باحثة إسرائيليّة: لم ولن نتغيّر

مدة القراءة 8 د


لم تغيّر الوقائع في غزة والعالم المزاج الإسرائيلي. كلّ الضحايا وهذا الكمّ المهول من الدمار لم يدفعوا الإسرائيليين كما يبدو إلى السلام. هذا ما أكّدته داليا شيندلين الباحثة من تل أبيب في مركز Century International للبحوث والسياسات الدولية الذي مقرّه واشنطن، مستندةً إلى استطلاعات أُجريت أخيراً داخل إسرائيل وأخرى أجرتها بنفسها لأنّها خبيرة استطلاعات رأي وباحثة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.
كتبت شيندلين في مجلة “فورين أفيرز”: لأكثر من عشرين عاماً، وعدت الأحزاب اليمينية المهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي الناخبين بأنّ البلاد أصبحت أكثر أماناً ممّا ستكون عليه في ظلّ أيّ سياسة أخرى، وأيّدها معظمهم. لكن في 7 تشرين الأول، حطّم هجوم حماس هذه الفكرة. مع ذلك، فإنّ إسرائيل لم تتغيّر. فعلى الرغم من لوم الإسرائيليين قادة البلاد على الإخفاقات الأمنيّة الكارثية التي أحاطت بالهجمات، من غير المرجّح أن يتغيّر توجّههم السياسي الأساسي.

إنقلاب إسرائيلي بعد الحرب
اعتبرت شيندلين أنّ انقلاب الإسرائيليين على قادتهم في زمن الحرب ليس بالأمر الجديد. وغالباً ما غضبوا من حكومتهم بعد اندلاع الحرب، بغضّ النظر عن التوجّه السياسي للأحزاب الحاكمة. ففي عام 1973، أُلقي اللوم على رئيسة الوزراء غولدا مائير لفشلها في توقّع الهجوم الذي شنّته مصر وأدّى إلى اندلاع حرب يوم الغفران وطُردت في النهاية من منصبها. أمّا الانتفاضة الثانية، أو الانتفاضة الفلسطينية العنيفة التي بدأت في عام 2000، فقد أدّت إلى انهيار حكومة رئيس الوزراء إيهود باراك الذي خسر أمام آرييل شارون بنحو 25 نقطة مئوية في عام 2001. وحرب إسرائيل ضدّ الحزب عام 2006 مثال آخر. وبحلول شهر آب من ذلك العام، شعر 63% من الإسرائيليين أنّ رئيس الوزراء إيهود أولمرت فشل في إدارة الحرب بشكل صحيح ويجب عليه الاستقالة. وفي بداية عام 2007، كان أولمرت يواجه تحقيقات فساد، وكان أكثر من ثلاثة أرباع الإسرائيليين غير راضين عن أدائه، وهي النسبة نفسها التي تريد الآن أن يتخلّى نتانياهو عن السلطة (استقال أولمرت في عام 2008 بسبب اتّهامه بالفساد).

على الرغم من الغضب الواسع النطاق من خطة حكومة نتانياهو للإصلاح القضائي، استمرّت غالبية الناخبين اليهود في التماهي مع اليمين في استطلاعات الرأي، وفقاً لدراسة استقصائية

استبعدت الخبيرة التي تجري استطلاع الرأي العامّ الإسرائيلي الفلسطيني المشترك المستمرّ بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحيّة أن يبقى نتانياهو في منصبه. وأشارت إلى استطلاع للرأي أُجري يومَي 22 و23 تشرين الثاني، بعد إعلان الحكومة عن صفقة إطلاق سراح رهائن كان من الممكن أن تعزّز موقفها، أظهر أنّ الائتلاف الحاكم سيخسر 23 مقعداً من مقاعده الـ 64 في الكنيست (من أصل 120 مقعداً)، ولفتت إلى استطلاع آخر أظهر أنّ الليكود سيخسر ما يقرب من نصف مقاعده في الكنيست البالغ عددها 32 مقعداً، وأنّ أكثر من ثلاثة أرباع الإسرائيليين يعتقدون أنّ نتانياهو يجب أن يستقيل، بعد الحرب أو حتى أثناءها. وفي نيسان الماضي، أيّد 37% فقط من الإسرائيليين رئيس الوزراء. ومنذ الهجمات، انخفض هذا الرقم إلى 26 في المئة. وبحلول منتصف تشرين الثاني، فضّل ما يقارب 52% رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية السابق بيني غانتس، المنافس السياسي الرئيسي لنتانياهو والشريك الحالي في حكومة الطوارئ الحربية.

