خبير إسرائيلي: غزّة تهدّد “محور” إيران كلّه؟

مدة القراءة 7 د


أيّ مستقبل لـمحور المقاومة” الإيراني بعد حرب غزة؟
تساؤل طرحه خبير في شؤون إيران في “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” يدعى دكتور راز زيمت. وهو عمل سابقاً كمراقب لإيران لدى قوات الدفاع الإسرائيلية.
تحت هذا العنوان في مجلة “The Atlantic Council”، قال إنّه “بعد اجتماعه مع زعيم الحزب في بيروت، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بثّ مباشر للتلفزيون الرسمي في 16 تشرين الأول: “إذا لم ندافع عن غزة اليوم، فسيكون علينا الدفاع عن مدننا. ونقل عن نصر الله قوله أيضاً: إذا لم نتحرّك فوراً، فسنضطرّ إلى قتال القوات الصهيونية في بيروت غداً”.
أضاف زيمت أنّه “لسنوات عديدة رأت إيران نفسها في بيئة إشكالية للغاية، محاطة بدول ضعيفة أو مفلسة وتواجه وجوداً أجنبياً يمكن أن يشكّل تهديداً لأمنها القومي. وساهمت التجربة التاريخية في تعزيز الاعتبارات الأمنيّة لإيران، وكان أهمّها حربها الدموية التي استمرّت ثماني سنوات مع العراق  (1980-1988) وكان صدام حسين هو الذي شنّها. ومع ذلك، فإنّ معظم دول العالم، بما في ذلك معظم الدول العربية، دعمت العراق. فعزّز هذا الواقع تصميم طهران على بذل كلّ ما في وسعها لضمان عدم تكرار هذه الصدمة مرّة أخرى”.

الخوف على النظام يحرّك إيران
وفقاً لزيمت، وهو أيضاً باحث في “مركز التحالف للدراسات الإيرانية” في جامعة تل أبيب، فإنّ ضمان بقاء النظام ضدّ التهديدات الداخلية والخارجية هو الهدف الأول للجمهورية الإسلامية وخطّ دفاعها الأوّل هو الحرس الثوري الإسلامي: “أدّى غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، والحرب الأهلية في سوريا عام 2011، وصعود تنظيم داعش عام 2014، إلى تفاقم مخاوف إيران على مدى العقدين الماضيين، وأرست الأساس لإنشاء “محور المقاومة”، الذي يشكّل أداة مهمّة لإيران لردع أعدائها وتوسيع نفوذها وقوّتها خارج حدودها، ويضمّ نظام بشار الأسد في سوريا، والحزب في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن، فضلاً عن حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين”.

يخلص الباحث إلى أنّ إيران بعد الحرب “ستحتاج إلى أن تسأل نفسها ما إذا كان وجود شبكة أكثر محدودية وتقييداً من وكلائها كافياً لحماية مصالحها الأمنية الأساسية في واقع إقليمي متغيّر

في رأي زميت أنّ هذا التطوّر يرسّخ مفهوم النخبة السياسية والأمنية الإيرانية على مدى العقدين الماضيين لأهميّة توسيع أنشطة إيران ونفوذها إلى ما هو أبعد من حدودها السياسية والجغرافيّة من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة التهديدات الخارجية وتحييدها في أسرع وقت ممكن. لذا تبنّت استراتيجية “الدفاع الأمامي” التي تقوم على احتواء التهديدات للأمن القومي الإيراني من خلال التعامل مع أعدائها بعيداً عن حدودها قدر الإمكان.
وأوضح نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية مسعود جزائري الحاجة إلى مفهوم الدفاع الأمامي، مشيراً إلى أنّ أحد أساليب الأميركيين و”أعداء الثورة” هو زيادة وجودهم في الدول المجاورة لإيران. فإذا لم يقاتل الإيرانيون هؤلاء الأعداء خارج حدود بلادهم، فسيضطرّون إلى القتال داخلها. ومن المستحيل انتظارهم بل يجب إيقافهم في منتصف الطريق.
الباحث الإسرائيلي يشير إلى أنّ “مفهوم الدفاع الأمامي يرتبط بشكل وثيق مع مفهوم “العمق الاستراتيجي”، الذي يشكّل عنصراً أساسياً في استراتيجية إيران ويعمل على التعويض عن قدراتها العسكرية التقليدية المحدودة”: “لقد أدّى إنشاء محور المقاومة إلى تعزيز قدرة إيران على توسيع عمقها الاستراتيجي الإقليمي من خلال تعزيز الجماعات الموالية لها والملتزمة بأيديولوجيتها واستراتيجيتها المناهضة للصهيونية والمعادية للولايات المتحدة، وإنشاء قواعد عسكرية لجماعات محور المقاومة وإقامة تحالفات مع الدول ذات التفكير المماثل. والهدف تمكين إيران من توسيع ساحة المعركة ضدّ أعدائها إلى ما وراء حدودها الإقليمية، وإنشاء خطوط دفاعية بعيدة عن حدودها، بالإضافة إلى الحدّ من عزلة إيران الاستراتيجية، وردع الهجمات المحتملة من إسرائيل والولايات المتحدة، وتزويد طهران بالقدرة على توجيه ضربة ثانية في حالة وقوع هجوم ضدّها”.

