رئيس الحكومة يدعو إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء في الدير. وعندما جرى لفت نظره إلى أنّ في ذلك تجاوزاً للدستور، حوّل الاجتماع إلى لقاء تشاوري.
وزير الخارجية يمضغ العلكة في القمّة العربية، وعندما جرى تنبيهه إلى الخطأ السلوكيّ بصق العلكة على الأرض.
وزير سابق يتّهم عرب الخليج العربي بالبداوة، متجاهلاً أنّهم سبقوه إلى المرّيخ وتركوه يرتع ويمرح في زبالة الشوارع والأحياء.
وزير حالي يدعو دولة الكويت الشقيقة إلى أن تعيد “بشحطة قلم” بناء الأهراءات التي دمّرها مجهولون – معلومون، ودمّروا معها بيروت.. بشحطة قلم أيضاً.
وشحطات كهذه على مدّ النظر (بالإذن من وديع الصافي).
كان رياض الصلح عرّاب التوافقات العربية.
وكان شارل مالك عرّاب التفاهمات الدولية حول حقوق الإنسان.
وكان فؤاد نفّاع عرّاب المصالحة الإسلامية بين باكستان وبنغلادش بعد حرب بين الدولتين الإسلاميّتين ذهب ضحيّتها حوالي مليون ضحيّة.
كان الرئيس السوري السابق حافظ الأسد يردّد أنّ رفيق الحريري هو أهمّ وزير خارجية لسوريا.
كان لبنان يصدّر الكتب والصحف اليومية والمجلّات إلى الدول العربية. حتى إنّ الرئيس شارل حلو كان يرحّب بأعضاء مجلس نقابة الصحافة اللبنانية بعبارة “أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان”. الآن يصدّر لبنان إلى العرب الكبتاغون.
الآن ترتفع عالياً الدعوات إلى التمزّق الوطني والديني والمذهبي تحت شعارات التقسيم والفدرالية والاتحادية
كان الرئيس الأسبق سليمان فرنجية سفير العرب إلى الأمم المتحدة لطرح القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. اليوم ينتظر لبنان نفاد الذخيرة في مخيّم عين الحلوة ليتوقّف القتال بين الأخوة وأبناء القضيّة الواحدة!!
جسر الفاتيكان إلى العرب
كان لبنان رأس جسر الفاتيكان إلى العالم العربي. ومن أجل ذلك كان السينودس حول لبنان (1995) مع البابا يوحنّا بولس الثاني، ثمّ كان السينودس حول الشرق الأوسط (2010) مع البابا بنديكتوس السادس عشر. وكانت بيروت المكان المختار لإعلان وثائق المؤتمرين. الآن تمرّ طائرة البابا فرنسيس في سماء لبنان وهي في طريقها إلى مصر، أو إلى العراق، أو إلى أبو ظبي. حتى زيارة المواقع المسيحية المقدّسة في فلسطين (البابا بولس السادس) كانت تتطلّب التوقّف في مطار بيروت.
كان الفاتيكان يريد لبنان نموذجاً ومثالاً للتعايش الأخويّ بين الجماعات الدينية والمذهبية المتعدّدة في دول الشرق الأوسط وفي العالم.
الآن ترتفع عالياً الدعوات إلى التمزّق الوطني والديني والمذهبي تحت شعارات التقسيم والفدرالية والاتحادية إلخ..
ليس غريباً أن ترتفع كلّ هذه الدعوات في هذا الوقت بالذات. فالقاعدة العامّة تقول: “قُل لي من يتولّى قيادة السفينة الوطنية، أقُل لك إلى أين تتّجه هذه السفينة”.
علكة ممضوغة ومبصوقة على الأرض في قصر المؤتمرات تعني دولة أو سلطة مثل تلك العلكة.. تعقد صفقاتها المريبة بشحطة قلم وتبحث عن الغفران في كنيسة هنا أو في مجلس عزاء هناك.
كان لبنان دولة رسالة. ولكن بعد انهيار الدولة سقط الرسول وبقيت الرسالة تبحث عن رسول لا يعلك ويبصق في مؤتمرات القمم ولا يعيب الآخرين بما هو فيه، ولا يدّعي تحقيق المعجزات بشحطة قلم.. وهو لا يملك قلماً!!
إقرأ أيضاً: الانتظار على سطحٍ من الصفيح الساخن!
هذا ما يقترفونه
يتطلّب العمل الرسولي كسب احترام الناس وودّهم وثقتهم. ما يقوم به “الرسل السياسيون اللبنانيون” هو، على العكس من ذلك، ازدراء الناس والتعالي الفارغ عليهم واستدراج عداوتهم وكراهيتهم، بشحطة قلم!!
لم يُسَأ إلى لبنان أكثر ممّا أساء إليه السياسيون اللبنانيون أنفسهم، كما يشير إلى ذلك البطريرك الراعي. ومن خلال الإساءة إليه أساؤوا إلى الأهل والأحبّة والأصدقاء في العالم العربي وفي العالم، الذين توسّموا فينا الخير.. وصدّقوا أنّنا حمَلة رسالة أخوّة إنسانية وعيش مشترك، فإذا بنا نطعن الأخوة في الظهر.. ونتخلّى عن مبدأ العيش المشترك إلى صيغة “كل مين إيدو إلو”.
عذراً أهلنا وأحبّتنا في العالم العربي..
اليوم، حتى يدنا لم تعُد لنا.