جِنان … “جنَّنَتْ” الحكومة الكويتيّة

2023-09-09

جِنان … “جنَّنَتْ” الحكومة الكويتيّة


خلال 3 أسابيع ما بين 15 آب الماضي و4 أيلول الحالي، نجحت النائبة الكويتية جنان بوشهري، المرأة الوحيدة في مجلس الأمّة من أصل 50 عضواً، في توجيه 3 ضربات متتالية للحكومة، وإسقاط 3 قرارات ومشاريع: الأوّل يتعلّق بصرف معاشات استثنائية للوزراء والقياديين في الدولة، والثاني يرتبط بمشروع قانون جديد لتنظيم الإعلام يفرض قيوداً على الحرّيات، والثالث هو الأخطر لأنّه يُخفي في ثناياه تشريع مراقبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وإمكانية حجب اتصالات “الواتساب” بسبب عدم إمكانية مراقبتها.

في المرّات الثلاث، نجحت جنان في إجبار الحكومة على التراجع كلّياً أو جزئياً، بعدما قادت موجة اعتراض نيابية لم يستطِع الوزراء الوقوف أمامها.

بذلك تحوّلت النائبة “المُشاكسة” إلى نجمة وأشبه بزعيمة للتيار المعارض للحكومة، من دون أن تكون جزءاً من لعبة تصفية الحسابات السياسية أو صراع الأقطاب والقوى.

في المرّات الثلاث، نجحت جنان في إجبار الحكومة على التراجع كلّياً أو جزئياً، بعدما قادت موجة اعتراض نيابية لم يستطِع الوزراء الوقوف أمامها

مكامن القوّة

تكمن قوّتها في أنّها خَبِرت الموقع الوزاري بنقاط قوّته وضعفه، خلال تولّيها منصب وزيرة الأشغال العامّة وشؤون الإسكان من 2018 إلى 2019، وقبله منصب وزيرة المواصلات في 2017.

هي خبيرة بالشأن العامّ بحكم أنّها كانت عضواً في جهاز المناقصات بين عامَي 2016 و2017، ومستشارة في مجلس الأمّة بين 2014 و2017، وعضواً في المجلس البلدي من 2009 إلى 2013.

سجّلت جنان اسمها كأوّل مرشّحة لانتخابات المجلس البلدي في 2006 بعد إعطاء المرأة الكويتية حقّها بالترشّح والانتخاب، وبدأت مسيرتها السياسية وهي ذات 33 ربيعاً.

بزغ نجمها في تشرين الثاني من عام 2019 عندما قدّمت استقالة مُدوّية من منصبها كوزيرة للأشغال على خلفيّة تقديم استجواب لها، وعلّلتها بكلام ترك آثاراً ما زالت ماثلة حتى اليوم، عندما قالت إنّ “الإصلاح بات مستحيلاً، وإنّ الشركات باتت أقوى في قاعة عبدالله السالم (قاعة البرلمان)”، في إشارة إلى النفوذ الهائل للشركات على النواب في ذلك الوقت.

العودة بعد “الإعدام”

رأى كثيرون حينذاك أنّ جنان تعرّضت لـ”الإعدام السياسي” مع تأييد نحو نصف أعضاء مجلس الأمّة استجوابها، إلّا أنّ “دكتورة الكيمياء” كان لها رأي آخر، فعادت بقوّة إلى المسرح السياسي، لكن هذه المرّة من البوّابة الشعبية لا الحكومية، وفازت بالانتخابات النيابية مرّتين، وبأرقام عالية.

ليس تفصيلاً في الكويت أن تتحوّل وزيرة سابقة إلى نائبة معارضة، وليس عاديّاً أن تكون بهذه المهارة في سرعة تحقيق الأهداف، وليس مألوفاً أن تقف امرأة في صدارة التيار المعارض، لدرجة أنّها في المرّات الثلاث التي أثارت فيها القضايا، بدت كقائد عسكري يطلق الرصاصة الأولى لتنهال بعدها الرصاصات من باقي الضبّاط والجنود على الهدف.

لكنّ هذا لا يعني أنّ جنان تقود كتلة أو تلقى تأييداً من جَمعٍ ثابتٍ من أعضاء مجلس الأمّة، بيد أنّ ذكاءها في طرح الملفّات الشعبية التي تمسّ حياة المواطنين أو حرّياتهم، أحرَجَ النواب الذين اضطرّوا إلى ركوب الموجة والتصويب على الحكومة، تجنّباً للظهور بمظهر النواب الحكوميين أو المستفيدين من مهادنة “أصدقائهم” أو “حلفائهم” الوزراء.

إسقاط الرواتب الاستثنائيّة

جاءت الضربة الأولى في منتصف آب الماضي، عندما خرجت جنان لتعلن نيّتها استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بشأن قرار الحكومة منح معاش استثنائي لشاغلي الوظائف القيادية، الذين تنتهي خدماتهم بالإحالة على التقاعد أو بالاستقالة، بواقع 3,000 دينار كويتي (نحو 9,700 دولار) لدرجة وزير و2,000 دينار (نحو 6,500 دولار) للدرجة الممتازة.

سريعاً، تراجعت الحكومة عن قرارها، وأصدر رئيسها تعليمات بتجميده واستعجال دراسة تحسين معاشات المتقاعدين على أن تكون شاملة للجميع، أيّاً كانت وظائفهم أو مناصبهم.

