الأسطورة تحيي بريغوجين بعد دفنه..

مدة القراءة 5 د


ربّما يجد البعض أنّ من المضحك أو من الغريب التشكيك في موت زعيم مجموعة “فاغنر” الروسية يفغيني بريغوجين. لكن بالنسبة إلى الملايين، ما يزال مصيره غامضاً حتى الآن، بعدما تضاربت الأنباء حول وفاته في حادث تحطّم طائرة، على الرغم من تأكيدات هيئة الطيران المدني الروسية أنّ اسمه كان ضمن “مانيفست” الركّاب العشرة، الذين لقوا حتفهم في الحادث شمال العاصمة موسكو ويفترض أنّه تمّ دفنه أو ما تبقى منه في مدينته بطرسبرغ بحضور عائلته وعدد محدود من المواطنين.

في الساعات الأخيرة انتشر فيديو لبريغوجين يقول فيه إنّه حيّ يرزق في إفريقيا، وتوجّه “إلى المتّهمين بتصفية حياتي الشخصية وعملي” بالقول: “أنا موجود في إفريقيا، واليوم عطلة، ونحن في الجزء الثاني من آب 2023”.

ربّما يجد البعض أنّ من المضحك أو من الغريب التشكيك في موت زعيم مجموعة “فاغنر” الروسية يفغيني بريغوجين. لكن بالنسبة إلى الملايين، ما يزال مصيره غامضاً حتى الآن، بعدما تضاربت الأنباء حول وفاته

حتّى الآن ليس ذكر اسم بريغوجين في ذاك “المانيفست” دليلاً قاطعاً على مصرعه. والأكيد أنّه لا يوجد “جثّة” بعد تفجير الطائرة التي كان يستقلّها. وأكثر من ذلك، يملك زعيم “فاغنر” أكثر من طائرة، وغالباً ما كان يسجّل اسمه على الرحلة ويستقلّ طائرات أخرى أو يعدل عن السفر، ومن المعروف عنه كثرة المناورة والتنكّر، واعتماد التضليل كأسلوب حماية.

خلال التفتيش في منزل بريغوجين بُعيد التمرّد المزعوم في شهر حزيران الماضي، عثرت السلطات الروسية على العديد من الشعر المستعار وجوازات السفر التي تحمل صورته بأسماء وألقاب مختلفة عن اسمه الحقيقي.

زاد الأمورَ تعقيداً حرصُ بريغوجين الشديد على عدم إظهار هويّته الحقيقية وخطّ سيره، لدرجة أنّ بعض المصادر الروسية قالت إنّ طائرته الثانية، التي لم تحطّ في موسكو، هبطت في العاصمة الأذربيجانية باكو بمن كان فيها. هذا ما يجعل الأمر أكثر إثارة وحيرة، خصوصاً بعد السرعة في تأكيد مقتله والتشويش الذي اعتمده الإعلام الغربي قبل أن تؤكّد السلطات الروسية أنّ “نتائج فحوصات الـDNA مطابقة لهويّات جميع الضحايا العشرة وتمّت مطابقتها مع هويّات ركّاب الطائرة”.

بريغوجين مات

سقوط طائرة بريغوجين يلفّه الكثير من الفرضيّات. إذ يقول البعض إنّ وزير الدفاع سيرغي شويغو تخلّص منه، بعدما ضاق بأسلوبه المستفزّ، فأطلق صاروخاً قضى عليه ومن معه، انتقاماً لإسقاطه طيّارتين للجيش الروسي يوم الانقلاب. أي بعبارات أخرى، أذاقه مصير الطيّارين الروس نفسه.

لكنّ سيناريوهات أخرى تطفو على السطح في الوقت نفسه، فتنسف النظريّات الأولى. من بينها تلك التي تقول إنّ بريغوجين حصل على هديّة في اللحظات الأخيرة قبل الإقلاع، وكانت عبارة عن صندوق نبيذ فاخر وُضعت فيه عبوة ناسفة. هذه النظرية تتطابق مع التقويم الاستخباراتي الأميركي الذي مال إلى ترجيح فرضية “العبوة المفتعلة” في أوّل تعليق على حادث سقوط الطائرة، مستبعداً فرضية الاستهداف بصاروخ أرض-جوّ… وهذا يُبعد، نظريّاً، الشبهات عن شويغو والجيش الروسي.

