تندرج زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان تحت عنوانين أساسيّين فرضتهما التطوّرات الأخيرة:
– تجدّد الضغط الدولي باتّجاه انتخاب رئيس للجمهورية. لذلك تكلّم لودريان باسم اللجنة الخماسية ومطلبها الأوّل “توحيد المواقف وانتخاب الرئيس”. يقول مصدر مطّلع لـ “أساس”: “يُماثِل الضغط الذي يتعرّض له رئيس الحكومة نجيب ميقاتي راهناً، وعبره الحزب والرئيس نبيه برّي، بذاك الذي تعرّضت له الحكومة في بداية حرب غزة والذي بدا أقرب إلى التهديد حيال خطورة توسّع رقعة الحرب في جنوب لبنان”. وقد تطرّق ميقاتي إلى مسألة المطالبة الدولية بانتخاب رئيس خلال كلمته أمس في جلسة مجلس الوزراء.
في هذا السياق، لا تعبّر زيارة لودريان بالضرورة عن هذا الضغط الذي يحصل في الكواليس وعلى أعلى المستويات بقدر ما تَخدم تقاطعات دولية تحاول توظيف تطوّرات المنطقة في الملفّ اللبناني. والدليل أنّ الوسيط الفرنسي لم يحمل أيّ مبادرة رئاسية جديدة ولم يسوّق أسماء، وحتى إنّه تحدّث بالعموميات عن قيادة الجيش متمنّياً تجنّب الشغور العسكري.
– ترسيم مسار جديد للأزمة الرئاسية عنوانها “ربط الساحات” بين ما جرى ويجري في غزة واستاتيكو جبهة الجنوب وبين ملف رئاسة الجمهورية، والقاسم المشترك الأساس هو الحزب واستراتيجيته في العمل غزّيّاً ولبنانياً. لكنّ تجدّد الضغط لانتخاب رئيس لا يعني إطلاقاً سرعة الحسم بعد دخول عوامل عدّة على الملفّ أكثر تعقيداً من مرحلة ما قبل 7 تشرين الأول.
هكذا يُصبِح مفهوماً التداخل بين الساحات الذي حصل بدايات حرب غزة ليس فقط لجهة الضغط الدولي الهائل الذي لوّح بعواقب “فتح” جبهة الجنوب، إنّما لجهة عدم غياب ملفّ الرئاسة بالكامل عن صالونات القرار والاستدراج اللبناني الذي عَكَسَه ميقاتي في جولته الخارجية، تحديداً إلى الدوحة، طالباً استئناف الوساطة القطرية ثمّ التحوّل، بعد بدء الهدنة، نحو ضغط دولي متجدّد وأقوى من قبل لحسم ملفّ رئاسة الجمهورية.
لم تأتِ مطالعة رئيس لجنة الدفاع النائب جهاد الصمد من العَدم. فالأخير، بما يمثّله من صوت سياسي، نعى تماماً احتمال تأجيل التسريح في الحكومة لأنّ “الحالة الراهنة” لا تنطبق عليها المواصفات القانونية
يقول العارفون: “يعلَم الخارج بأنّ الحزب هو أوّل من يسعى إلى عدم عودة هاجس الحرب إلى الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وهو يرفض حتماً أيّ ترتيبات أمنيّة جنوباً تعيق تحرّك عناصر المقاومة أو تعدّل في “الترجمة الميدانية” منذ 2006 للقرار 1701. وقد يكون لذلك “ثمن” قد يدفعه الحزب نفسه في أكثر من ملفّ داخلي على رأسه رئاسة الجمهورية”.
لقاء ميقاتي و”الخليلين“
على خطّ آخر، عشية انعقاد جلسة مجلس الوزراء وبدء لقاءات الموفد الفرنسي في بيروت عُقد اجتماع ليليّ في السراي بين رئيس الحكومة و”الخليلين” (معاون الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله والنائب علي حسن خليل) لم يخرج عن إطار اللقاءات شبه الدورية بين الطرفين التي تبقى بعيدة من الإعلام، لكنّها على اختلاف الملفّات التي تطرحها، ومن ضمنها ملفّ قيادة الجيش الداهم، تعكس جانباً من التنسيق الذي لم ينقطع يوماً بين “الحجّ نجيب” والثنائي الشيعي.