حرب غزّة هي المختبر الحقيقي
يعتبر الباحث أنّ حرب غزة تمثّل أوّل اختبار مهمّ لمستوى التعاون بين عناصر “محور المقاومة” الذي تقوده إيران. الحرب نفسها تمثّل تهديداً كبيراً لأحد المكوّنات الرئيسية لمحور المقاومة، الحزب، واختباراً مهمّاً لقدرته على ردع إسرائيل: “منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، كثّفت إيران تهديداتها لإسرائيل. ومع ذلك، يبدو أنّها متردّدة في فتح جبهة واسعة النطاق بين الحزب وإسرائيل، لأنّ ذلك قد يلحق خسائر فادحة بالحزب وربّما بإيران نفسها. وقد يؤدّي ذلك أيضاً إلى تدخّل عسكري أميركي”.

المعضلة التي تواجه إيران ليست بسيطة. فهناك خوف من التضحية بقدرات الحزب الاستراتيجية والمخاطرة بمواجهة مع الولايات المتحدة

إيران لا ترى في توريط الحزب ضمن حرب شاملة ضدّ إسرائيل خياراُ وحيداً وفورياً. في هذه المرحلة، يبدو أنّها تفضّل اتّخاذ إجراءات ضدّ إسرائيل من خلال الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق وسوريا واليمن. ومع ذلك، فإنّ تقويمات طهران قد تتطوّر مع استمرار حرب غزة، خاصة في حال تحقيق نجاحات عسكرية إسرائيلية تهدّد بقاء حماس أو قدرتها على الحفاظ على سيطرتها الفعلية على قطاع غزة.
لكنّ المعضلة التي تواجه إيران ليست بسيطة، وفقاً لزيمت. فهناك خوف من التضحية بقدرات الحزب الاستراتيجية والمخاطرة بمواجهة مع الولايات المتحدة، كما هناك خوف من انهيار حماس وتحوّل ميزان القوى الإقليمي على حساب إيران ومحور المقاومة. لكن سواء قرّرت إيران تصعيد الحرب أم لا، فإنّ الصراع في غزة له تداعيات استراتيجية على غزة والشرق الأوسط بأكمله. فتحييد قدرات حماس لا يؤثّر على ديناميكية القوة بين إسرائيل وحماس في غزة فقط، بل وأيضاً على توازن القوى المستقبلي في الشرق الأوسط، الذي يتنازع عليه محور المقاومة الذي تقوده إيران وتحالف من القوى الدولية والإقليمية الأكثر اعتدالاً.
أضاف زيمت: “تدرك إيران أنّ النجاح العسكري المحتمل لإسرائيل وهزيمة حماس يمكن أن يؤدّيا إلى ظهور واقع سياسي جديد في أعقاب الحرب يقوّض موقف إيران الإقليمي. وقد تكون طهران قادرة على الحفاظ على موقفها حتى من دون سيطرة حماس على غزة في أعقاب الصراع، لكنها تدرك أيضاً أنّ الحزب قد يواجه أيضاً تداعيات، حتى لو امتنع عن الدخول في مواجهة كاملة مع إسرائيل. فالدعوات الإسرائيلية إلى اتّخاذ إجراءات أكثر حسماً ضدّ الحزب في لبنان ترتفع، إذ قال وزير الدفاع المتشدّد السابق أفيغدور ليبرمان: لا يمكننا إنهاء الحرب من دون رمي الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني”.

إقرأ أيضاً: “إنجيل” غزّة : قتل عشوائي… بحجّة الذكاء الاصطناعي

ويخلص الباحث إلى أنّ إيران بعد الحرب “ستحتاج إلى أن تسأل نفسها ما إذا كان وجود شبكة أكثر محدودية وتقييداً من وكلائها كافياً لحماية مصالحها الأمنية الأساسية في واقع إقليمي متغيّر. إذا كانت الإجابة على هذا السؤال سلبية، فقد تعيد إيران تقويم إجراء استراتيجي آخر طوّرته في العقود الأخيرة لردع أعدائها وضمان بقائها: الخيار النووي.. حتى الآن، لم تقرّر إيران الانتقال إلى إنتاج الأسلحة النووية، غير أنّ الشعور المتزايد بالتهديد والاعتقاد بأنّها لم تعد قادرة على الاعتماد فقط على وكلائها أو الاكتفاء بالعتبة النووية لردع أعدائها، يمكن أن يدفعها إلى تغيير استراتيجيتها النووية. ولقد سبق لها أن فعلت ذلك في الماضي. ويمكنها أن تفعل ذلك مرّة أخرى”.

 

لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…