لعبة “ليغو”… أميركيّة لتجديد السلطة!!

مدة القراءة 5 د


السلطة الفلسطينية استثمار أميركي دولي متعثّر، حاولت الدبلوماسية الأميركية معالجة الوضع المتردّي لاستثمارها من خلال مسار واحد ينتهي بحائط مسدود هو المسار الإسرائيلي.
الفعّاليات الأميركية تركّزت على ترتيب لقاءات فلسطينية إسرائيلية بمشاركة أردنية ومصرية، مثل لقاء العقبة ثمّ شرم الشيخ فيما بعد، وكانت اللقاءات وما يدور فيها وما ينجم عنها تبدو كما لو أنّها في عالم آخر، وذلك بفعل ما كان يجري على الأرض من فعّاليات إسرائيلية تقول للمجتمعين: “ما يحدث في العقبة وشرم الشيخ يظلّ هناك”، وما يحدث هنا، أي في الضفة، هو السياسة الإسرائيلية الحقيقية، التي لا تغيير فيها. كانت أشرس الفعّاليّات الإسرائيلية تتمّ إمّا بتزامن مع اللقاءات التي تنظّمها أميركا أو بعدها بفترة وجيزة.

الأميركيّون والضرر الكبير
في حقبة ما قبل حرب غزة، أي حين كانت الحرب مشتعلة في الضفة، تأكّد الفلسطينيون من أنّ الترتيبات الأميركية غير ذات جدوى، وأنّ ما يفعله الأميركيون بغرض الحفاظ على السلطة الفلسطينية يؤدّي إلى نتيجة واحدة، هي تراجع مكانة السلطة لدى جمهورها، إذ لم تكن لتحصل في استطلاعات الرأي على دعم يزيد على عشرين في المئة.
ممّا زاد الطين بلّة، أنّها وهي في هذه الحالة، وقعت عملية السابع من أكتوبر لتكرّس حماس كبطل للمشهد القتالي وليتطوّر وضعها على مستوى الرأي العام الفلسطيني ليبلغ أعلى معدّلاته منذ وجدت.

إنّ محاولة تركيب توليفة حكومية من أسماء يتمّ تداولها من منتسبي الطبقة السياسية المبعثرة، هو فعل محكوم عليه بالفشل

في حال الانقسام الذي ما يزال فاعلاً في حياة الفلسطينيين، فإنّ كلّ تراجع لمكانة السلطة في الضفة يقابله تقدّم في وضع حماس، وذلك فضلاً عن اختفاء دور السلطة تماماً في ما يجري من حرب شرسة على غزة، باستثناء مواقف روتينية وخطاب متحفّظ بدا من خلال تصريحات وزير الإعلام الفلسطيني.

كيف تتجدّد السلطة؟
نحن نتأهّب لدخول الشهر الثالث للحرب، ويمكن تحديد مكانة السلطة في الحالة الملتهبة حتى الآن، على أنّها غير مرضيّ عنها لدى الفلسطينيين ولدى الإسرائيليين ولدى الأميركيين الذين يتحدّثون عن حتمية تجديدها، بحيث يكون الرئيس عباس على رأسها دون صلاحيّات.
غير أنّ الأميركيين الذين رحّبوا بإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية الفلسطينية، تحت حجّة الخوف من فوز حماس، لم يقولوا كيف تتجدّد السلطة. وهذا الموقف الأميركي الواضح في عدم الرضا عن السلطة في وضعها الحالي، والغامض من حيث كيف تتجدّد، فَتَح شهيّة الكثيرين من هواة الحديث عن سيناريوهات المستقبل، ليعرضوا اجتهاداتهم وتقديراتهم بتساؤلات على النحو التالي:
– هل التجديد يتمّ من خلال توليفة من أسماء يجري تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر كبدلاء؟
– أم من خلال اختصار الأمر بتغيير حكومي يُعزَل من خلاله نفوذ عباس، ليتكرّس رمزياً، وتتولّى هذه الحكومة جميع المسؤوليات، وأهمّها بالطبع الماليّة والأمنيّة.
– أم يبقى كلّ شيء على حاله ويؤتى بشخصية فلسطينية على غرار تجربة سلام فيّاض ليتولّى القيادة الفعلية للحالة الفلسطينية.
كل هذا الذي يجري تداوله كسيناريوهات ينطوي على جهل فادح بالحالة الفلسطينية، التي بلغت طبقتها السياسية مستوى من التفكّك والتبعثر وفقر الشعبية والصدقيّة، بحيث لا تنفع معها توليفات أشخاص وهياكل ومسمّيات.
إنّ محاولة تركيب توليفة حكومية من أسماء يتمّ تداولها من منتسبي الطبقة السياسية المبعثرة، هو فعل محكوم عليه بالفشل وهو أشبه بتركيب سيارة من قطع غيار مستهلكة، يراد لها أن تدخل سباقاً شرساً مع سيارات أكثر جودة وحداثة وقدرة.

