تقف إسرائيل أمام أزمة دستورية ووطنية كبيرة، بعدما قرّر القضاء الإسرائيلي افتتاح “جولة ثانية” من المعركة السياسية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي فاز في الجولة الأولى بأن أقرّ الكنيست الإسرائيلي قبل أسبوعين تقريباً “قانون اللامعقولية”. وهو حجّة تبنّاها القانون الإسرائيلي لمراقبة السلطة التنفيذية، تتيح لمحكمة العدل العليا التدخّل عندما يكون عمل السلطة التنفيذية “غير معقول بشكل متطرّف”، وبالتالي يحقّ لها إلغاء قوانين وقرارات إدارية بذريعة أنّها “غير معقولة”.
في خطوة غير مسبوقة، قرّرت المحكمة العليا الإسرائيلية النظر في الالتماسات المعارضة لـ”إلغاء قانون اللامعقولية”. وإلغاء قرار الكنيست يرجّح أن يُحدث أزمة دستورية واجتماعية كبيرة، بسبب رفض نتانياهو الانصياع لقرارات المحكمة العليا. وسيكون بهذا أوّل رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل يرفض الانصياع لقرارات المحكمة العليا، فيما تعهّد وزراؤه وأعضاء الكنيست من الائتلاف بمجاراته بعدم الانصياع، في ظلّ تقديرات أنّ أجهزة الأمن ستقرّر الانحياز إلى جانب “المحكمة” وليس “الحكومة”.
تقف إسرائيل أمام أزمة دستورية ووطنية كبيرة، بعدما قرّر القضاء الإسرائيلي افتتاح “جولة ثانية” من المعركة السياسية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو
التناقضات داخل النخبة الإسرائيلية
هنا عيّنة من مواقف المعنيين بتنفيذ القانون في إسرائيل وكيف انقسموا:
– المستشارة القضائية غالي ميار أعلنت تأييدها لشطب “إلغاء قانون اللامعقولية”، معتبرة أنّ هذا القانون يخرق منظومة التوازنات والكوابح بين السلطات ويلحق أضراراً بالغة بجهاز إنفاذ القانون، ورأت أنّ إلغاء ذريعة المعقولية يهدف إلى إقالة حرّاس العتبة.
– الحكومة طلبت من “المحكمة” تأجيل جلستها للنظر في الالتماس ضدّ القانون من 12 أيلول المقبل. وبرّر المحامي الذي سيمثّل حكومة نتانياهو، إيلان بومبخ، بالحاجة إلى المزيد من الوقت من أجل الاستعداد للمداولات، وبأنّ “تبعات نتائج هذا الإجراء بالغة الأهمية وبعيدة المدى”، وبأنّ حجم الموضوع وعمقه يستوجبان فترة كافية لصياغة الردّ على الالتماس.
– المفتّش العامّ للشرطة يعقوب شبتاي أعلن أنّ الشرطة ستنصاع للقانون فقط، وقال خلال مراسم تنصيب القائد الجديد لوحدة حرس الحدود: “للشرطة بوصلة واحدة، وهي القانون.
– وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ردّعلى شبتاي في المراسم نفسها، معتبراً أنّه “بموجب القانون ومبادئ الديمقراطية يتوجّه الشعب إلى صندوق الاقتراع، وعلى الذي يُنتخب أن يُملي سياسة، وينبغي على الجميع العمل بموجبها بما فيها الشرطة”.
