تستعدّ الطائفة العلوية في لبنان لإجراء انتخابات المجلس الإسلامي العلوي بعد مضي زمن طويل على الانتخابات الأولى التي جرت عام 2003. هذه الانتخابات تعوّل عليها النخب العلوية، وفي طليعتها نائب طرابلس حيدر ناصر، من أجل استنهاض الطائفة من حالة السبات الإرادي الذي تعاني منه، والانسحاب من الحياة العامة، الذي ترجم في أكثر من استحقاق، ولا سيما في الانتخابات النيابية 2018، وأكثر منها في 2022، التي شهدت نسب اقتراع علوي خجولة.
في 15 آب انتهت مهلة تقديم الطلبات كخطوة أولى تليها خطوات قانونية أخرى. مع ذلك، فإن احتمال تطيير الانتخابات ما يزال قائماً ولو بنسبة ضعيفة، بفعل الطعن المقدم أمام مجلس شورى الدولة من قبل نائب رئيس المجلس الإسلامي العلوي المهندس محمد عصفور، الذي تولى مهام القائم بأعمال الرئيس عقب الدكتور أسد عاصي عام 2017، لكنه أعفي من مهامه.
تتحدث مصادر مطلعة عن سعي الحزب الى القبض على قرار الطائفة العلوية، وتجنيده عدداً من الأشخاص العلويين وبعضهم رجال دين ينشطون منذ سنوات في محاولة تشييع العلويين ولا سيما في الريف العكاري
العراقيل السياسيّة
خلال السنوات الفائتة، جرت أكثر من محاولة لإجراء انتخابات المجلس الإسلامي العلوي، إلا أنّها جميعها باءت بالفشل لأسباب سياسية. في السابق، كانت الطائفة العلوية تختزل الى حد بعيد بالنائب الراحل علي عيد، ومن بعده بنجله رئيس الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، ولا سيما خلال سنوات الاحتراب الأهلي في طرابلس قبل عام 2013. وعلى الرغم من أن الأخير لم يكن نائباً، إلا أنه عملياً كان هو المتحدث باسم الطائفة العلوية.
بيد أن الخطة الأمنية التي نفذت في طرابلس عام 2013 أخرجته من المشهد السياسي، وبدأ حضوره بالتضاؤل شيئاً فشيئاً، وبرز رئيس المجلس الإسلامي العلوي أسد عاصي كمتحدث باسم الطائفة. تشير المعلومات الى أن عيد سعى دائماً إلى عرقلة الانتخابات بهدف الحفاظ على نفوذ أسرته داخل أروقة المجلس، ولمنع إخراجه من دائرة التأثير والقرار، وذلك بالتعاون مع بعض كبار أهل الحلّ والعقد داخل المجلس، من الذين أدخلهم والده سابقاً. ويشير البعض الى تعاون بين القائم بأعمال الرئيس محمد عصفور ورفعت عيد في هذا الإطار.
في المقابل كان هناك اتهام واضح من البيئة المقرّبة من عيد للحزب وللسفير السوري السابق علي عبد الكريم علي بالعمل على السيطرة على قرار الطائفة العلوية، وهو ما تُرجم بالقانون رقم 140 الذي صدر عن مجلس النواب عام 2019 واقترحه نائبا الطائفة حينها علي درويش ومصطفى حسين، وقضى بالتمديد للهيئتين التنفيذية والشرعية، بهدف إقصاء عصفور والمقربين من عيد، وانتخاب رئيس جديد أقرب الى الحزب.
نجح عصفور في استغلال ثغرات قانونية في القانون 140 من أجل إبطال المسار الانتخابي عبر الطعن المقدم من قبله أمام المجلس الدستوري، الذي أصدر قراره رقم 22/2019 بإبطال عدة مواد من القانون المذكور. نتيجة التحولات السياسية التي نتجت عن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وتلاحم قوى النظام القديم من أجل حماية نفوذها، حصلت تسوية سياسية أدخلت المسار الانتخابي في الثلاجة، خاصة بعد بروز عدد من النخب العلوية الشابة على المسرح الإعلامي والشعبي والسياسي.
التغيير يبدأ من الدار
عقب دخوله البرلمان نتيجة قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة النائب عن القوى التغييرية رامي فنج لصالح النائب فيصل كرامي، سعى الدكتور حيدر ناصر الى إجراء انتخابات المجلس الإسلامي العلوي، لاعتباره أنّها الخطوة الأولى في مسار إخراج الطائفة من عزلتها الإرادية. لكنه واجه الكثير من العقبات، وخاصة من قبل الحزب.