مجموعة “فاغنر” لم تحسم مصير قائدها على الرغم من التأكيدات الروسية أنّه تمّ العثور على هاتف بريغوجين الجوّال إلى جانب أحد الضحايا

يتّهم سيناريو آخر الفريق المشرف على الطائرة، الذي يملك الإذن بالدخول إلى مكانها ساعة يشاء. إذ تتناقل وسائل إعلام روسية خبر اعتقالهم، وبينهم شقيق قبطان الطائرة، الذي يقال إنّه قضى في الرحلة أيضاً، من أجل التحقيق معهم.

بوتين في منزل عائلة بريغوجين

لكن على الرغم من هذه الفرضيات والسيناريوهات، فإنّ نظرية “التخلّص من بريغوجين” أو أنّ الرئيس الروسي عاقبه على خيانته، ما زالت صعبة التصديق وغير منطقية، خصوصاً بعدما زار بوتين منزل عائلة بريغوجين (وليس مضطرّاً إلى فعل ذلك)، ثمّ مدحه بالقول إنّه “رجل موهوب” و”صديق قديم على الرغم من أخطائه”.

اللافت في كلام بوتين كان عدم حسمه مقتل زعيم “فاغنر” في اللحظات الأولى، وقد قال: “إذا صحّت الأخبار ولقي بريغوجين وبعض قادة المجموعة ممّن كانوا على الطائرة حتفهم، فإنّنا سنتذكّرهم إلى الأبد، لأنّهم حاربوا معنا في وجه النازية الجديدة، وكانت لهم بطولات”.

هل فعلاً مات بريغوجين؟ وهل كانت “الثالثة ثابتة” وهي التي قضت عليه؟ أم أصبح كالقطط بـ”سبعة أرواح” يموت ويحيا “غبّ الطلب”؟

يظنّ كثيرون أنّ سقوط الطائرة قد يكون غطاءً أو محاكاة لـ”وفاة مصطنعة” لمؤسّس الشركة العسكرية، فيما يعتقد العديد من الصحافيين الروس والمحلّلين السياسيين أنّ بريغوجين كان يمكن له أن يختفي بكلّ بساطة من دون كلّ هذه الجلبة والأفلام الهوليوودية على طريقة “جيمس بوند”… ولمَ لا، وهو الذي توفّي مرتين قبل ذلك؟

سوابق مماثلة

– في المرّة الأولى، تحطّمت طائرة عسكرية من طراز “An-72” في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكان على متن تلك الطائرة ثمانية من أفراد الطاقم، بينهم موظفون في إدارة رئيس الجمهورية “فيليكس تشيسيكيدي”. حينها ظهر اسم يفغيني بريغوجين ضمن لائحة الركّاب. لكن بعد أيام قليلة تبيّن أنّ بريغوجين “الميت” كان على قيد الحياة!

– في المرّة الثانية، عندما أفادت وسائل إعلام وقنوات “تليغرام” الأوكرانية في آب 2022 بأنّ بريغوجين توفّي في منطقة لوهانسك، وتحديداً بمدينة بوباسنا، بعد قصف تعرّض له مركز لتجنيد المتطوّعين، وتعذّر آنذاك الاتصال بـ”ذراع بوتين” إلى أن ظهر لاحقاً مع أشخاص قالوا من باب السخرية: “نحن مع بريغوجين… بحثاً عن جسده”.

إقرأ أيضاً: “فاغنر” السوريّة باقية: النفط “أصدقُ إنباءً”

حتى مجموعة “فاغنر” لم تحسم مصير قائدها على الرغم من التأكيدات الروسية أنّه تمّ العثور على هاتف بريغوجين الجوّال إلى جانب أحد الضحايا.

لكن ستكبر أسطورة “بريغوجين المُغيَّب” حتى أمد بعيد، وقد يستمرّ الجدل حول مصير “طبّاخ” بوتين، ثمّ ذراعه العسكرية، ثمّ “غريمه”، وقتاً طويلاً.

مواضيع ذات صلة

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…