تبدأ نماذج هذا التنسيق بالمنحى “التقني” كالسيناريو مثلاً الذي واكب تطيير نصاب جلسة مجلس الوزراء في 14 تشرين الثاني الماضي وتحوّلها إلى لقاء تشاوري وصولاً إلى التنسيق حتى “العظم” المرتبط باستحقاق قيادة الجيش الداهم والذي تبرز آخر ترجماته من خلال “كربجة ميقاتية” واضحة حيال الملفّ بدأت وانتهت عند تكليف رئيس الحكومة الأمين العام لمجلس الوزراء إعداد دراسة قانونية حول السبل القانونية لسدّ الشغور العسكري… و”هيّي كانت”.
التنسيق إيّاه مع الطرف الشيعي هو الذي دفع ميقاتي مراراً إلى الحديث عن “الرويّة والهدوء” لبتّ الملفّ وإلى تكرار لازمة “ضرورة حصول التوافق حول التمديد لأنّني لست بوارد تحدّي أحد”.
في الوقائع، من يقف سدّاً منيعاً بوجه إبقاء العماد جوزف عون في موقعه بعد 10 كانون الثاني هو النائب جبران باسيل. ولو اكتمل التوافق المسيحي التامّ حول التمديد له، بما في ذلك غطاء الرئيس ميشال عون وباسيل، لما تمكّن الحزب من الوقوف بوجه الإجماع المسيحي. فهل يطلب ميقاتي فعلاً غطاء باسيل للتمديد حين يتحدّث عن التوافق، أم يراعي “كلمة” الحزب التي أفتت بمراعاة “فيتو جبران” على قائد الجيش تمديداً وترئيساً؟
الوسيط الفرنسي لم يحمل أيّ مبادرة رئاسية جديدة ولم يسوّق أسماء، وحتى إنّه تحدّث بالعموميات عن قيادة الجيش متمنّياً تجنّب الشغور العسكري
ميقاتي وفيتو باسيل-الحزب
تقود هذه المشهدية إلى نتيجة متوقّعة من حالة المراوحة التي تَحكم قرار الحكومة في ما يتعلّق ببتّ تأجيل تسريح قائد الجيش، وهي صعوبة “تسويق” ميقاتي أيّ طرح قانوني يتجاوز دور وزير الدفاع الجاهز فقط لتعيين رئيس أركان، لكن من ضمن سلّة تشمل المجلس العسكري بما في ذلك تعيين قائد جيش، أو ترك ورقة أخيرة بيده لتكليف ضابط يتولّى مهامّ القائد بالإنابة. باختصار، لو قُدّر لنجيب ميقاتي أن يخيّط ثوباً للتمديد لقائد الجيش لفعلها منذ أسابيع، لكنّه مكبّل بفيتو باسيل- الحزب.
لكنّ المفارقة الكبرى تكمن في بدء سماع أصوات من محيط الثنائي الشيعي تقطع الطريق حتى على مجلس النواب لبتّ ملفّ التمديد بما يعاكس إعلان الرئيس نبيه برّي أخيراً بأنّ الخيارات محصورة بين التعيين أو التمديد، وبأنّه جاهز للدعوة إلى جلسة تشريعية في النصف الأول من كانون الأول بجدول أعمال متكامل في حال لم تتمكّن الحكومة من الحسم.
إقرأ أيضاً: طلب قطريّ من الحزب: إسحَب سليمان فرنجيّة!
لا تمديد في مجلس النواب؟
في هذا السياق، لم تأتِ مطالعة رئيس لجنة الدفاع النائب جهاد الصمد من العَدم. فالأخير، بما يمثّله من صوت سياسي، نعى تماماً احتمال تأجيل التسريح في الحكومة لأنّ “الحالة الراهنة” لا تنطبق عليها المواصفات القانونية ولأنّ تجاوز وزير الدفاع يُشكّل مخالفة جوهرية لاتفاق الطائف. أمّا في مجلس النواب فاعتبر أنّ “التمديد لشخص أو “مجموعة محدّدة” معرّض للإبطال. وإذا ذهبنا نحو الشمولية (أيّ كلّ الضبّاط والعسكريين) فهذا يؤثّر سلباً على مؤسّسة الجيش”، متحدّثاً عن “أولوية انتخاب رئيس”.
لمتابعة الكاتب على تويتر: MalakAkil@