لا أحد يعرف على وجه الدقّة كيف ومتى تنتهي هذه الحرب المزدوجة على غزة والضفة، غير أنّ ما ينبغي الانتباه له هو أنّ الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى تلفيق وتركيب قيادات، وفرضها بقوة الأمر الواقع

ذلك أنّ ما ينتظر الفلسطينيين بعد حرب غزة وتواصل الاستفراد الإسرائيلي بالضفة، هي مهمّات كبرى تبدأ من توفير سكن حتى لو كان مؤقّتاً لمئات آلاف الغزّيين الذين فقدوا بيوتهم ويعيشون في المدارس والمستشفيات وسائر المرافق العامّة، وكذلك توفير الأمن والأمان لأهل الضفة الذين تتناوب عليهم قطعان المستوطنين المسلّحين والشرسين مع كتائب من الجيش النظامي وحرس الحدود وأجهزة الأمن والمستعربين. وفي غمار هذه المهمّات الملحّة ربّما يبدأ العالم بصورة جدّية بفتح ملفّات الحلّ السياسي التفاوضي المفترض أن يفضي إلى حلّ الدولتين.
إنّ مهمّات على هذا المستوى وتحت ضغط الضائقات المالية والاقتصادية والاحتلالية لا يمكن إنجازها بتوليفة يتمّ تركيبها من بقايا الطبقة السياسية المتهالكة أصلاً والفاقدة للصدقية وقوة الإقناع.

لا أحد يعرف
لا أحد يعرف على وجه الدقّة كيف ومتى تنتهي هذه الحرب المزدوجة على غزة والضفة، غير أنّ ما ينبغي الانتباه له هو أنّ الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى تلفيق وتركيب قيادات، وفرضها بقوة الأمر الواقع، فهم ليسوا بحاجة إلى من يحكم الأطلال ويتربّع على عرشها البائس، وإنّما إلى من يخلّصهم من هذه المأساة المهلكة، وذلك لن يتمّ إلا بتعديل بوصلة الجهد الدولي، ومن ضمنه الإقليمي والعربي، نحو دعم الشعب الفلسطيني في إعادة تأسيس نظامه السياسي القائم على مؤسّسات فعّالة والذهاب في الوقت المناسب، أي بعد أن تضع الحرب أوزارها، إلى انتخابات عامّة تنتج سلطة شرعية بحقّ، إذ لا شرعية أقوى من شرعية الشعب.

إقرأ أيضاً: الفلسطينيّون يستحقّون أكثر ممّا يطلبون

إنّ الذين يعتبرون الانتخابات مستحيلة ويبحثون عن صيغ بديلة عنها يجب أن يدركوا أنّ الصيغ البديلة لا تعمّر ولا تقود، وأنّ من يؤتى بهم عبر توليفة ملفّقة سيُنظر إليهم من قبل شعبهم على أنّهم محروقون قبل أن يبدأوا، وبذلك نعود مجدّداً إلى الدوّامة التي لا مخرج منها.

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…