تتحدث مصادر مطلعة عن سعي الحزب الى القبض على قرار الطائفة العلوية، وتجنيده عدداً من الأشخاص العلويين وبعضهم رجال دين ينشطون منذ سنوات في محاولة تشييع العلويين ولا سيما في الريف العكاري. وتستشهد المصادر على هذه المحاولات الدؤوبة بانتشار الفخارة التي يستخدمها الشيعة أثناء الصلاة في بعض القرى العكارية، وبخاصة في قرية عين الزيت، مسقط رأس النائب أحمد رستم.
لذلك اصطدم ناصر بالحزب في أكثر من مناسبة. وإن كان الأخير سعى وما يزال إلى احتوائه، مستغلاً في ذلك ارتباط العلويين التاريخي بسوريا، وعلاقة الأخيرة مع إيران التي تحجب ما يحصل على الأرض من تجاوزات الحزب وقياداته وعناصره.
…
مع ذلك، سعى ناصر الى “استيعاب الجميع، وإشراك جميع ألوان الطيف السياسي العلوي في العملية الانتخابية”، حسبما يؤكد شقيقه ومستشاره المحامي محمد ناصر، الذي تولى عملياً متابعة الملف القانوني للانتخابات وتذليل العقبات: “المجلس يجب أن يكون مظلة لجميع أبناء الطائفة، والانتخابات هي خطوة أساسية لإخراج الطائفة من حالة الانغلاق والجمود، ومن أجل إعادة تجديد وتوثيق عرى التواصل مع النسيج الاجتماعي الطرابلسي”.
الرواية الأخرى: الانتخابات معلّبة
في المقابل، فإن للشيخ عصفور رواية أخرى. الاختلاف يبدأ من اللقب، فقد تعمّم عصفور وصار شيخاً بعد الانتخابات النيابية عام 2022. لكن تعميمه رفضته اللجنة الشرعية، لأسباب “شرعية” بحسب مصادر اللجنة في حديث إلى “أساس”، و”سياسية” بحسب عصفور.
المحامية رشا ريشة، الوكيلة القانونية لعصفور، التي تقدمت بطعن أمام مجلس شورى الدولة لإبطال الانتخابات، تتهم النائب حيدر ناصر بتخريب التوافق الذي كان حاصلاً قبل دخوله البرلمان: “صرنا في عملية انتخابية معلّبة أشبه بالتعيين، وحصل إقصاء لعائلات عريقة ومشايخ”. وتعزو ريشة السبب الى طموح المحامي محمد ناصر إلى تولّي منصب نائب رئيس المجلس الإسلامي العلوي، وقد صرّح بذلك سابقاً، بالإضافة الى السيطرة على المجلس وقراره من خلال الإتيان برئيس على هواه.
تشير ريشة الى أن قرار إعفاء عصفور هو قرار سياسي كيدي: “نحن أبطلنا قرار تمديد الهيئتين الشرعية والتنفيذية لمنعهم من الإتيان برئيس كما يرغبون. والمجلس الدستوري اعتبر أن الهيئتين ليست لديهما صفة تمثيلية”. وتؤكد أن هذا الطعن هو البداية في سلسلة طعون أخرى في حال لم يقم شورى الدولة بإبطال المسار الانتخابي.
إقرأ أيضاً: بشرّي: لا مساومة على ملكيّة القرنة السوداء (2/2)
تشير ريشة الى وجود تعاون بين النائب ناصر والرئيس نجيب ميقاتي والسفير السوري السابق، الذي يعتبره بعض المحسوبين على قوى الممانعة بمنزلة “المندوب السامي”، ضدّ الشيخ عصفور، نظراً لأن الأخير لم يقبل الخضوع لرغبات السفير التي تتعارض مع مصلحة الطائفة العلوية. وتتحدث ريشة عن اتخاذ قرار إعفاء عصفور عام 2019 في مقرّ السفارة السورية بإجماع الأعضاء الـ10 في الهيئتين.
تلفت أيضاً الى أن عصفور هو من حرك مشروع الإفتاء وتابعه حتى صدور مرسوم عن حكومة ميقاتي، إلا أنّ النائب ناصر عقد تسوية مع ميقاتي استغنى فيها عن تعيين مفتٍ علوي في مدينة بيروت، بسبب ما أثاره الموضوع من حساسية سنّية أحرجت ميقاتي. وتشير الى استعانة ناصر بنفوذ التيار الوطني الحر في القضاء عبر القيادي حيدر عيسى لتوقيف مسار الطعون. مع ذلك “العملية الانتخابية لم تحُز ثقة غالبية العلويين.