رحيل نتانياهو لن يُحدث تغييراً
أكّدت شيندلين أنّ رحيل نتانياهو لن يُحدث تغييراً جوهرياً في السياسة الإسرائيلية.
وأضافت: “مراراً وتكراراً، في أوقات الحرب أو العنف الشديد، انتقل الإسرائيليون إلى اليمين. عندما انتخبت إسرائيل حزب الليكود اليميني للمرّة الأولى في عام 1977، أضفى الشرعية على الأيديولوجيات القومية والمتشدّدة كقوّة مهمّة في إسرائيل. وخلال الثمانينيات، ساعد صراعان رئيسيان في دفع المزيد من الإسرائيليين إلى الانضمام إلى اليمين: حرب عام 1982 والانتفاضة الأولى، التي بدأت في عام 1987. وينعكس هذا التحوّل في أرقام استطلاعات الرأي: في عام 1981، وجد الباحثون في الاستطلاع أنّ بين اليهود (لم تشمل أيّ استطلاعات عامّة العرب في ذلك الوقت) قال 36% من المستطلعين إنّهم يعتزمون دعم حزب يميني. وبحلول عام 1991، ارتفعت النسبة إلى حوالي نصف جميع الإسرائيليين اليهود. وكانت انتخابات عام 1992 هي المرّة الأخيرة التي صوّت فيها الإسرائيليون لليسار بعد صراع مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من توقيع حكومة زعيم حزب العمل إسحاق رابين على اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، إلّا أنّ المتطرّفين على الجانبين سرعان ما أحبطوا العملية. قبل اغتيال رابين في تشرين الثاني 1995، قال حوالي نصف اليهود الإسرائيليين إنّهم يمينيون، مقارنة بـ 28% قالوا إنّهم يساريون، و23% وصفوا أنفسهم بأنّهم وسطيون. وفي انتخابات عام 1996، على الرغم من أنّ استطلاعات الرأي أظهرت تعاطفاً بعد الاغتيال مع خليفة رابين، شيمون بيريز، ذهب الناخبون إلى انتخاب نتانياهو، الذي خاض الانتخابات على برنامج يميني شعبوي معارض لـ “عملية السلام”.
أضافت شيندلين أنّه خلال العقد الأول من هذا القرن، تحوّل الإسرائيليون أكثر نحو اليمين. وتميّز بالتفجيرات الانتحارية وإعادة غزو إسرائيل للمدن الفلسطينية في عملية “الدرع الواقي”، ثمّ حرب عام 2006 في لبنان، وانسحاب إسرائيل من غزة الذي ساهم في فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية واستيلائها العنيف على غزة في عام 2007 وحصار إسرائيل للقطاع. وأصبح إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل أكثر تواتراً، وبلغ ذروته في عملية “الرصاص المصبوب”، الغزو الإسرائيلي الضخم لغزة في الفترة 2008-2009. صوّت بعدها الإسرائيليون لإعادة نتانياهو، واتّخذ حزب الليكود توجّهاً شعبوياً قومياً على نحو متزايد. بحلول عام 2011، وصف أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين أنفسهم بأنّهم يمينيون، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الذين قالوا إنّهم يساريون، وهو رقم انخفض إلى 15%.

