أكثر السيناريوهات تشويقاً لم تَضع في حسابها تحوّل مشروع التمديد إلى “ماتش” كرة قدَم لم يكن فيه الدفاع والهجوم وحرّاس المرمى سوى لاعبين على حبل تصفية الحسابات وتسديد أهداف رئاسية وسياسية.
جوزف عون “مُنقِذ” الجيش في هذه المرحلة والذي لا بديل عنه، برأي داعمي بقائه في اليرزة، بدا بحاجة إلى من يُنقِذه من “ورطة” إقفال كلّ مسارب التمديد له على رأس المؤسّسة العسكرية إلى أن قُضي الأمر في مجلس النواب بالتمديد سنة واحدة للضبّاط برتبة عماد ولواء.
الطعن جاهز
جبران باسيل يستعدّ لتقديم طعن أمام المجلس الدستوري، فيما وزير الدفاع أقرّ سلفاً باحترام نتائج التمديد لأنّه ارتكز على تعديل سنّ التسريح الحكمي المنصوص عنه في قانون الدفاع. مع العلم أنّ القانون المقرّ سيشمل في هذه الحالة: قائد الجيش جوزف عون، المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العامّ للأمن العام اللواء الياس البيسري، عضوَي المجلس العسكري الأمين العامّ للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى واللواء بيار صعب.
لم تعد المسألة مسألة قانون، ولا دستور، ولا بلّوط. شهدنا فعليّاً حفلة تكسير رؤوس كان المتضرّر الأكبر منها الجيش وعناصره وضبّاطه.
هكذا انتهت أشهر النزاع حول التمديد إلى مشهد سوريالي بتطيير نصاب جلسة “التمديد المُفترض” وتأجيلها إلى صباح يوم الثلاثاء بعدما كان بشّر كبار القوم من سياسيين وأمنيين بأنّ جلسة أمس في الحكومة ستشهد تأجيل تسريح قائد الجيش لستّة أشهر وتعيين رئيس أركان.
سريعاً، وبخلاف ما توقّعه العديد من النواب، تلقّف الرئيس برّي الكرة بعد الظهر، وكرّت سريعاً عملية المصادقة على العديد من القوانين إلى أنّ أُقِرّ بند التمديد لكبار الضبّاط بعدما سقط اقتراح التمديد سنة لكلّ العسكر والضبّاط، وهو الأمر الذي أشعَرَ الغالبية العظمى من الضبّاط والعسكر في الأسلاك الأمنيّة والجيش بالظلم والتمييز وتكريس ذهنية تفصيل القوانين على قياس أشخاص.
فَعَلها برّي قبل الأعياد: “كلّ اللبنانيين مع الجيش وما حدن يزايد على الثاني”، وأزاح ميقاتي الحِمْل عن ظهره
في الظاهر، “عطّل” العسكريون المتقاعدون وصول بعض الوزراء إلى السراي مع أنّ غيرهم “ظَمَط” ووصَل سالماً، وسُلّط الضوء على أزمة تعيين رئيس أركان اعترض عليه فجأة وزيرا “تيار المردة”، وهو ما أدّى وفق البعض إلى تطيير الجلسة، لكن في العمق أنتَجَ “مطبخ آخر الليل” قراراً بتعطيل نصاب جلسة تأجيل التسريح في وقت مهّد الرئيس نجيب ميقاتي صباحاً لهذا المناخ بالإشارة إلى أنّه في حال لم تقُد “اتّصالاته المكثّفة” إلى تحقيق توافق على طرح الملفّ حكوميّاً “فليفعَلها مجلس النواب”. ولم يُعرف فعليّاً مدى تأثير قرار وزير الداخلية بسام المولوي بعدم توقيع قرار تأجيل تسريح اللواء عثمان في تحويل بوصلة الحسم من السراي إلى ساحة النجمة الذي لا بدّ أنه أكل “الضرب” أيضاً.
فَعَلها برّي
فَعَلها برّي قبل الأعياد: “كلّ اللبنانيين مع الجيش وما حدن يزايد على الثاني”، وأزاح ميقاتي الحِمْل عن ظهره. جبران باسيل كان في العمق صاحب مصلحة علنية في عدم حصول الحَسم في مجلس النواب ولا في الحكومة، ولذلك لم يُرصد أثر لنواب التيار الوطني الحر داخل القاعة، فيما تابع الرئيس ميشال عون لحظة بلحظة تمديد “النكاية” متوعّداً بأنّ “القرار سيُكسَر”. نواب الحزب انسحبوا من الجلسة قبل إقرار التمديد مطمئنّين إلى أنّ النصاب لا يزال متوافراً بهمّة نواب كتلة بري، إضافة إلى نواب معسكر التمديد.
