أميركا تختار: هفوات بايدن… أو تجاوزات ترامب

مدة القراءة 6 د


إذا صدقت الاستطلاعات والتوقّعات ولم يطرأ حدث دراماتيكي يقلب الأمور بشكل جذري، فإنّ الولايات المتحدة ستكون أمام مواجهة رئاسية غير مسبوقة بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، في انتخابات يفضّل الأميركيون لو كان هناك مرشّحان غيرهما يخوضانها.
آخر استطلاعات الرأي تشير إلى عدم رضا أكثر من 55% من الذين شملهم الاستطلاع عن أداء بايدن، وفي المقابل أكثر من 55% لا ينظرون بشكل إيجابي لترامب. وفي حال حصلت الانتخابات هذا الشهر فإنّ بايدن يتفوّق على ترامب في الانتخابات العامّة حسب آخر الاستطلاعات، لكن ليس بفارق كبير، وهو ما يعني أنّ مصير الانتخابات لن يُحسم حتى الأسابيع الأخيرة من موعدها.
على الرغم من مشاكله القضائية وخسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعدم قدرته على توفير الفوز لحزبه بمجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية الأخيرة، ما يزال ترامب يمسك بالحزب الجمهوري، ويحدّد أجندته ويرهب كلّ من يجرؤ على معارضته.
التحدّي الأكبر الذي يواجهه ليس الفوز بالانتخابات التمهيدية للترشّح عن الحزب الجمهوري، فمعظم المرشّحين المحتملين الذين أعلنوا ترشّحهم حتى الآن لا يحظون بنسبة أكثر من 10% من الناخبين الجمهوريين حسب الاستطلاعات، باستثناء حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس الذي كان بالإمكان أن يشكّل تحدّياً لترامب لكنّه لم يستطع حتى الآن إعادة تنشيط حملته الانتخابية المتعثّرة ولم يُثبت أنّ شعبيّته تستطيع أن تتخطّى حدود الولاية. وهو ما يزال بعيداً عن ترامب في جميع الاستطلاعات.

فريق الدفاع عن ترامب فشل حتى الآن في إسقاط الدعاوى والاتّهامات المدنية والجرمية وفي تأجيل المحاكمات المحلّية والفدرالية إلى ما بعد الانتخابات

التحدّي الأكبر هو قدرة ترامب على تجاوز وتقليل ضرر المحاكمات القضائية في التهم الموجّهة إليه وتجنّب أحكام قد يصل بعضها إلى السجن، وقدرته على استمالة المستقلّين، وتحديداً الناخب الأبيض الذي يشكو من ارتفاع نسبة الجريمة في أنحاء البلاد.

انتخابات… ومحاكم
فريق الدفاع عن ترامب فشل حتى الآن في إسقاط الدعاوى والاتّهامات المدنية والجرمية وفي تأجيل المحاكمات المحلّية والفدرالية إلى ما بعد الانتخابات. وهو ما يعني أنّ جلسات المحاكمة ستكون في أوج الحملات الانتخابية وعلى ترامب أن يوفّق بين جلسات المحاكمة والنشاط الانتخابي.
يستطيع محاموه أن ينوبوا عنه في جلسات المحاكمة المدنية، لكن يبقى عليه المثول أمام المحكمة الفدرالية. في السابق استطاع ترامب أن يستفيد من الفضائح الشخصية والتجاوزات القانونية بعدما صوّرها مؤامرةً ينفّذها الديمقراطيون.
أقسى التهم هي تزويره وثائق في قضيّة شراء صمت ممثّلة إباحية، ونقل وثائق سرّية إلى منزله الخاصّ وإفشاء مضمونها لمدنيين.
ترامب لم يغيّر أسلوبه، ويستمرّ باتّهام القضاء بالفساد وبأنّه يعمل وفق أجندة البيت الأبيض. ويملك ترامب موهبة الاستفادة من الاهتمام الإعلامي به وتوظيفه لمصلحته. ويعتقد مناصروه بأنّه يزداد شعبية كلّما وُجّهت إليه اتّهامات. فبين مجريات محاكمته ونشاطه الانتخابي، سيكون ترامب نجم التغطيات الإعلامية. والأهمّ أنّه حتى لو تمّت إدانته وصدر حكم بسجنه فإنّ ذلك لن يمنعه دستورياً من الاستمرار بترشّحه.
جلسات المحاكمة ستبدأ في آذار المقبل، أسابيع بعد “الثلاثاء الكبير” في الانتخابات التمهيدية. وهو الموعد الذي عادة ما يحسم هويّة المرشّحَين في الحزبين، وينتقل بعده المرشّحان الجمهوري والديمقراطي إلى التركيز على الانتخابات العامّة في تشرين الثاني.