أكّدت شيندلين أنّ رحيل نتانياهو لن يُحدث تغييراً جوهرياً في السياسة الإسرائيلية

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، خاضت إسرائيل صراعات عديدة مع حماس، بما في ذلك عمليّتها الموسّعة في غزة في عام 2014، فازداد تأييد الناخبين الإسرائيليين اليهود للأيديولوجية اليمينية بشكل مطّرد. وكان المؤشّر عند حوالي 50% في منتصف العقد، ووصل إلى 60% بحلول عام 2019. في هذه المرحلة، تمّ استطلاع آراء العرب الإسرائيليين، وهم حوالي 20% من السكان الإسرائيليين (ولكن حوالي 17% من الناخبين البالغين)، بانتظام، وأدّى انخفاض مستويات دعمهم للأيديولوجية اليمينية إلى انخفاض المتوسط العامّ. ومع ذلك، حتى مع تضمين العرب الإسرائيليين، اعتبر حوالي نصف إجمالي الجمهور الإسرائيلي أنفسهم يمينيين. (عزّز العرب الإسرائيليون إجمالي اليسار إلى حوالي 18% من إجمالي السكان في معظم استطلاعات السنوات الأخيرة). وعزّزت السنوات التي سبقت الحرب الحالية هذا المسار.

إقرأ أيضاً: توماس فريدمان: صيغة حلّ وحيدة لثلاث حروب

على الرغم من الغضب الواسع النطاق من خطة حكومة نتانياهو للإصلاح القضائي، استمرّت غالبية الناخبين اليهود في التماهي مع اليمين في استطلاعات الرأي، وفقاً لدراسة استقصائية أجراها مركز aChord، لأبحاث علم النفس الاجتماعي التابع للجامعة العبرية، قبل خمسة أيام فقط من هجمات حماس، وجدت أنّ ثلثي اليهود الإسرائيليين يتماهون مع اليمين (إمّا “يمين حازم” أو “يمين معتدل”)، بينما تمّ تحديد عشرة في المئة مع اليسار. وهذا يعني أنّه بالنسبة لكلّ ناخب يهودي إسرائيلي يساري، كان التوجّه نحو ما يقرب من سبعة ناخبين يمينيين. وبالتالي لن يكون من المفاجئ أن يتّجه الإسرائيليون أكثر نحو اليمين في أعقاب أسوأ حلقة من أعمال العنف ضدّ الإسرائيليين منذ تأسيس البلاد. وعلى الرغم من الاستياء الشعبي الهائل من قيادة نتانياهو، من المرجّح أن تسمح له المخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي بالبقاء في السلطة حالياً. وحتى لو تمّت الإطاحة بنتانياهو في نهاية المطاف من السلطة، تستبعد خبيرة الاستطلاعات أن تسلك إسرائيل مساراً أيديولوجياً مختلفاً. إذ وفقاً لاستطلاع في 24 تشرين الثاني، تبيّن أنّه إذا أُجريت الانتخابات الآن، فسيحصل حزب الوحدة الوطنية من يمين الوسط الذي يتزعّمه غانتس على 43 مقعداً، أي بزيادة 11 مقعداً عن الليكود في انتخابات عام 2022 وأكثر من ضعف ما سيحصل عليه الليكود الآن. وخلصت شيندلين الى القول إنّ إحدى النتائج المعقولة للأزمة الحالية، هي تحوّل إسرائيل إلى حكومة جديدة بقيادة غانتس الذي مع سجلّه العسكري الطويل ووجود أعضاء سابقين في حزب الليكود في حزبه، يتمتّع بشرعية اليمين وسيرغب في الحفاظ عليها.

 

لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا

مواضيع ذات صلة

فريدريك هوف: خطوات ترسم مستقبل سوريا

حّدد الدبلوماسي والمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا السفير فريدريك هوف عدّة خطوات تستطيع تركيا، بمساعدة واشنطن، إقناع رئيس هيئة تحرير الشام، أبي محمد الجولاني، باتّخاذها…

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…