– في خطوة استباقية، وعلى خلفيّة احتمال توقّف نتانياهو وحكومته عن الانصياع لقرارات المحكمة العليا، التقى رؤساء كبرى الشركات الإسرائيلية والقطاع الخاص في إسرائيل مع رئيس الهستدروت أرنون بار دافيد، واتّفقوا على بدء إضراب عام بشكل فوري ومن دون تحديد مدّته، وفق ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
مصدر سياسي أكّد لـ”أساس” أنّ “نتانياهو سيدافع بشراسة عن الانقلاب القضائي، لأنّه من دون هذا الأخير لا توجد أيّ احتمالية لوقف محاكمة نتانياهو الجارية وبقائه على كرسي رئيس الحكومة
منظمة “UnXeptable لإنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية”، وهي حركة تجمع مغتربين إسرائيليين معارضين لـ”الإصلاح القضائي”، نشرت فيديو من ثلاث دقائق تفصّل أسباب احتجاجها. ويقول راوي الفيديو، باللغة الإنكليزية: “تخيّل لو كانت وزارة الدفاع الأميركية ووزارة المالية يديرهما أعضاء من “كو كلوكس كلان KKK” (هي جماعة عنصرية متطرّفة برزت بعد الحرب الأهلية بالولايات المتحدة، وقامت على الإيمان بتفوّق العرق الأبيض، ونفّذت هجمات دامية ضدّ السود والمتعاطفين معهم على مدى 151 عاماً). هذا ما يحدث الآن في إسرائيل، مع اثنين من أكثر الفاشيين اليمينيّين تطرّفاً، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الجالسين في مناصب حكومية رئيسية… والجالية اليهودية الأميركية تدرك بشكل متزايد آثار التشريعات الإسرائيلية على حياتها في الولايات المتحدة”، مضيفاً أنّهم “قلقون من أن تصبح إسرائيل متطرّفة، وقلقون أيضاً بشأن القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين”.
أزمة دستورية جديدة
يدلّ هذا التناقض على دخول إسرائيل أزمة دستورية محتملة،. المحللة السياسية الفلسطينية ميسون كحيل تؤكّد لـ”أساس” أنّ “الأجهزة الأمنيّة لن تعمل بشكل مخالف للقانون. وفي حال صدور قرارات عن المحكمة لن ينصاعوا لأيّ أوامر تتناقض معها”.
الجيش الإسرائيليّ فوجئ بالانتقادات الأخيرة والهجمات التي استهدفت النخبة الأمنيّة في إسرائيل، والتي رأى مسؤولون أمنيون أنّها “محاولة لإلقاء مسؤولية عدم كفاءة الجيش بسبب ظاهرة تمرّد قوات الاحتياط على أكتاف الجيش”، لا على حكومة نتانياهو. واعتبر كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل أنّ نتانياهو والمحيطين به يهاجمون قادة الجيش في محاولة لإسقاط المسؤولية عنهم.
في سياق متّصل، وردّاً على إصدار نتانياهو ووزير الأمن يوآف غالانت بياناً مشتركاً عبّرا فيه عن دعمهما “لرئيس هيئة الأركان العامة والضبّاط”، في محاولة لخفض التوتّر بين نتانياهو وبين المستوى الأمني… نشرت عضو الكنيست تالي غوطليف، من حزب الليكود، تغريدة في إكس (تويتر سابقاً) قالت فيها: “لماذا يعتذر سيّدي رئيس الحكومة فيما قيادة الجيش الإسرائيلي درست إصدار بيان عن كفاءات الجيش يستفيد منه أعداؤنا ويستهدف مناعتنا القومية بشدّة؟”، وأضافت أنّ “رئيس هيئة الأركان العامة يشجّع بصمته ظاهرة رفض الخدمة العسكرية”.
إقرأ أيضاً: “بقرة إسرائيل” لم تعد مقدّسة.. الجيش الإسرائيليّ تحت مقصلة اليمين
مصدر سياسي فلسطيني أكّد لـ”أساس” أنّ “نتانياهو سيدافع بشراسة عن الانقلاب القضائي، لأنّه من دون هذا الأخير لا توجد أيّ احتمالية لوقف محاكمة نتانياهو الجارية وبقائه على كرسي رئيس الحكومة، ومن دون قوانين الانقلاب سيجد نتانياهو صعوبة في الحفاظ على حكومته المتطرّفة، ومن دون قانون الإعفاء من التجنيد، الذي هو بمنزلة حكم بالإعدام لجيش الشعب، لن يكون “الحريديم” معه، وسيقومون بتفكيك حكومته”.