إنجازات بايدن… وعمره
بايدن يخوض حملة كلاسيكية مبنيّة على سجلّه وإنجازاته في السنوات الأربع لولايته. على الرغم من عدم كونه رئيساً شعبياً يمكن لبايدن أن يتباهى بالإنجازات التالية:
– احتواء التضخّم وخفض معدّلات البطالة وتجنّب الكساد.
– قيادة تحالف غربي لمواجهة حرب روسيا على أوكرانيا.
– التشدّد مع الصين التي تهدّد الزعامة الاقتصادية للولايات المتحدة.
– عدم مشاركة أو خوض الولايات المتحدة عمليات عسكرية وحروباً للمرّة الأولى منذ عقود.
– قدرته على التعامل مع الجمهوريين في الكونغرس. وبرز ذلك في المفاوضات التي أدّت إلى تجاوز استحقاق إقرار الموازنة.
– عدم ارتكاب إدارته خطأ كبيراً أو ظهور فضيحة تستوجب معاقبته انتخابياً.
أمّا التحدّي الأكبر الذي يواجه بايدن فهو عمره البالغ 80 عاماً، الذي يجعله الرئيس الأكبر عمراً في تاريخ الولايات المتحدة، في حال إعادة انتخابه. وقضية عمر بايدن بدأت تبرز مع الهفوات المستمرّة التي يقع فيها خلال مؤتمراته الصحافية وخطاباته، والتي عزّزت الشكوك في قدراته الذهنية وحالته الصحّية وإمكان أن يستمرّ بعمله لولاية ثانية.

في المقابل يسعى ترامب إلى تجريد بايدن من كلّ الإنجازات التي يدّعي أنّه ساهم فيها. لذلك يركّز خطاب ترامب على التالي:
– الاقتصاد ليس على ما يرام.
– لو كان رئيساً لما نشبت حرب مكلفة في أوكرانيا.
– العودة إلى مخاصمة الحلفاء الأوروبيين وتعهّده استعادة الأموال، التي دفعتها الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا، من دول الناتو.
هكذا لم يتغيّر المشهد الانتخابي منذ آخر انتخابات رئاسية. فالانقسام الجمهوري الديمقراطي لم يكن أكثر حدّة ووضوحاً من اليوم. ولذا سيتعلّق مصير الانتخابات بقدرة أحد المرشّحَين على جذب الناخبين الجدد والمستقلّين وتنشيط قاعدته الشعبية.

إقرأ أيضاً: أميركا – السعوديّة: تسارع على سكّة التباعد؟

هناك شغف أميركي بقصص النجاح والعودة بعد السقوط. وهي سمة متجذّرة بالثقافة الأميركية نلحظ انعكاسها في أفلام هوليوود ومباريات الملاكمة التي تخلّدها عودة الملاكم الشهير الراحل محمد علي كلاي حين انتصر واستعاد لقب بطل العالم بعد سقوطه أمام الملاكم جو فرايزر.
سيسعى ترامب إلى تعزيز ادّعائه أنّ بايدن والديمقراطيين سرقوا الانتخابات منه وأنّه يريد تصحيح الخلل. إذا نجح ترامب في شحن قاعدته الانتخابية وتصوير نفسه ضحيّة غبن الدولة العميقة فإنّ الانتخابات المقبلة ستكون استفتاء على شعبية ترامب أكثر منها إعادة انتخاب لبايدن. وعلى الناخب الأميركي أن يختار بين هفوات بايدن وتجاوزات ترامب.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…