لكن أيضاً قائد الجيش كان صاحب مصلحة بعدم صدور قرار أو مرسوم “إشكاليّ” بتأجيل تسريحه عن الحكومة لأنّه سيتعرّض للإبطال الفوري، فيما نجحت القوات اللبنانية في فرض التمديد في مجلس النواب وتبرير كسرها لقرار مقاطعة الجلسات التشريعية وتسجيل نقطة ذهبية في سلّة جبران باسيل.
حتى الوزراء الستّة الذين تغيّبوا عن الجلسة لم يعكسوا “نَفَسَ” مقاطعة ذات أبعاد طائفية أو سياسية، بل بدوا كمن طُلِب منهم أمر ونفّذوه في سياق تضييع بوصلة “المسؤول” الفعليّ عن تطيير النصاب والذي حدّد العارفون هويّته: فتّشوا دوماً عن الحزب ولا تستخفّوا بمناورات ميقاتي والحسابات البعيدة المدى لبرّي: والنتيجة ما حصل أخيراً في مجلس النواب.
أمّا الجلسة النيابية التي كان موعد التئامها محدّداً عند الساعة الثالثة من بعد ظهر أمس فتكفّل نواب بتحديد مداها: جلسة مُنتِجة تشريعياً نوعاً ما تناوَبَ نواب المعارضة “والتغييريون” على الإبقاء على نصابها مكتملاً، إلى أن نجح سُعاة إبقاء قائد الجيش في موقعه في مهمّتهم، إذ أَفلح “رَكض” النواب على مدى يومين في الوصول إلى “البند 17” وتعداد القوانين المعجلّة المكرّرة، ثمّ إقرار التمديد بالصيغة التي تقدّمت بها كتلة الاعتدال الوطني والتي اتفق عليها مسبقاً للقادة الأمنيين بصيغة أرضت قائد الجيش والقوات ومؤيّدي التمديد الذي سيعزّز “الحرب الكونية” الدائرة بين باسيل وقائد الجيش.
جبران باسيل يستعدّ لتقديم طعن أمام المجلس الدستوري، فيما وزير الدفاع أقرّ سلفاً باحترام نتائج التمديد لأنّه ارتكز على تعديل سنّ التسريح الحكمي المنصوص عنه في قانون الدفاع
“يوم الجمعة العظيم”
عشيّة يوم الجمعة “العظيم” سيطرت الأجواء الضبابية على كلّ المقرّات، وهذا ما فسّر عدم نضوج الطبخة في الحكومة بعكس الرهانات عليها وتبرّع كثيرون بالقول “منتهية”، لتنتهي فعليّاً بمطرقة نبيه بري، وباحتمال تعيين رئيس أركان هو العميد حسّان عودة في جلسة الثلاثاء. أمكن أمس رَصد “أجواء احتفالية” هنا وهناك، وأجواء تقبّل تعازٍ في أمكنة أخرى.
وزير الدفاع: عيّنوا أو أكلّف ضابطاً
من جهته، قَوطَب وزير الدفاع موريس سليم على الحكومة من خلال الكتاب الذي أرسله إلى ميقاتي في شأن “قيامه بالمُقتضى عبر الإجراءات الإدارية لوضع حدّ نهائي للشغور المرتقب في قيادة الجيش والشغور المستمرّ في “مؤسّستين رئيسيّتين لدى وزارة الدفاع” (المديريّة العامّة للإدارة والمفتشيّة العامّة) ورئاسة الأركان في ضوء، كما قال، ما جرى التفاهم عليه في الاجتماعات معكم وبما يتوافق مع الأحكام الدستورية”، غامزاً من قناة ميقاتي بموافقته المُسبقة على إقرار تعيينات شاملة، ومؤكّداً على صلاحيّاته كوزير في أيّ إجراء مرتبط بالجيش وقيادته. وقبل ساعات من انعقاد جلسة الحكومة رفع الوزير موريس سليم السقف عالياً: “إمّا تعيين أو أكلّف الضابط الأعلى رتبة”.
إقرأ أيضاً: برّي “آخذ على خاطره” من الحزب: تمديد آخر لحظة في الحكومة!
في المقابل اتّخذ رئيس الحكومة موقف الدفاع عن النفس من خلال محاولة ردّ “عدوان” القوات عليه والتأكيد على “نهجه التوافقي” لحلّ الأزمة، فيما كشفت الأشهر المنصرمة التزامه الكامل بالحدود التي وضعها الحزب لحكومته كي تتصرّف بملفّ التمديد. والدليل أنّه في اللحظة التي كشف فيها الحزب عن ورقته بإعلان مشاركته، “دَحَش” ميقاتي، فيما هو في جنيف، اجتماع الحكومة المُفاجِئ بين جلسات التشريع. وحين تفركشت مجدّداً، نسّق مع الحزب لتطيير نصابها وإيجاد التخريجة النهائية على يد المايسترو نبيه برّي.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@