسية الأميركية، وخصوصاً الانتخابات الرئاسية.
قدرة المرشّح على جمع أكبر حجم تبرّعات لحملته الانتخابية يعطي فكرة عن مدى دعم المؤسّسة الحزبية، والقاعدة الشعبية الحزبية، والشركات الكبرى في وول ستريت. يساعد حجمُ التبرّعات المرشّحين على شراء مساحات إعلانية في الانتخابات التمهيدية في الولايات، وهو ما يُعتبر من أهمّ وسائل وصول المرشّح إلى الناخب. لكن في هذا العام يسعى المرشّح الجمهوري الأبرز ترامب إلى جمع تبرّعات من أجل تغطية الكلفة الكبيرة لتمويل المستشارين القانونيين والمحامين للدفاع عنه وعن مساعديه ضدّ التهم الموجّهة إليهم أمام القضاء الفدرالي وقضاء الولايات.
مع بداية موسم الانتخابات الرئاسية الأميركية يكون الاهتمام عادة منصبّاً على الانتخابات التمهيدية في صفوف الحزبين على مستوى الولايات لاختيار مرشّح الحزب، لكنّ انتخابات هذا العام لها طابع مختلف
المرشّح الجمهوري الأبرز دونالد ترامب متّهم بـ 91 جريمة في أربع قضايا جنائية، وهي تشمل:
– تحقيقات الضرائب في نيويورك في مخالفات ماليّة وتقديم بيانات زائفة للبنوك وشركات التأمين.
– تحقيقات في مشروع ترامب العقاري وتضخيم القيمة وتقليل القيمة المالية للعقارات بناءً على الحاجة، سواء للحصول على قروض أو لأغراض ضريبية.
– الهجوم على مبنى الكابيتول ودور ترامب في الأحداث التي أدّت إلى هذا الهجوم في 6 كانون الأوّل 2021.
– تحقيقات ودعاوى قضائية متنوّعة تتعلّق بأمور مثل التلاعب بالأموال وتهم التحرّش الجنسي.
يتبع ترامب استراتيجيّتين في الدفاع عن نفسه:
– استراتيجية قضائية عبر المستشارين القانونيين.
– وأخرى لاستمالة الرأي العامّ. قضائياً يسعى فريق ترامب إلى تأجيل المحاكمات والحؤول دون صدور أحكام إلى ما بعد موعد الانتخابات الرئاسية لأنّه المرشّح الأبرز بين الجمهوريين ومن شأن ذلك أن يشكّل تدخّلاً في العملية الانتخابية. أمّا في ما يخصّ احتواء تداعيات الاتّهامات على شعبيّته فهو يسعى إلى تصوير أنّها مسيّسة وأنّه ضحيّة مؤامرة من الديمقراطيين والبيت الأبيض. وستكون استراتيجيّته أمام تحدٍّ كبير في ولاية جورجيا حيث قرّرت المحكمة نقل وقائع المحاكمة مباشرة عبر الوسائل الإعلامية.
تُعتبر أبرز التهم تلك الموجّهة إليه وإلى أعوانه في ولاية جورجيا، وهي تتعلّق بمكالمة هاتفية أجراها ترامب مع الأمين العام للولاية، براد رافنسبرغر، وطلب منه “البحث” عن أصوات كافية لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في الولاية. وهناك محاولات مستمرّة من معاونيه، وآخِرتها قام بها مدير الإدارة في عهد ترامب، مارك مادوز، لنقل محاكمته إلى القضاء الفدرالي لأنّه كان يعمل للحكومة الفدرالية في تلك الفترة، آملاً أن ينال عفواً رئاسياً مستقبلياً.
حملة لشطب اسم ترامب
وقد برزت أخيراً حملة أطلقتها جمعية “حرّية التعبير من أجل الشعب”، إضافة إلى مجموعة من مناهضي ترامب من الديمقراطيين والجمهوريين، لشطب اسمه من لائحة الترشيحات في أولى الانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامشير، استناداً إلى نظريّة تفيد أنّ أفعال ترامب في 6 كانون الثاني 2021 تجعله غير مؤهّل بموجب القسم 3 من التعديل الرابع عشر، الذي يمنع الأشخاص من شغل المناصب إذا أدّوا القسم لدعم الدستور لكنّهم فيما بعد “شاركوا في تمرّد أو ثورة ضدّ الدستور، أو قدّموا الدعم أو الراحة لأعداء الدستور”.
إذا أخذت هذه الحملة مجراها القضائي وتمّ حظره في عدد من الولايات فمن المؤكّد أنّ فريقه سيستأنف القرار وصولاً إلى المحكمة العليا حيث للمحافظين أرجحية التصويت بـ 6-3، ومنهم ثلاثة أعضاء رشّحهم ترامب للمحكمة العليا في ولايته.
دور القضاء في تعديل النتائج
تاريخياً لعب القضاء الأميركي دوراً كبيراً في مسار نتائج الانتخابات حين كان يرفض أحد المرشّحين نتائج الانتخابات. وهذا ما حصل في عام 2000 في انتخابات آل غور – جورج دبليو بوش التي وصل فيها النزاع إلى المحكمة العليا التي أقرّت النتيجة لمصلحة دبليو بوش بعدما طعن الأخير بنتائج ولاية فلوريدا.
إلا أنّ النزاع القضائي هذه المرّة بدأ قبل دخول الموسم الانتخابي رسمياً، ومن المرجّح أن تواكب وقائع المحاكمة العمليات الانتخابية التمهيدية والنهائية بسبب محاكمات ترامب. فمتابعة سير المحاكمات ستحتلّ حيّزاً كبيراً من اهتمام الناخبين، وسيصعب التكهّن بوقع هذه القوائم على رأي الناخبين.
إقرأ أيضاً: ماكرون: دكتوراه الفشل… من “السوربون”
السؤال الافتراضي المطروح الآن: هل يحقّ لترامب العفو عن نفسه في حال فاز وكانت المحكمة لم تصدر قرارها بعد؟ ستكون هناك اجتهادات، لكن على مستوى الولاية لا يشمل العفو الرئاسي قضاء الولاية. وهذا أمر يتعلّق بالعلاقة بين الولاية والحكومة الفدرالية، وهي تُعتبر من المحرّمات في النظام الأميركي.
من المؤكّد أنّ القضاء الأميركي، وتحديداً المحكمة العليا، سيكون لها دور كبير في مسار الانتخابات ونتائجها، وسيكون القضاء الأميركي أمام اختبار نزاهة لأنّ معظم القضاة الفدراليين يرشّحهم الرئيس الأميركي.