خلال 3 أسابيع ما بين 15 آب الماضي و4 أيلول الحالي، نجحت النائبة الكويتية جنان بوشهري، المرأة الوحيدة في مجلس الأمّة من أصل 50 عضواً، في توجيه 3 ضربات متتالية للحكومة

تقييد الحرّيّات

بعد ذلك بنحو أسبوع، كانت جنان في صدارة التيار النيابي الذي تصدّى لمشروع قانون الإعلام الجديد باعتباره “مصيبة” على حدّ وصف بعض النواب، لأنّه يفرض قيوداً على الحرّيات، ويعزّز الرقابة على الإعلام والأنشطة الثقافية والاجتماعية.

تحت الضغط، أعلنت وزارة الإعلام أنّ ما طرح هو مسوّدة، وأنّها تنتظر آراء الجهات الحكومية المعنيّة الأخرى، قبل تحويله إلى مشروع قانون وإحالته إلى مجلس الأمّة، وسعت إلى امتصاص الغضب من خلال إعلان تنظيم حلقة نقاشية حول المشروع يقدّمها وزير الإعلام عبد الرحمن المطيري في 25 أيلول الحالي، بحضور الإعلاميين والمختصّين والخبراء الدستوريين والجمعيات المعنيّة.

لكنّ جنان التي لم يرُق لها ما اعتبرته “تسويقاً لمشروع قانون سقط سياسياً ونيابياً وشعبياً”، و”محاولة أخرى لن تجدي نفعاً”، أعلنت أنّها ستحضر الحلقة النقاشية وستواجه الوزير “حتى يدرك الجميع خطر فكرة هذا القانون قبل مشروعه”.

الرقابة على الإنترنت

لم يمضِ أسبوع آخر حتى انبرت النائبة المشاكسة على منصّة التصريحات في مجلس الأمّة لتعرض بالوثائق وأرقام الصفحات كرّاسة مناقصة عنوانها “تطوير بوّابة الكويت الدولية”، تهدف إلى فرض رقابة على الإنترنت في دولة الكويت.

كشفت جنان أنّ “هيئة الاتصالات” تخطّط لمنع مكالمات “الواتساب” في المستقبل لأنّه لا يمكن اختراقها، وتريد أن تجبر المواطنين على استعمال وسائل اتصال يمكن مراقبتها والتنصّت عليها.

تشمل كرّاسة المناقصة أيضاً تقييد حجم المرور لتطبيق معيّن، وإعاقة وصول المشتركين إلى مواقع التواصل الاجتماعي.

رفعت جنان السقف بقولها إنّ الحكومات التي تستخدم هذه التقنية هي من فئة الدول المعادية للديمقراطية والحرّيات، والتي تريد فرض سيطرتها الكاملة على مواطنيها، وتقوم بتتبّعهم أو تتدخّل في خصوصيّاتهم.

لم تكد جنان تُنهي تصريحها حتى انهالت تصريحات النواب المندّدة بما تمّ كشفه، لا سيما أنّ الفضاء الإلكتروني في الكويت مليء بأدوات أساسية في اللعبة السياسية، وعلى رأسها ظاهرة ما يعرف بـ”الحسابات الوهمية”، فضلاً عن هامش الحرّية الكبير المحميّ دستورياً.

سريعاً أيضاً وبعد ساعات فقط، خرج وزير الاتصالات ليعلن توجيهات بـ”مراجعة المناقصة قبل اتّخاذ أيّ إجراء في شأنها، والتأكّد من تضمّنها بنوداً تتعلّق بسيادة الكويت أو بحقوق المواطنين العامّة والخاصّة”، مشدّداً على رفضه القاطع لأيّ مساس بالحرّيات أو التجسّس على المواطنين.

إقرأ أيضاً: العراق والكويت: الطبل في “خور عبدالله” والعرس في “الدرّة”

سخونة رغم العطلة

في المحصّلة، بدا المشهد السياسي في الكويت ساخناً خلال الأسابيع الثلاثة التي تحوّلت إلى كابوس للحكومة، على الرغم من العطلة البرلمانية وغياب أيّ جلسات للبرلمان، في حين أنّ ما جرى يشي بما هو مقبل على مستويين:

1- مزيد من القوّة للسلطة التشريعية بمواجهة السلطة التنفيذية التي تبدو في حالة من التخبّط مع أخذ قرارات أو خطوات، ثمّ التراجع عنها سريعاً.

2- مزيد من الضعف للسلطة التنفيذية التي ما تزال تعمل على “الترقيع” وتستند إلى “حائط متين” من التأييد النيابي، لكنّها لا يمكن أن تراهن عليه كثيراً، مع تراكم المؤشّرات إلى قرب تقديم استجوابات قد تؤدّي إلى إسقاط وزراء أو الحكومة برمّتها.

مواضيع ذات صلة

عام على الطّوفان: العرب يتقدّمون

في حين كان يُنظر إلى المنطقة باعتبارها تعيش عصر القوّة الإيراني نتيجة تمدّد طهران الجيوسياسي، وتزعّمها محوراً يمتدّ من صنعاء إلى غزة، مروراً ببغداد ودمشق…

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…