تعرية إسرائيل ولبنان… والدور الإيرانيّ المتجدّد

مدة القراءة 5 د


عرّت حرب غزّة إسرائيل، لكنّها عرّت لبنان أيضاً. في موازاة تعرية إسرائيل ولبنان، أكّدت حرب غزّة الدور المتجدّد لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية في المنطقة بعدما بات مفتاح توسيع الحرب أو عدم توسيعها في يدها. بعد حرب غزّة، لم يعد من مجال للتساؤل عمّن يسيطر على لبنان ومفاصل السلطة فيه ومن يتحكّم بكلّ صغيرة وكبيرة في البلد. يمكن تشبيه مرحلة ما بعد غزّة بمرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع عام 2003، وهو احتلال كانت ترجمته على أرض الواقع تسليم إدارة جورج بوش الابن العراق، البلد العربي المحوري والمهمّ بشكل استثنائي، على صحن من فضّة إلى إيران.
وقتذاك، عملت “الجمهوريّة الإسلاميّة” على ربط طهران ببغداد ودمشق وبيروت، وهو ربط كان بين ضحاياه رفيق الحريري، الذي فُجّر موكبه في شباط 2005 في بيروت. مع اغتيال رفيق الحريري، اغتيلت آخر محاولة تتّسم بالجدّية لإعادة الحياة إلى مشروع اسمه لبنان ولمحاولة إعادة وضع البلد على خريطة الشرق الأوسط. أين موقع لبنان في هذه الأيام على خريطة الشرق الأوسط باستثناء موقع المحميّة الإيرانيّة لا أكثر؟

المشروع الإيراني يستكمل أعماله
يُستكمل حالياً، في مرحلة حرب غزة التي تعني بين ما تعنيه بعث حياة جديدة في المشروع التوسّعي الإيراني، تفكيك لبنان بشكل منهجي والقضاء على ما بقي من مؤسّساته الواحدة تلو الأخرى. يظلّ أفضل تعبير عن ذلك ما يحدث في جنوب لبنان حيث لا قدرة للسلطات اللبنانية على ممارسة أيّ دور بعدما صار صاحب القرار اللبناني وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. لم يعد حسين أمير عبد اللهيان يجد أيّ حرج في الحضور إلى لبنان عندما تدعو الحاجة إلى ذلك بغية تأكيد أنّ إيران تختزل عبر شخصه كلّ ما في لبنان من سلطتين تنفيذية وتشريعيّة… أو ما بقي منهما.

لا مفرّ من الاعتراف بأنّ حرب “حماس” على إسرائيل لا تمتلك، على الرغم من الانتصار الذي تحقّق يوم 7 تشرين الأوّل 2023، أيّ أفق سياسي

كشفت حرب غزّة أنّ إسرائيل لا تمتلك سياسة من أيّ نوع، اللهمّ إلّا إذا كان يمكن تسمية تكريس الاحتلال وسلب الحقوق المشروعة لشعب بكامله، سياسة. كان سقوط كلّ هذا العدد من القتلى الإسرائيليين في الهجوم الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأوّل الماضي دليلاً على السقوط الإسرائيلي في ظلّ حكومة يمينية ترفض فكرة العيش بسلام في المنطقة.
لا يختلف عاقلان على أنّ المجتمع الإسرائيلي يعاني منذ سنوات عدّة من أمراض خطيرة يعبّر عنها في الوقت الحاضر تقديم بنيامين نتانياهو مستقبله السياسي على كلّ ما عدا ذلك، بما في ذلك مصير الدولة العبريّة. بات على إسرائيل، في ضوء حرب غزّة، التفكير في ما إذا كانت دولة قابلة للحياة. يشير إلى ذلك رفض جنود احتياطيين الالتحاق بالجيش بعد إعلان التعبئة العامّة. هذه ظاهرة جديدة تعطي فكرة عن خطورة التجاذبات في الداخل الإسرائيلي، وهي تجاذبات عمّقها “بيبي” نتانياهو بما يهدّد مصير الدولة التي صار عمرها ثلاثة أرباع القرن ويضع مستقبلها على كفّ عفريت فعلاً.

لا أفق سياسي لحرب غزّة
لا مفرّ من الاعتراف بأنّ حرب “حماس” على إسرائيل لا تمتلك، على الرغم من الانتصار الذي تحقّق يوم 7 تشرين الأوّل 2023، أيّ أفق سياسي. لا وجود لمثل هذا الأفق السياسي في ما يخصّ الحركة نفسها التي صارت مستبعدة دولياً في ظلّ إجماع إسرائيلي على رفض التعاطي معها. إضافة إلى ذلك، يزيد الأمور تعقيداً أنّه لم يتّضح بعد من اتّخذ قرار الحرب التي أدّت إلى أسر عشرات الإسرائيليين وقتل نحو 1,200، وهل يقتصر الأمر على محمد ضيف ويحيى السنوار الموجودين في غزّة؟

ثمّة أسئلة كثيرة ما زالت من دون أجوبة. بين هذه الأسئلة: هل كان قياديّو “حماس” في الخارج على علم بالهجوم؟ هل يكون لهؤلاء دور في المستقبل؟ هل يكون الرهان الوحيد لقياديّي الخارج، من نوع إسماعيل هنيّة وخالد مشعل وغيرهما، على إيجاد مثل هذا الدور… على أنقاض المدن والبلدات الغزّيّة وقناعة بأنّ إسرائيل لا يمكن إلّا أن تصفّي ضيف والسنوار وأمثالهما قبل الانسحاب من غزّة… هذا إذا كانت ستنسحب من القطاع كلّه يوماً؟
على الرغم من تمديد الهدنة واستمرار عمليات تبادل الأسرى، لا تزال حرب غزّة في بدايتها. لا يمنع ذلك التوقّف عند واقع تعرية إسرائيل ولبنان، وعند الدور الإيراني الجديد على الصعيد الإقليمي. لم يعد هذا الدور خافياً على أحد بعدما عرضت إيران عضلاتها في غير مكان. عرضتها في العراق حيث يتصرّف “الحشد الشعبي” بميليشياته المختلفة بصفة كونه الدولة العراقيّة. عرضتها في سوريا واليمن. عرضتها خصوصاً في لبنان… حيث عيّنت مفوّضاً سامياً لها. لم يكن مجيء حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت في يوم عيد الاستقلال، وهو يوم عطلة رسميّة، مجرّد صدفة. كذلك إصراره على لقاء رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء يومذاك بالذات.

إقرأ أيضاً: لبنان… والثمن الإيرانيّ لاحتواء حرب غزّة

مثلما ليس معروفاً المصير الذي ستؤول إليه “حماس” وطبيعة العلاقة بين قياديّيها في غزّة وأولئك المقيمين خارجها، ليس معروفاً أيضاً هل تتمكّن إيران من التوصّل إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي؟ ليس معروفاً بشكل خاص هل في استطاعة إدارة جو بايدن عقد أيّ صفقة من أيّ نوع مع إيران قبل أقلّ من سنة من موعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركية!

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…