باريس: ترشيح قائد الجيش عامل تأزيم!

مدة القراءة 5 د


تفرض “المنطقة العازلة” وترتيباتها من غزة إلى جنوب لبنان وَقعَها على مُجمل تطوّرات الداخل اللبناني إلى درجة لم تمنع الموفد الفرنسي جان إيف لودريان من الربط علناً بين طلبه التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وتطبيق القرار 1701، مُكرّساً هواجس الفريق السياسي المحسوب على الحزب من أن يخفي المخطّط الغربي بالتمديد لقائد الجيش رهانات من خارج الحدود على الضغط على المقاومة ومحاصرتها برفع لافتة تطبيق الـ 1701 بحذافيره، وهو ما يعني نسفاً للاستاتيكو الذي حَكَم الواقع الحدودي جنوباً منذ 2006.

لودريان إن حكى
في مقابلته التلفزيونية على شاشة “إل بي سي” قال لودريان: “لا يُمكِن تصوّر عدم حصول التمديد في ظلّ الفراغ الرئاسي ومجلس نواب لا يعمل. يجب أن لا يبقى الجيش من دون قائد مع مسؤوليات كاملة. لدى فرنسا مسؤولية إضافية خارج دورها في حماية اللبنانيين. فلدينا عناصر مسلّحة في جنوب لبنان، ونتمنّى أن يبقى الجنوب مَحميّاً وللجيش دور أساسي في هذه المسألة”، معتبراً أنّ “قرار فقدان القيادة العسكرية في هذا التوقيت سيكون عملاً عديم المسؤولية”.
أضاف لودريان: “الحرب على الأبواب، وهذا يَفرض حالة الطوارئ على اللبنانيين في بلد منهار. نحن نرى جيّداً احتمال اندلاع الحرب على الحدود. لا شيء يمنع إمكانية حصول تصعيد دراماتيكي، ولا مفرّ في مواجهة الأزمة الأمنيّة من التمديد لقائد الجيش على الأقلّ لبعض الوقت. هناك واجب وطني لإيجاد مخرج دستوري للتمديد”.

يرى مطّلعون أنّ “باريس التي سوّقت سابقاً لسليمان فرنجية باتت تعتبر ترشيح قائد الجيش أيضاً عامل تأزيم وليس عامل حلّ بحكم سيطرة الشغور الرئاسي على مدى عام وشهرين

هذا الإلحاح الفرنسي الذي يحظى بغطاء اللجنة الخماسية تحوّل إلى كرة ثلج بوجه المُمانع الأوّل للتمديد النائب جبران باسيل الذي لم يتوانَ، وفق مصدر مطّلع قريب من الفرنسيين، في معرض سَرد لودريان لإيجابيات التمديد لقائد الجيش و”صفاته” الجيّدة، في الردّ عليه عبر القول: “أنا أرفض مخالفة القانون بقبول التمديد له، وماذا لو تعيّنونه قائداً للجيش في فرنسا إذا كنتم ترونه عظيماً إلى هذه الدرجة؟”.
حتى يحين أوان عودة لودريان المرتقبة مطلع العام المقبل إلى لبنان ومع قرب عودة الموفد القطري واستئناف اتصالاته بدءاً من الأسبوع الحالي، كما تقول المعلومات، يتبيّن أكثر اتّساع رقعة التداول في ملفَّيْ الرئاسة والتمديد على الرغم من التوتّر العسكري الذي عادت وتيرته إلى الارتفاع في الأيام الماضية.
في هذا السياق كان لافتاً جدّاً صدور إشارتين من الموفد الفرنسي: الأولى قبوله بالتمديد لقائد الجيش “حتى لو لفترة ثلاثة أو ستّة أشهر”، كما نُقل عنه. وهي فترة تُعتبر قصيرة نسبياً أمام المشهد العسكري المتأزّم جنوباً والجمود الكلّي الذي يسيطر على ملفّ رئاسة الجمهورية.
الثانية قوله أمام من التقاهم إنّ “كلّ المرشّحين “المحتملين” ممّن تمّ التداول بأسمائهم قبل جلسة 14 حزيران التي شهدت آخر محاولات انتخاب رئيس أثبتوا عدم قدرتهم على حصد الأصوات الكافية، وهذا يعني ضرورة الانتقال إلى خيار المرشّح الثالث”، جازماً أنّ “السعودية (هي التي لم تغادر طوال فترة الشغور الرئاسي بقعة الدعوة إلى انتخاب رئيس من دون الدخول في زواريب الترشيح والأسماء) تتحرّك مجدّداً لإخراج لبنان من المأزق، وذلك وفق اتصالاتي معهم في الرياض ولبنان”، مسلّماً بأنّ “الخيار الثالث هو قرار كلّ أعضاء الخماسية”.

فرنسا تتخلّى عن جوزف عون
هنا يرى مطّلعون أنّ “باريس التي سوّقت سابقاً لسليمان فرنجية باتت تعتبر ترشيح قائد الجيش أيضاً عامل تأزيم وليس عامل حلّ بحكم سيطرة الشغور الرئاسي على مدى عام وشهرين، وفرنسا تتشارك في ذلك مع أعضاء “الخماسية”، لكنّ ممثّلي هذه الدول يميّزون بين توصيف الواقع لجهة نتائج طرح ترشيح عون وما يمكن أن يسبّبه من انقسامات داخلية، وبين احتمال العمل على تسوية كبرى تأتي به رئيساً للجمهورية قد يكون المعارض الوحيد لها باسيل فقط”.

الدليل على مناخ التأزيم، وفق هؤلاء، التردّد الكبير الذي يحكم بتّ ملف التمديد لعون في الوقت الذي يبدو فيه باسيل الرافض شبه الوحيد لهذا الخيار، ومع ذلك تعجز الحكومة ومجلس النواب حتى الآن عن حَسمِه

الدليل على مناخ التأزيم، وفق هؤلاء، التردّد الكبير الذي يحكم بتّ ملف التمديد لعون في الوقت الذي يبدو فيه باسيل الرافض شبه الوحيد لهذا الخيار، ومع ذلك تعجز الحكومة ومجلس النواب حتى الآن عن حَسمِه. وحتى لو رفض الحزب التمديد، فإنّ هذا الأمر بالسياسة متاح إن كان في الحكومة (في ظلّ مخالفات سابقة فاضحة للسلطة في لبنان في تعاطيها مع القوانين والدساتير ومن ضمنها انتخاب ميشال سليمان خلافاً للدستور) أو مجلس النواب، وفي الموقعين النصاب متوفّر وبمباركة مسيحية. فإذا التمديد لجوزف عون خلق هذه الإشكالية والخلافات، فكيف بالأحرى انتخابه رئيساً للجمهورية، وهو ما يتطلّب أصلاً تعديلاً دستورياً بأغلبية الثلثين إن مُدّد أو لم يمدّد له؟. هذا يعني، أقلّه، أنّ باريس تميّز بين رغبتها الشديدة بالتمديد لعون في قيادة الجيش وبين حسابات انتخابه رئيساً للجمهورية.

إقرأ أيضاً: باسيل بعد موقعة لودريان: وزير الدفاع خط أحمر..

أمس كرّر البطريرك بشارة الراعي “فَرمان” بكركي الداعي إلى عدم المسّ بقيادة الجيش الحالية و”تحصين الثقة بقيادته وثقة الدول به”، مُعدّداً الأسباب الموجبة للتمديد لعون والتي وردت حرفيّاً على لسان لودريان حين التقاه، ومنها “الحاجة المتزايدة إلى الجيش لتطبيق القرار 1701 واستقرار الجنوب وضبط الفلتان الأمني وسدّ المعابر غير الشرعية والوقوف بوجه الهجرة غير الشرعية (توجّه السوريين إلى أوروبا من لبنان عبر البحر وتهريب البشر والسلع والمخدّرات)…”.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…